تشير الأنباء الواردة من دمشق أن الجيش الحر يواصل تقدمه نحو مطار المدينة، بعد أن استطاع أن يورط جيش الأسد بمعارك خاسرة في الغوطة الشرقية. هذا هو اليوم الخامس من معركة المطار، والتي يخوضها الجيش الحر بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بينما زج الأسد فيها بأفضل دباباته وأحدث طائراته. أمس سيطر الثوار على مقر الفوج الخامس والثلاثين قرب المطار وقتلوا ثمانين ضابطأ من جنود العدو.
واليوم يكاد الجيش الحر يبسط سيطرته على حران العواميد التي لا تبعد عن مدرجات المطار أكثر من كيلو متر واحد.
لا أقصد سرد الأحداث العسكرية، وإنما التأكيد على أن معركة المطار هذه ستغير الخارطة السياسية والعسكرية لسورية، وقد تكون الفصل الأهم في إسقاط نظام بشار الأسد. فالسيطرة على المطار تعني قطع الإمدادات العسكرية والدبلوماسية عن بشار. والتقدم بالتالي إلى القصر الجمهوري وتحريره من نظام حكم ليس بينه وبين الأفول إلا قليل من ثبات الجيش الحر.
تسارع النشاط السياسي العالمي المتعلق بسورية يؤكد، ولا يوحي، أن النظام الحالي انتهى بالفعل، وأن العالم يحضر نفسه للتعامل مع مرحلة ما بعد الأسد. وأعتقد أن الأسد نفسه يحضر ذاته للتعامل مع المرحلة القادمة من خلال الوصول إلى أي حل مهما كان شكله. وإلا كيف نفسر استضافة طهران "لمؤتمر المعارضة الوطنية"الذي دعا فيها المجتمعون إلى تشكيل حكومة وطنية تقود البلاد حتى انتخابات العام 2014. ولأني لا أثق بالمجتمع الدولي ولا بالجامعة العربية فضلاً عن الأخضر الإبراهيمي وروسيا وإيران، فإنني أظن بشدة أن الفكرة كانت من تخطيط كل هؤلاء لإنقاذ الأسد من ورطته وإخراجه سالماً، ولتأخير نصر الثورة السورية بما يضمن إيجاد البديل المناسب الذي يحافظ على مصالح الغرب وأمن الكيان الصهيوني.
اجتماع طهران، ومن بعده إشارات الجامعة العربية عن حل سلمي، ثم إسقاط المجلس الوطني الذي لم يعد مناسباً للمرحلة القادمة، وأهم من ذلك كله الإعلان عن نية الأخضر الإبراهيمي التوجه إلى نيويورك ليعرض أمام مجلس الأمن خطته الجديدة التي تؤكد على حكومة انتقالية تقود البلاد حتى موعد الانتخابات الرئاسية القادمة بشرط أن يكون الأسد في هذه المرحلة رئيساً شكليا فقط.
تسارعت الأحدث وظهرت أوراق المؤامرة التي حذرنا منها على الدوام. فالغرب وأمريكا كما الشرق أو إيران كل يبحث عن مصالحه، ولا أحد من هؤلاء يكترث بدماء الشعب السوري التي تسيل أنهاراً.
المشكلة ليست في الغرب ولا في الشرق. المشكلة هي المعارضة السورية التي يخيل إلي أنها نائمة لم تصح من سباتها بعد. فقد أوهم قادة المكتب التنفيذي في المجلس الوطني أعضاء المجلس أن ائتلاف قوى المعارضة ما هو إلا خطة من رياض سيف وفورد للقضاء على المجلس الوطني. ومرت اللعبة على الأعضاء الذين بدأوا يهاجمون الائتلاف ويسخرون طاقاتهم ضده. ثم قفز أعضاء المكتب التنفيذي من المجلس إلى الائتلاف وتركوا المجلس المسكين يسقط وحده.
المشكلة الأهم والتي ستكون مقياس عمل الائتلاف، هي الجانب السياسي، إذ لا نعرف حتى اليوم ما هي خطط التجمع الجديد وما هي أفكاره السياسية. وإن ضغط العالم الرهيب عليه في سبيل الإسراع في تشكيل حكومة انتقالية مثار ريبة لا تنتهي.
مسألة أخرى تثير القلق، فوجوه المجلس الوطني المعروفة هي التي تدير الائتلاف اليوم لدرجة أن كل أعضاء المكتب التنفيذي للمجلس الوطني موجودون في الائتلاف وليس وحدهم، بل حمل كل واحد منه صديقا من كتلته أو من توجهاته لضمان السيطرة على الائتلاف كله. وبالتالي فإن الائتلاف سيعمل بالطريقة القديمة نفسها.
ننتظر من الائتلاف اليوم، أن يعلن صراحة أنه ضد أي بقاء لبشار الأسد في السلطة. وأن الثوار هم الفيصل في هذه المسألة. وننتظر منه أن يستفيد من الكفاءات في تشكيل حكومته، ليس في السياسة والعلاقات الخارجية فحسب، بل في مناحي الحياة جميعها. لا نريده أن يكون مرتهناً للغرب أو للشرق، فالثورة السورية بدأت بسواعد السوريين فقط وكذلك استمرت، وستنتصر بسواعدهم فقط. إن لم يفعل الائتلاف ذلك كله، فسيصير إلى ما صار إليه المجلس الوطني الذي خسر الشعب السوري وما استطاع أن يكسب الغرب.
د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام. فرنسا
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية