(تعقيبا على مقال ماهر شرف الدين)
هل تستطيع المعارضة أن تجعل من جرمانا رسالة للوحدة الوطنية الثورية
يقدم السيد ماهر شرف الدين بأسلوبه المنطقي المتماسك كثيرا من الأدلة المنطقية والقرائن التي يستنتج منها أن النظام هو المسؤول عن تفجيرات جرمانا ، لأنه المستفيد الوحيد منها ، ومع تقديري لكل ما قاله وساقه من براهين فإنه لابد من قول الحقيقة وهي أن كلام السيد ماهر هو من نوع تغطية الشمس بغربال ، والنظر للأمور بعين واحدة ، صحيح أن الأمور في سوريا قد وصلت – وللأسف الشديد – مرحلة الحرب القذرة التي يمكن للمرء فيها أن يصدق أي شئ ، وأن أي أمر مهما كانت فضاعته يمكن أن تصدق نسبته لأي جهة كانت ، لكن الصحيح أيضا أنه لا يكفي للمعارضة أن تقدم التحليلات والقرائن التي تبعد عنها شبهة عمل ما ، لابد للمعارضة أن تأخذ مواقف واضحة من كل الأعمال الإرهابية التي لا تهدف إلا لترويع الناس أيا كان هؤلاء و أيا كانت مواقفهم السياسية ،على المعارضة وليت السيد ماهر شرف الدين يتولى بأسلوبه المقنع هذه المهمة : عليها أن تصدر مواقف مبدئية من الأعمال الانتقامية ومن الإعدامات الميدانية ومن التصريحات المتطرفة التي تبث بالصوت والصورة وتتناول السعي لإقامة حكم ديني ، وتكفير الديمقراطية والديمقراطيين ن لا يكفي أن نجادل حول بيان جبهة النصرة الذي يهدد ويتوعد أهالي السويداء ونقول أن من فبركة النظام ، بل على المعرضة بأعلى مستوياتها السياسية أن تدين هذا التوجه من حيث المبدأ ، وأن تقوم جبهة النصرة ذاتها إن كانت صادقة بإدانة هذا الكلام وهذا التفكير ، لا أن ينبري الإسلامي ( الوسطي ) معاذ الخطيب للدفاع عن جبهة النصرة ولا أن يتنطح الماركسي ( الديمقراطي ) جورج صبرا للقول أن بندقية جبهة النصرة هي بندقية شريفة ، أين شرف لهذه البندقية التي تحتجز مجموعة من شباب السويداء من أجل المطالبة بإطلاق سراح معتقلين وتسليم جثث ضحايا سقطوا في معركة مع الجيش؟؟! هل أهل السويداء كتلة سياسية واحدة حتى تحاسب بعضا منهم بجريمة الآخرين ؟ وهل لأهل السويداء من النفوذ والسلطة التي تمكنهم من إطلاق سراح معتقلين ؟ ألا يوجد معتقلين من أبناء السويداء في أقبية أمن النظام ؟! تباً لهكذا جبهة ولهكذا نصرة تلك التي أزعجكم تصنيفها على قائمة الإرهاب
إن إصرار بعض ضعاف العقول ومرضى التطرف والهوس الطائفي على النظر لأهل السويداء الدروز على أنهم كتلة سياسية واحدة يحمل مخاطر وطنية كبيرة لأنه بداية ودلالة مشروع التقسيم الطائفي للوطن ، وفتح لباب حرب طائفية تأكل الأخضر واليابس لاحلم أحد فيها أن يكون منتصرا وإن طال الزمن ، وفيه دفع للدروز أن يصبحوا فعلا كتلة واحدة للدفاع عن أنفسهم ، ولمن لا يتذكر أعيده للتاريخ القريب جدا ، عندما أصر متطرفي الحرب اللبنانية على رسم خطوطها على أساس طائفي وبعد زمن قصير سأل الرئيس كميل شمعون حليفه الزعيم الدرزي الأمير مجيد ارسلان قائلا : هكذا يا مير بعد كل عملك وزعامتك ضد كمال جنبلاط نجد أن 99% من الجبل مع جنبلاط؟ - ومعروف أن المير مجيد كان خصما قويا لجنبلاط وحليفا مستمرا لشمعون – فأجابه الأمير حينها : لا أنت مخطئ 100% من الجبل مع جنبلاط لأن 1% الباقي هو أنا وأنا الآن مع جنبلاط ، أقول ذلك لأبين أن التقسيم الطائفي يعيدنا لعصبيات ما قبل الدولة فنخسر الدولة ونخسر الوطن ونخسر الشعب وكل منا يخسر نفسه
دعنا نصدق رواية جبهة النصرة عما حدث في معركة حاجز المجيمر وأن بعضا من الشبيحة قد ساعدوا قوات الحاجز ضد مهاجميه ، فبأي منطق تهدد السويداء كل السويداء ، ألم يكن في حلب شبيحة؟ لماذا لم تهددها جبهة النصرة ؟ أليس رستم غزالي من خربة غزالة فلماذا لم نسمع جبهة النصرة تهدد أهالي خربة غزالة ؟ أليس البوطي من دمشق فلماذا لم يهددوا كل أهل دمشق ... وإن كان الرد أنها تهديدات مفبركة فماذا يقول قادة الائتلاف عن شريط الذي بثته جبهة النصرة ويظهر الشباب الدروز المختطفين وتطالب الجبهة أهالي السويداء بإطلاق المعتقلين ....وإلا القتل والتفجير ... وأين هي بيانات الإدانة والاستنكار من الثورة والثوار؟!!
أن تكون جرمانا رسالة إلى السوريين عنوانها الوحدة الوطنية ودولة المواطنة والقانون والديمقراطية الحقيقية وليست ديمقراطية التقية والتضليل ، أن تكون كذلك هي مسؤولية المعارضة وامتحانها الفعلي ، مسؤولية العمل والأداء وليس الكلام (والاختباء بخيال الأصبع )ولا تغطية الشمس بغربال
ليس الشباب العسكريون الذين انضموا للجيش الحر فقط هم من يحفظ ماء وجه الجبل يا سيد ماهر ، بل هؤلاء وكل أحرار الجبل ومناضلوه السياسيون والذين عرفوا جيدا معنى الاعتقال والقمع ، هم شباب السويداء ومثقفيها الذين ما هدءوا يوما عن المحاولة والاحتجاج والتظاهر والاعتصام بغض النظر عن حجم هذه التظاهرات قياسا بحجم القمع الممارس ضدها ، إنهم أحرار شهبا الذين اقتحم الأمن والشبيحة بيوتهم إنهم شباب القريا ومردك والمقرن الغربي , إنها والدة ضياء العبد الله التي آذاها الشبيحة ،إنها منتهى الأطرش وريما فليحان وسميح شقير وماهر شرف الدين وجبر الشوفي ...... الخ ، إنه تاريخ الجبل المشرق في التوق إلى الحرية والتضحية من أجلها.
لا يؤخذ على أهل السويداء إصرارهم أن يكون تحركهم سلميا ، فقد قالها يوما القائد سلطان باشا الأطرش في برقيته إلى النظام في زمن صلاح جديد ، يوم أضرب المعتقلون السياسيون عن الطعام ، قائلاً : " أبناؤنا مضربون في السجون ونحن نحملكم مسؤلية ذلك ، لقد اعتاد هذا الجبل الأشم أن يثور ضد الطاغي والمستعمر ، لكن يأبى أن يحمل السلاح ضد أبناء جلدته ..... إلى آخر البرقية " ، وليس جريمة أهل السويداء أن ميزان القوى مختل لغير صالح المعارضة والمعارضين ، لأسباب أظن أن السيد ماهر شرف الدين هو الأقدر على تحليلها ، والتي ليس أقلها أن الأحزاب السياسية التي كان من المفترض أن تؤيد الحراك المعارض هي أحزاب كرتونية وقيادات مدجنة دون قواعد ومرتمية بأحضان النظام مكتفية بمكاسب شخصية ومتغطية بشعارات جوفاء خادعة ، وليس آخرها أن قيادات المعارضة التي تصدت للواجهة السياسية لم تقدم خطاباً مطمئنا لعموم الشعب السوري وجامعا لكل مكوناته من خلال خطاب وطني ديمقراطي ، يرفض كل أشكال التمييز والتطرف والمذهبية.
عندما نتحدث عن النظام يمكننا قول الكثير ، لكن عندما نتحدث عن المعارضة يجب أن نتحلى بالشجاعة لقول كل شئ بوضوح دون مداهنة أو مجاملة أو انسياق وراء رغباتنا بأن نكذب ما لا نرغب به ونصدق ما نريده فقط.
المعارضة هي من عليها تأكيد رسالة المواطنية والديمقراطية ورفض كل مظاهر التطرف والمذهبية والطائفية وليتحول شعار الشعب السوري واحد إلى حقيقة حقيقية وليس مجرد كلام للاستهلاك.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية