جينيف 1 وجينيف 2 والاستمرار بترك مصير سوريا عرضة للجهلاء والحاقدين والمساومات الداخلية والإقليمية والدولية، إلى أن تتحقق المؤامرة وتصير سوريتنا كمريض مقعد على كرسيٍّ متحرك يوجهونها أنى شاؤوا ويعيش أهلولها، أو من يتبقى منهم، بين الحاجة والثأرية والارتهان، ولكن، كيف يمكن أن تسير بوصلة الأزمة السورية إن استمر العالم بالتخدير لعام آخر، وهل يمكن للثوار الاستمرار بالتمويل والتسليح لعام إضافي في واقع تراجع الدعم العربي والدولي، وأي حال يمكن أن يؤول إليه جيش النظام في ظل تقهقره المستمر وخسارته لمواقع استراتيجية وحصون كانت عصية حتى على اختراقها بالنظر؟!...ولعل الأهم في لعبة الزمن، ما هو مشهد الحاضنة الاجتماعية للثورة والثوار إن استمر التجويع وقطع سبل الحياة لعام آخر، في واقع بدء التململ وفقدان كل شروط الحياة والاستمرار ولو في حدودهما الدنيا.
أظن، ولو بعض الظن إثم، أن هذا تماماً ما يلعب عليه النظام جراء شرائه الزمن والايحاء للعالم أنه يسعى لحل يخدم مصلحة الشعب السوري، ففي الوقت الذي يزيد خلاله محاصرة وتجويع السوريين في مناطق الثورة والثوار، يستمر في منح الرواتب والرشى لدائرة المؤيدين، في مسعى مبيّت للإيصال الناس للكفر بالثورة والثوار، وقتها ووقتها فقط، يطلب الاحتكام للصناديق، فيعود ليجثم على صدور السوريين لسبع عجاف أخرى...وربما للأبد.
من هنا ربما جاءت الموافقة المشروطة النظام السوري، بدبلوماسية متأصلة في ذهنيته السياسية، مبادرة المبعوث الأخضر الابراهيمي، التي حملها عن قطبي رعاية الصراع موسكو وواشنطن، رامياً بموافقته المنقوصة سوريا بمن فيها أمام ثلاثة سيناريوهات، ربما لا رابع لها.
السيناريو الليبي، والذي يتلخص باستمرار سعي الثوار حتى يصلوا إلى مقر"السيد الرئيس" فيعيد التاريخ نفسه ونكون أمام قذافي آخر، وتكون سوريا وقتذاك، أثراً بعد عين، آخذين بالاعتبار أن لا نفط في سوريا كما في ليبيا، ما يعني تأخر عودة الحجر ثانياً، واستحالة عودة البشر، إن للتعايش أو حتى للعيش الكريم..أولاً.
السيناريو اليوغسلافي، وهو احتمال قائم في واقع تأخر المجتمع الدولي عن اتخاذ أي إجراء من شأنه إيقاف نزيف الدم، ليكون للنظام ملجأ أخير من خلال تفتيت البلد، نظراً لما يمتلك- حتى الآن- من نقاط قوة، إن في القرار أو السلاح، أو حتى بمن حوله من مؤيدين ومستفيدين ومغيبين، لتنقسم سوريا، لدويلتين أو أكثر، وتكون تلك النهاية بداية لأزمة قد تطول لعقود.
أما السيناريو الثالث، فهو صوملة سوريا و إبقاؤها في أتون حرب بين فريقين، تمدهم أقطاب خارجية في مصلحتها استمرار العنف إلى ماشاء الله، ويبدو أن هذا السيناريو أيضاً موضع نظر، انطلاقاً من المراوحة السياسية الدولية والمماطلة حتى اللحظة الأخيرة.
نهاية القول: هل يأخذ النظام السوري، أو من يهديه تلك النصائح، الأثمان التي ستدفع من سوريتنا، إن على صعيد البشر أو ما تبقى من بنى وثروات وحتى تعايش وتاريخ، وهل يتناسى الناصحون التقدم المضطرد للثوار باتجاه تخومهم، ووقتها- بعد سنة من القتل والظلم، قد لا يكون من قدرة أو وصاية لأحد للجم حالة الثأر والحقد التي تتنامى يومياً.
إذاً، هي لعبة عض أصابع قد يشتري النظام بعض بقاء ولكن أي منقلب يحضره وإن طال الزمن، ليس لنفسه فحسب، بل ولمن أقنعه أن "الحرب على الإرهاب" زائلة وخلصت أو في طريقها للخلاص، هكذا يسأل العاقلون والوطنيون الذين لا يغرقون بكرسي ولا بثأرية ويغلّبون الوطن ومن فيه على مصالحهم وحتى حياتهم.
قد لا بد من لابد منه بعد وصول الأزمة لنهايات مأساوية وتيقن السوريون أن غير أظفارهم لن يحك جلد خلاصهم، ولابد في الآن نفسه من تحرك الفئة الصامتة أو التي غُيبت لفترة جرّاء التخويف بين أسباب محقة وأحقية السوري بعيش حر وكريم، لا يكون خلاله للأحادية من مكان، فمن ثار على "الأوحد " لن يقبل باستئثار غيره حتى لو أبقى حياته يثور على الجور والظلم والإقصاء.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية