أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لجان وجمعيات الهجوم على المجتمع السوري ... نضال نعيسة


على هامش فسحة الانفتاح والشفافية والنقد التي تعيشها سورية اليوم، نمت، وكالفطر، ما تسمى بجمعيات ومنظمات حقوق الإنسان، وروابطها، ولجانها..... إلخ، ولكن أصابتها، هي الأخرى، عدوى المشاحنات، والمهاترات، وشخصنة العمل العام بحيث صارت هي نفسها بحاجة إلى محامين وإلى جمعيات تصلح فيما بينها، وتطيـّب من خواطرها، وتتفهم مشاكلها، وتنظر في تظلماتها، وترد اتهاماتها المتبادلة. وصارت هذه الجمعيات واللجان مصدراً للبروظة، والتكسب، والشحاذة والتسول من الاتحاد الأوربي وغيره من المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان وتعتاش على آلام وعذابات ومعاناة المواطن السوري. كما صارت باباً للارتزاق والتسفار والتجوال، و"السياحة الحقوقية"، وحضور المؤتمرات في نفس العواصم التي تشن الحروب الاستباقية على المنطقة، وترتكب المجازر، وتسلب هذه الشعوب ليس حقوقها فحسب، بل حقها الأساسي في الحياة وهو الحق الأول المسطر في مواثيق حقوق الإنسان. ونفس هذه العواصم تنهب ثروات المواطن الشرق أوسطي عينك عينك"، وتحرمه العيش الهني، وتئد أحلامه في السلام والازدهار. هل ثمة مفارقة ها هنا أم أنه محض توهم وهلوسة واختلاق؟ وهناك أكثر من حادثة، و"حتوتة" حلوة وظريفة وممتعة عن قيام بعض نشطاء حقوق الإنسان بعمليات "نصب"، على لجان الاتحاد الأوروبي المعنية بالأمر، وقبض مبالغ منها بحجة إنشاء مراكز لدراسة ومتابعة حقوق الإنسان، وما إن تصبح الأموال في الجيب، حتى يختفي الناشط، ويذوب معه مشروعه الحقوقي النضالي الواعد.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لا ننكر ما للنشاط الحقوقي الحقيقي من أهمية في تكريس ونشر ثقافة حقوق الإنسان، والتبشير بهذه الدعوة التي لم يكن لها نصيب في أوطاننا المنكوبة أزلياً، ومنذ فجر التاريخ بالطغيان والفجور السلطوي وممارساته القراقوشية الرعناء العجيبة. وأرهقت كواهل مجتمعاتنا موروثات الاستبداد التاريخية "المشرشة" في اللاوعي، والعقل الباطن لهذا الإنسان المحشو والمترع بثقافة الخضوع، والطاعة، وعوامل الاستلاب الأخرى والارتهان للماورائيات والغيبيات والأوهام والخرافات. فإن مجرد طرح هذه المفاهيم الحداثوية التنويرية النهضوية، والغريبة إلى حد كبير عن مجتمعاتنا، فإنه ينطوي، بلا أدنى شك، على قدر من جرأة كبيرة وتحد عظيم، ليس بسبب المقاومة الافتراضية الشرسة التي ستلقاها من المنظومات السلطوية القائمة، بل من نفس تلك الكتل البشرية التي أدمنت البؤس، والخنوع، والركوع، وتعايشت معه لاقتران ذلك بمفاهيم يختلط فيها القدسي بالديني بالأسطوري، ومن الصعب تصور تجاوزه لارتباطه بتابوهات الخروج عن فكر الجماعة وطاعة الوالي والحاكم التي هي من طاعة الماورائيات ذاتها التي تتحكم بكل شاردة وواردة في حياة الناس. وهذا الواقع لا يبرر الاستكانة والهجوع، وليس هو دعوة للتوقف عن تبني المسؤوليات التاريخية وحملها، غير أن ذلك لا يتأتى بذاك التبسيط والحلول المعلبة الجاهزة والفورية التي يطرحها هؤلاء.
وتحولت هذه الجمعيات، والروابط، واللجان، بفعل عدم ارتقائها لمستوى تلك التحديات التاريخية والمهام الجليلة، إلى طابور خامس يعكس صورة سلبية عن الواقع المتهافت والمتداعي والمفكك لهذه المجتمعات دون تشريح أسباب تلك الحالة بنزع وفصل الاستبداد والفساد والتهافت العام من سياقه التاريخي، وربطه بجزئيات وممارسات آنية لا تستطيع، حتى إن هي حاولت، فهو حاضنها ومرجعيتها، لكنها لم تكن المسؤولة، البتة، عن إنتاجه. فلا يمكن، اليوم، إلا لمتحامل أن يدّعي، أن كل شرور هذه المجتمعات ومآسيها الكبرى، وكساحها المرضي، وسباتها الدماغي، هو بسبب فرد، أو سلطة أو مجموعة بشرية أو نظام. وأن التاريخ، والتراث، والثقافة، والشروط الموضوعية الأخرى لا تلعب أية أدوار في تشكيل هذه الحالة، لا بل في صيانتها والحفاظ عليها، وكبح عوامل الانعتاق والتخلص منها. وترغي، وتسعى، بعض من هذه المنظمات، جاهدة لتكريس مقولة أن تلك الشرور والآثام هي مسؤولية ونتاج جماعة، وفئة وأفراد بعينهم ليس إلاّ، وتحميلهم لوحدهم وزر ومسؤولية حالة الانتكاس والنكوص والإحباط التاريخي العام.
هذه المقدمة الطويلة لم تكن في الحقيقة مقصودة، إلا لشرح التجنيات الأخرى التي تحدث على هامش نشاط هذه المنظمات التي تحولت من حالة الدفاع عن حقوق الإنسان إلى حالة الهجوم واستباحة هذه المجتمعات والإساءة الفعلية المتعمدة والمنحازة ضد هذه الأوطان ليتم استغلالها لاحقاً من قوى خارجية تعتبر عمل هذه الجمعيات كرأس حربة وضرورة لا غنى عنها لإكمال مهامها العدوانية ومخططها الإجرامي. فحين تولول وتندب منظمات ولجان حقوق الإنسان، وتعمل من "الحبة قبة"، إذا حفرت حفرة في شارع ما للنفع العام، أو إذا قام شرطي مرور بتحرير مخالفة مرورية ضد أحدهم، نراها تصم آذانها، وتغمض عيناها عن انتهاكات كبرى، ترتقي إلى مستوى المجازر والإبادات الجماعية تقوم بها قوى إقليمية وعالمية في المنطقة، وتصمت عن جهات، ولأسباب مبهمة، يسيؤون إلى الأمن المجتمعي والوطني، لا بل قد يكون هناك شبه تضامن وتأييد ضمني لافتراءاتها.
فلا أدري مثلاً كيف تصم تلك اللجان آذانها عن اختراق جوي لحرمة الأجواء الوطنية، وتهلل له، ولا تقوم بأي رد فعل استنكاري ولو من باب أضعف الإيمان. وكيف تصمت إزاء التهديدات الأمريكية المتكررة بالعدوان على سورية؟ ولماذا لم نسمع منهم أي اعتراض واستنكار مثلاً، على تصريحات جنبلاط والحريري المسيئة لسوريا ولرموزها الوطنية؟ أو على الاستقواء بالخارج الأمريكي؟ وزيارة الغادري لإسرائيل؟ وحصار غزة؟ ومجزرة القاع في 4/8/ 2006 ضد عمال وفقراء سوريين؟ وتعرّض الفنانة الكبيرة فيروز لمضايقات أمنية استفزازية ومتعمدة على الحدود من قبل الأمن العام اللبناني أثناء زيارتها لسورية على هامش فعاليات دمشق كعاصمة للثقافة العربية لهذا العام؟ ولم تنتفض لجاننا الحقوقية وتفزع فزعتها المضرية المعتادة لاستهجان الرهان على أمريكا في عملية التغيير الديمقراطي؟ وهناك عشرات الدعوات والتصريحات العنصرية والفئوية التحريضية التي تطلقها رموز فاسدة ومعارضة لا تحظى بأي رد فعل من هذه اللجان.
ثم إذا كان النظام، وهذا تساؤل هام ومشروع، على هذا القدر من الوحشية والقمع والدموية الذي يحاولون تصويره، كيف يتسنى لهذه اللجان والمنظمات أن تعمل في وضح النهار، وتصدر بياناتها اللوذعية من مكاتبها في قلب المدن السورية، ويصول ويجول فرسانها من مؤتمر لآخر، ويعطون التصريحات لوسائل الإعلام، ويحضرون مع سفراء وممثلين دول أوروبية المحاكمات في هذه المحكمة أو تلك، ولماذا تتمتع بذاك الهامش الواسع من حرية التعبير والكلام؟
لا ننكر أن هناك واقعاً عاماً لا يسر، اختلطت ظروف وعوامل شتى في توليفه وصياغته، منها السياسي، والبناء الفكري والثقافي والتركيب الدماغي والعامل الذاتي والموضوعي، والسلوك التاريخي الاستبدادي المتوارث، والجيوسياسي، والإقليمي الضاغط، والصراع الحضاري، والنهب والتكالب الإمبريالي، والاستعمار الاستيطاني، إلا أنه بالتأكيد ليس بسبب تلك الذرائع والأسباب الهزيلة والواهية التي تحاول أن تسوقها هذه المنظمات الحقوقية. واقع مؤلم، وبائس لا يمكن نفضه باستنكار، ولا تغييره ببيان، ولا بناؤه بإعلان، وأمر الانتقال النوعي الإيجابي من حال إلى أخرى، عمل مضن طويل وشاق، يتطلب مناخات وعوامل أخرى كثيرة أكثر بكثير من هذا اللغط والوعظ واللغو والهلوسة والهذيان. فإن أية عملية تغيير لا تنطوي على محاولة لإحلال منظومة أفكار وبنية معرفية جديدة واستبدال الثقافة البدوية السائدة بثقافة عصرية، وحضارية فهي محكومة بالفشل، وهذا ما تهمله، ولا تلحظه كل هذه اللجان في نشاطها، وبياناتها.
هذا غيض من فيض من مآثر وبطولات هذه الجمعيات واللجان، التي صارت مهمتها الوحيدة، وانحصرت في الهجوم على المجتمع السوري ليس إلا، وانصب نشاطها العام في رسم صورة سلبية وداكنة عن الأوضاع، وكفى الله هذه اللجان شرّ أية رؤية جدية، موضوعية، وعمليّة تفضي للخروج النهائي من هذه الأنفاق.





(115)    هل أعجبتك المقالة (114)

ابو زهدي

2008-02-08

بتاخد عشر علامات على عنوان المقالة .. لم ارى احدا من هذه الجمعيات والمنظمات قد هجم على المجتمع السوري .. اني ارى التسلط الحكومي على المجتمع .. اما هذه الجمعيات لا تتسلط على احد .. غير ان معاليك تتهم هذه الجمعيات بالهجوم .. وكأنك تبرء حلفائك البعثيين من التسلط الهمجي .


ابو زهدي

2008-02-08

سيد نضال انت ملاحظ انو ماحدا عم يعلق على مقالاتك .. ومن كتر تحديث الصفحة عم يصير في عدد قراء .. او ادارة الموقع عم تسايرك تزود العدد .


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي