أيها المثقفون والصامتون..سوريتنا تتلاشى... عدنان عبد الرزاق

لم ولن، ولا يمكن للرئيس بشار الأسد أن يقبل بأي تسوية من شأنها أن تفقده كرسياً سكن في لاوعيه أنه حق موروث، وإن قبل –وهذا مستحيل- لا يمكن لمن حوله، وهم أصحاب قرار فاعل قد يفوق قراره على الأرض، أن يتركوه يجنح للمحافظة على ما تبقى من سوريتنا، حتى وإن وصل الأمر لقتله. لأن أي حل سيكشف خبايا وخفايا تجعل أكثر المغررين بهم، يلعنون على زمن"الصمود والتصدي " وتتلاشى مفاعيل خطابات وسلوكيات تكرست عبر عصور من شأنها الفرقة والفتنة، لأنهما وغيرهما من سوء في العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات، وسائل الديكتاتورية في الحكم، وإن من وراء أقنعة، علمانية حيناً وقومية شعاراتية بقية الأحايين.
بداية القول: لنضع مرتكزات علها تزيل بعض نقاط خلاف، ليس لأحد في الخارج أي رغبة بحل الأزمة السوية إلا بما يتوافق مع مصالحه، ابتداء من الدول العربية وصولاً لروسيا الاتحادية والولايات المتحدة مروراً بإسرائيل، وكل ما يغرق فيه النظام من تعنت وقتل وتأمين مناخ تدخلي، إنما يخدم مصالح الآخرين في وصول سوريا لنقطة اللاعودة.
إذا، ما الحل في واقع يزداد تعقيداً، وأنتم- أيها الصامتون- مازلتم بيضة قبان يتاجر النظام بصمتها ويستند على عقلانيتها، بعد أن أشاع أنه في صدد معركة مصيرية من شأنها المحافظة على سيادة سوريا وحقوق أهليها.
إن آمنّا وصدقنا كل ما يقال حول أسلمة الثورة والتدخل الخارجي ووجود مؤامرات على سوريا الممانعة، فهلا فقدنا ذواكرنا لنقارن ونفاضل ونستذكر ماذا كان يجري في أروقة الحكومة والقيادة ومطابخ صنع القرار، وهل كل ما كان يجري، إن على صعيد تعيين المسؤولين أو إدارة البلاد أو حسن استخدام الموارد، أو حتى سياسات التفقير وإلغاء الطبقة الوسطى وتأمين مناخ الفساد وتجميع الثروة في يد قلة قليلة، هي مؤامرة وقتذاك، وهل من جبهة نصرة وقاعدة وسلفيين حينها.
سوريتنا وفي واقع الثأرية المتأصلة في فكر النظام بعد أن تمرد"العبيد على سيدهم وطالبوه بالحرية "، غدت في خطر محدق وأمام خراب محتم قد لا ينتهي ولا لعقود، فالنظام الذي اختبر العالم بأسره عبر تدرجه في طرائق القمع والقتل، أيقن أن كل دول العالم ترحب بالسناريو اليوغسلافي في نهاية المطاف، بل وتقسيم سوريا حل مرضٍ لجميع من أعلن أنه يخاف على سوريا وعقد اجتماعات وملتقيات لدعم الشعب السوري، والنظام يطمئن مناصريه ومن حوله من خلال امتلاك بعض نقاط قوة، لعل الترسانة الحربية التي دفعنا من جوعنا وفقرنا وراحتنا لشرائها، أهمها، فبعد تهديم البلد، يمكن للنظام ومن وحوله- هكذا يحسب- أن ينتقلوا بفضل الأسلحة الكيماوية، إلى دولة الساحل، ويترك للسوريين دفع ثمن مطالبهم لحقوقهم وتمردهم على "سيدهم ".
قد لايكون من حل عسكري مضمون الآن، ليس لأن النظام قوي أو المعارضة ضعيفة، بل لأن القرار الدولي الوحيد المتفق عليه حول سوريتنا، هو تقوية طرفي النزاع وإبقاء الحرب حتى تأتي على أي أمل بناء وتعايش في المستقبل.
لذا، ومن خلال واقع تلمسونه أكثر مني وربما تعايشونه أيضاً، ما هو الحل أمام مرض نفسي وصل حدود العقدة والإجرام من نظام، فعلاً يحرق البلد إن هدد أهلوه الكرسي والبقاء.
أعتقد أن الحل يتأتى من أمرين اثنين لا ثالث لهما، وإلا فصوملة سوريا هو أحلى الأمرّين الذي يبقينا كسوريين في حرب واحتراب و ثأرية قد تمتد لعقود طويلة.
الأمر الأول، التفكير والتفكر بأسباب الأزمة ومن أوصل سوريا إلى ما هي عليه، ومن ثم الانسحاب من صف نظام متخلف بكل ما تحمل الكلمة من معنى، بل وتخلفه يصل حدود العودة للطائفة والعشيرة إن اقتضت ضرورات البقاء بعد أن حمل لواء القومية والعلمانية وتاجر بهما لعقود، فهل شهد التاريخ نظاماً أحمقاً كهذا، يكابر على سياقات التاريخ ويمنع بلداً عن أبسط حقوقها كرمى لعصابة ظن عبر الصمت والتراكم أنها وريثة ملك وكرسي ومال وسيادة.
الحل الثاني هو التمادي بالصمت والتأييد ريثما تحل المسألة على الأرض عسكرياً، وذلك باعتقادي لن يحصل، وإن حصل، فلن يكون قبل الإجهاز على كل شيء...أجل كل شيء.
الحل الأول لا يقتصر على خروجكم عن صمتكم فحسب، بل وقيادة المبادرة إذ ليس من خصائلنا أن نركن حلول أزمتنا"إلى قريب سلمناه أمرنا أو عدو يتجهمنا ويسعى لتلاشينا " والمبادرة تتأتى من طرح تسوية إلزامية، قلت تسوية وليس هدنة، أي لا وجود للرئيس من مكان خلالها، تسوية سياسية تحافظ على ما تبقى ويمكن المحافظة عليه، وعندما يستتشعر النظام بذلك التحرك سيرتدع عن غيه وقتله لا محالة.
آسف بشدة لطريقة الطرح التي قد يرى فيها البعض وعظية أو حمل لواء وطنية، لكن سوريا وحدها وراء القصد ويكفيني أجر واحد و أضع خطأ طريقة الطرح سلفاً في حسباني.
نهاية القول: أوغل النظام في تكريس الطائفية وعوامل التخويف، لأنها ورقة بقائه الأخيرة بعد أن عسكر الانتفاضة ودوّل الأزمة، و قلت وأكرر، مازال لديه بعض نقاط القوة، إن لجهة عهر الموقف الدولي الذي اختبره مراراً، أم لجهة الأسلحة الفتاكة التي تضمن- حسب زعمه- بقاءه وإن على رقعة غالية هي وأهليها من سوريتنا الموحدة.
لا أعتقد الدعوة للقتل والانتقام في مصلحة أحد، ببساطة لأنهما سيطاولان الجميع ولو بعد حين، لذا قد نكون أمام لحظة تاريخية يقوم خلالها المثقفون وأصحاب الرأي بمبادرة ويصفعون النظام بوطنيتهم التي تتعدى كل حدود التخويف والتغييب والنفعيات ...وإلا ستستمر المعارضة المسلحة في سعيها ونحرق أيدينا بأيدينا ريثما يسقط النظام الذي سيسقط ولا مجال لبقائه بعد أنه قتل وهدم وأجرم بحق السوريين النبلاء.
..وسوريتنا وراء القصد والاعتماد على عقول وضمائر السوريين والتاريخ لن يرحم متخاذلاً.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية