أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"العواينيّة" ومرضهم الذي لا دواء له إلا الكيّ!... منذر السيد محمود

كنا نقرأ أن بعض من كانوا يتعاونون وهم شباب صغار مع بعض الظلمة في أواخر أيام الدولة العثمانية فيتجسسون على الناس ويبلّغون عن المتخلفين عن الذهاب إلى ما كان يسمى بـ"السفربلك" فيدمروا أسرة ويتسببوا في مقتل ولدها لدراهم معدودة، هم أنفسهم وقد صاروا في سن الكهولة من كانوا "عواينة" ومخبرين سريين للمحتل الفرنسي يزودونه بالأخبار عن الثوار لأموال يتقاضونها يبيعون بها أهلهم وأبناء بلدهم، وبعد التحرير وخروج الفرنسيين من سورية ومجيء بعض "الحكومات الوطنية!" وقد احتاجت إلى بعض "الفسفيس" لتشكل جهازا استخباراتيا سريا تلاحق به من لا يقدس قرراتها ويحترم ما يريده المتصدرون والمتزعمون على الشعب فيها لم تجد إلا هؤلاء المخبرين السريين والعواينة السابقين ليكونوا جنودها في مص دماء الشعوب!

فما دين هؤلاء؟ ولمن ولاءهم؟ فكل يوم مع أحد! وكل يوم مع من غلب!

هل هو المال وحده ما يدفعهم لذلك؟
نعم يدفعهم المال ولكن بعضهم ذو مال كثير، بل مستعد أن يكتب بالمجان!

فهل يدفعهم البحث عن ملاذات يتقوون بها ويستشعرون بالعمل معها بالقوة والجبروت؟
نعم يدفعهم ذلك لتخريب بيوت الناس؛ فليشعروا ببعض القوة فلا مانع عندهم من أن يدوس هؤلاء الأقوياء من الحكام والمتسلطين على كرامات البشر ويسيئوا إلى أكابر الناس وكرماءهم وعامتهم وأصحاب الوجاهة والشرف عندما يفترون عليهم فيرسمون لأولئك المتسلطين المعتوهين أن هؤلاء أعداءهم ومن يريدوا أن يسحبوا البساط من تحت أقدامهم! وربما قالوا ذلك وفعلوه لتحقيق غايات دنيئة لهم كأن يزيح أحدهم رجلا يريد أن يخطب فتاة يريدها لنفسه؛ ويعتقد بأنها لن تقبل به بوجود ذاك! أو يقوم بالتبليغ افتراء على آخر ربما ضايقه بصوته في سوقه!

هذان دافعان مهمان لهؤلاء "العواينة" ليؤذوا الناس ويكونوا جراثيم ضارة في المجتمع غير أن ثمة عامل هو أهم منهما معا؛
إنه عامل نفسي شيطاني يشترك فيه جميعهم عربهم وعجمهم ومن كل أمة وملة وفي كل أزمان التاريخ، إنه دناءة تحمل الشخص على الحقد على الآخرين آذوه أو أحسنوا إليه، أعطوه ما يريد أم منعوه، عاملوه بالحسنى أو بغيرها؛ فلكل واحد من هؤلاء عنده ثأر حاضر ولن يعدم سببا توحي إليه به نفسه الخبيثة ليحقد عليه ومن ثم ينتقم؛
فيحقد على أخيه بدعوى تفضيل أبويه عليه! وعلى صديقه في الدراسة لأن المعلم قدمه عليه! -ومن باب أولى عندها أن يستهدف المعلم- وعلى جاره لأنه لم يقبل بخطبة ابنه غير الكفء لابنته! وعلى جالس في المقهى لأنه لم يرد التحية عليه باحترام زائد يرضي نفسه المريضة! وعلى ابن عم له من دمه ولحمه لأنه نافسه في المكانة وربح محبة الناس له إذ استقوى بعلمه وأدبه! وعلى الطبيب الذي عالج ولده لأنه لم يشفى! وعلى الطبيب الذي شفي ولده عنده لأنه كان زميلا له في الدراسة فنجح وارتقى وبقي هو في أسفل مراحل التعليم! وعلى المراجع لدائرته الذي استشرف أن يكون راشيا! بل على من رشاه لأنه رأى المنّيّة في عينيه! بل على غني ساعده يوما وقد شعر بالذل لتفضله عليه في ساعتها وإن لم يبدر من الحسن ما يوحي بذلك! وهكذا فلا ينجو منه أحد!

ومما نقل من الوقائع في ثورتنا الراهنة أن الشبيحة دخلوا بيتا اختبأ فيه بعض الناشطين وبحثوا فلم يجدوه؛ فخرجوا، وما لبثوا أن عادوا ومعهم "عوايني" ملثم يمشي أمامهم حتى اقتادهم إلى غرفة أمام أحد جدرانها خزانة كبيرة فأشار إليها فأزالوها ليجدوا ورائها بابا! فكسروه ودخلوا وقبضوا على الناشط المختبئ وعندها جُن جنون أمه؛ فكيف عرف هذا المخبر بمكان هذا الباب ولا يطلع على ذلك من غير أهل البيت أحد! فما كان منها إلا أن هاجمت الملثم وانقضت عليه وكشفت عن وجهه لتصرخ بملء فيها: أخي فلان!!!
فهذا قد دل على ابن أخته ليس ليراجع قسما للشرطة في مخالفة ارتكبها بل ليعود بعد أشهر وقد مات تحت التعذيب! فهل ثمة أخس وأوضع من مثل هذا المخلوق النشاز؟!

إنه داء عضال لا تكاد تعرف امرءا شفي منه أو تاب عنه يوما بل ترى صاحبه متنقلا بجربه من حاكم لآخر، كيف كان حاله وبأي شيء حكم! ومن بوليس سري لآخر مهما كان ظلمه وغشمه! بل ترى الأمر قد رافقه منذ صباه فقد كان بين رفاقه فسّادا ولأخبارهم نماما ولهم مغتابا، وربما وجد -للأسف- بين معلميه -أحمقا- لم يردعه فتسمّع له ونمّى مرضه! ثم تراه كلما جاء مدرس جديد تبرع له بكتابة أسماء "المشاغبين" وإن كان ذو إمكانيات خاصة فسيعد القائمة ويقدمها قبل الطلب بل قبل الموافقة والتعيين!

ومما حدث به الحمويّون في أحداث الثمانينات أن الثوار ومن كان يقاتل في صف الإخوان يومها سيطروا على مباني المخابرات والبعثيين في المدينة، ووجدوا ما تشيب له الرؤوس من الوثائق والتقارير السرية التي كتبها خونة بلدهم تقربا بدماءهم إلى السلطات فجمعوا هؤلاء المخبرين ليحاكموهم، فماذا فعل "العواينية" هؤلاء؟ بادروا إلى التوبة والبكاء والعويل وأنهم نادمون وقد كانوا مكرهين ومجبرين ومهددين! وقام بعضهم بالتشهد وإعلان الدخول في الإسلام ثانية!! وبعضهم أخذ يصلي ليثبت توبته!!! وكأن القضية متعلقة بدينه والتزامه لا بخيانته مهما كان! وهنا انقسم حاجزوهم ومعتقلوهم فيما بينهم؛


أيقتلون خائنا وقد تاب؟! فحملهم جهلهم وقلة علمهم على مسامحتهم وأخذ العهود والمواثيق عليهم أن يكونوا مواطنين صالحين! وسرهم ما سمعوا من ثناء هؤلاء التائبين! ودعاءهم لهم! ولكن ماذا حصل بعد ذلك؟!
عندما اُقتحمت المدينة من سرايا الدفاع والقوات الخاصة فإن أول ما قامت به وقد انسحب المقاتلون التابعون للإخوان وبقي من كان يساندهم من شباب حماة ورجالها بين الأهالي -وما كان ليعرفهم النظام المجرم لأنهم من ضمن الناس ومن بينهم ومن نسيجهم-، عندها جاء "التائبون النادمون" مرافقين لدوريات المجرمين ليمشطوا المدينة والبيوت بيتا بيتا وهم يخبرون عن الناشطين فيها فيقولون: من بيت فلان: فلان وفلان وفلان... ويحددونهم بأشخاصم وأعيانهم فيقوم الجيش بإنزالهم من بيوتهم ورشهم برصاصه الجبان ليرديهم قتلى وينتقل إلى بيت آخر وهكذا حتى أحصوا كل من حمل السلاح ووقف بجانب الثوار! ولم تنتهي المسألة عند هذا الحد طبعا؛ فقد قام المجرمون بعدها بارتكاب المجازر وقد صفّوا البلد من كل حامل للسلاح أو قادر على حمله! وما كان ليحصل كل هذا لولا أمور من ضمنها الحماقة في التعامل مع هؤلاء الحثالة الذين لا يمكن أن ينتموا إلى زمرة البشر يوما

لقد حركني لكتابة هذا المقال خبر نشرته الغارديان ولم أستغربه أبدا؛ وهو أن جهاد مقدسي -والمنعوت لكثرة دجله وبجاحته متحدثا باسم عصابة الشبيحة القرود بـ"مسيلمة"- يتعاون مع السي آي إيه؛ أي أنه "عوايني" للأمريكيين الذين كان يشتمهم ويتهم الثوار بالعمالة لهم قبل أيام فهو "عوايني" ولكن "عوايني مودرن" باعتباره يعمل مع الأمريكان، ولم نرى منه نفيا أو نسمع منه دفاعا!
وكنا لما سمعنا عن "إنشقاقه" -كما روّج البعض ولم نسمع منه بيانا ولا حتى بمتسوى بيان مناف طلاس الضحل لشبه إنشقاق - ارتبنا في الخبر وتعجبنا فمثل هذا لا ينشق عن الشر حتى ولو شقه الخير نصفين لأنه لو ألصق وعاد لعاد لما كان عليه بل أشد سوءا!
لقد كشفت لنا المواقع الثورية أمر هذا "العوايني" وكيف أنه كان مختصا بتصوير المتظاهرين في بريطانيا وكتابة التقارير عنهم ليحاسَب ذووهم ويعاقبوا في داخل سورية ولعل له تاريخا ذو سوابق في طفولته وصباه وإن خفي علينا لأن ذلك سيكون متناغما مع منصبه الجديد كمفترى ومستخف بدماء الشهداء وأعراض الشرفاء لأن من اعتاد على الافتراء سهل عليه الدفاع عن سيده المجرم الأكبر وإن كان موقعه هامشيا في مجلسه وليس له إلا الكرسي الأخير من الصف
تناولت هذا المتعامل مع وجهين لعملة واحدة "الشبيحة" و"الأمريكان" ولا أعنيه وحده بل كل من يفعل فعله فينتقل من دسيسة إلى دسيسة ومن عدو للبلاد والشعب إلى عدو آخر ربما أخبث وأسوأ!

إن من أوجب الواجبات الحذر والتحذير من هؤلاء اللصوص الجواسيس الذين يستغلون خفاء أمرهم على بعض الناس فيسترقون أخبارهم ثم يبهرونها ويعظمونها حتى تعظم الجائزة ويرضى عنهم أسيادهم ويشبعون أهواءهم المريضة بالحقد والضغينة
هؤلاء يجب الحذر الشديد منهم وأن يجعلوا على القائمة السوداء ما بقوا أحياء؛ فهؤلاء إن لم يجدوا في داخل البلاد في المستقبل من ينمّون له ويفترون عنده فسيسارعون إلى السفارات وكل أوكار التجسس ليخربوا من خلالها ويشكلوا الطابور الخامس لأعداءنا يوم تقوم دولتنا إن أغفلنا أمرهم وتناسيناهم فالحذر الحذر
هم خطر كبير وداء عضال يكاد لا يوجد له دواء إلا الكي وليس أي كي بل الكي الذي يذهب بنفوسهم الخبيثة ثم لا تعود

والتحذير في أيامنا هذه ضروري وضروري جدا من بعض من يدعي الإنشقاق وقد تُيقن أنه منهم ولو يوما من الأيام فهذا المرض كما بينا لا شفاء منه
إن من أهم الأمور التي على الثوار فعلها للمستقبل حفظ السجلات التي يعثرون عليها في أبنية المخابرات والتي تحوي أسماءهم وما قدموه وتوثيقها ليصار إلى محاكمتهم وإصدار قوائم سوداء بحقهم لننعم بمجتمع خال من الجربى وعدواهم


(107)    هل أعجبتك المقالة (102)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي