أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل السوريون في طريقهم لمأساة جديدة قادمة؟... المهندس سعد الله جبري ‏

بالإشارة إلى ما نشره موقع "زمان الوصل" بتاريخ 23/11/2012، وتحت عنوان " الائتلاف الوطني ينشد ‏ود الإسلاميين وينفض عنه مصطلح ثوار الفنادق‎"‎‏ فإن مشاركة الإخوان المسلمين.. والإسلاميين... ‏متشددين وغير متشددين في الثورة على النظام الأسدي الخائن الطائفي المجرم، أمر طيب ورائع ‏ومطلوب، ويدخل في أنه جهادٌ في سبيل الله.. وفي سبيل الوطن والشعب!‏
ولكن أن يعمل الإسلاميون علنا وضمنيا على اختلاف انتماءاتهم الحزبية على هدف بعيد للسيطرة على حكم ‏سوريا، كما فعل البعثيون عامة، والأسديون خاصة منذ عام 1970، فهذا أمر مضمونه أنهم تحت سيطرة ‏عقلية ديكتاتورية، وعدم نضوج سياسي، ستتسببان بالتأكيد في تخريب وتراجع إضافي للشعب والوطن في ‏سوريا، إذا وصلوا للحكم بالأسلوب التسلطي الديكتاتوري! ذلك أنهم بعقيدتهم السياسية الطامعة المذكورة، ‏واتخاذهم جهادهم مبررا للتسلط السياسي يكونون قد جعلوا من أنفسهم وقياداتهم بديلا عن الشعب في ‏تقرير أموره، وهذا ليس باطلا فحسب، وإنما هو منتهى قصر النظر: دينيا وشعبيا ووطنيا!‏
أما دينيا، فلقد حكم الله تعالى في كتابه القرآن بالحكم السياسي الأعظم في التاريخ الإنساني، وذلك ‏بقوله: {وَأَمْرُهُمْ‎ ‎شُورَى بَيْنَهُمْ}، وهذا يعني بوضوح لا ينكره إلا جاهل دينيا ولغويا، أن الحكم للشعب ‏بمجموعه -فيما لا يتناقض مع الأساسيات الدينية العامة بالطبع- وعلى أساس حق اختيار أكثريته لنظام ‏الحكم ورجاله، بل وسياساته.‏
‏ ولقد طبق الخلفاء الراشدون هذه القاعدة بشكل مخُلص ومثالي -وفقا للقواعد السائدة في العالم آنذاك وهي ‏حق الوجهاء- الواعين سياسيا ودينيا في تمثيل الشعب والتعبير عن رأيه، وأكرر أن هذا كان سائدا في ‏جميع أنحاء العالم، حيث لم يكن الانتخاب الشعبي الشامل معروفا في العالم بعدُ! -  وإذا كان بعض ‏الإسلاميين يظنون أنهم يُمثلون وجهاء الشعب في العصر الحاضر، وأن هذا ما يريدون تطبيقه، فهم بذلك ‏جهلة قصار النظر، يكتبون بأنفسهم نهايتهم الجماعية، وربما نهاية للفكر -وحتى الدين- الإسلامي في ‏البلاد. إن من يفكر بهذه الطريقة اليوم وبعد ما عانى الشعب السوري من جنون وفساد وتسلط الأسديين، ‏فلن يكون مصيره إلا القتل، علاجا لعقله المفقود، ولو أدى هذا إلى حرب أهلية تبيد من يتطرف بهذا الأمر!‏
وأتساءل: في سوريا الآن عشرات المكونات البشرية، فبالإضافة للأكثرية السنية – من أربع مذاهب قد ‏تختلف عند الوصول لأمور التشريع – هناك الديانات والطوائف التالية في سوريا:‏
‏1.‏ الشيعة والعلويون والدروز والإسماعليون، إضافة للمسيحيين.. و.. و.. وهؤلاء يُشكلون أكثر من ثلث ‏الشعب السوري! وجميعهم أبناء ذات الوطن، ولهم جميعا ذات الحقوق، وعليهم ذات الواجبات!‏
‏2.‏ ينقسم أهل السنة ذاتهم من الشعب "سياسيا" إلى ثلاثة أقسام:‏
‏1)‏ الفئة الأكبر عددا - في تصوري - ترفض حكما إسلاميا ديكتاتوريا غير ديمقراطي من حيث ‏المبدأ والوعي، وذلك بحكم تجربة معاناة الشعب من النظام العلوي الفاسد الديكتاتوري، والتي ‏تَكمن في أن من سيسير في ذات سياساته، سيصل إلى ذات ارتكاباته، لأن الديكتاتورية بذاتها ‏تُعلّم التسلط والفساد بل واللصوصية والإجرام... إلا عند من رحم ربي.. وهم أقلُّ الأقلية!‏
‏2)‏ فئتكم الدينية الملتزمة -حتى الآن- والتي ستتغير وجهات نظرها بعد تبيان النتائج الأولية ‏للسياسة التسلطية! فضلا عن الصراعات الداخلية الوصولية المُحتملة.. ‏
‏3)‏ فئة الوسط الإسلامية التي ستتحرك ضدكم سريعا عندما ستفشلون بالحكم، وهذا الفشل أمر ‏مؤكد 100% لكل حكم ديكتاتوري غير ديمقراطي "تسلطي ليس بالشورى"، وذلك خلال ‏سنوات الإصلاح الأولى التي ستكون نتائجها ضعيفة غير مُرضية للشعب -ولا حتى ‏لأعضاء أحزابكم- بدرجة كافية، ولا تُؤثر في رفع مستوى معيشة الشعب إلى المأمول، نظرا ‏لواقع الانهيار الشامل معيشيا وتنمويا واقتصاديا وسياسيا إلى درجة الهاوية، وبطالة وغلاء ‏أصبحا خارج قدرة أكثرية الشعب الساحقة، وهو ما تعيشه وتعانيه الآن أكثرية الشعب السوري! ‏وتسبب به النظام الأسدي الفاسد لدرجة عدم سهولة الإصلاح السريع كما هو مأمول!‏
ولنعلم أكيدا ويقينا أن الأمور السياسية والوطنية في جميع العالم -وفي سوريا بالضرورة- قد تطورت ‏بعيدا عن فكر تسلط أي فئة، ولقد أصبحت الشعوب تُمثل نفسها، وتنتخب ممثليها مباشرة، وأصبح هذا هو ‏عالم اليوم، شاء من شاء وأبى من أبى! وأصبح السبيل الصحيح للعمل السياسي وتحقيق أهداف وطنية ‏ومجتمعية هو عمل كل فئة سياسية أو حزب من الأحزاب أو أصحاب فكر سياسي ما، إلى طرح الشعارات ‏والأهداف التي تعتقد بصحتها وأنها تُشكل حلولا لمشاكل ومسيرة المجتمع والوطن، ثم القيام بطرح ‏الشخصيات الأمينة النظيفة العاقلة غير الموتورة من حزبها، ممثلين لها في ميدان الانتخابات العامة، للقيام ‏بتنفيذ شعاراتها وأهدافها. وللشعب أن يختار من يعتقد بمنهجه وصدقه وأخلاقه وسمعته وقدرته! إضافة ‏إلى قناعته بمنهجه السياسي في خدمة البلاد!‏
أقول للإخوة الإسلاميين: قاتلوا النظام الأسدي بأقصى ما تستطيعون، فهو قتال في سبيل الله، وهذا أعظم ‏أجرا عند الله من أي أجرٍ دنيوي إطلاقا بما لا يُعدُّ ولا يُحصى.‏
وتجنبوا كل حديثٍ وتصريح يُمكن فهمه بأنكم تنشدون إقامة دولة إسلامية في سوريا، بالقوة والتسلط ‏وأفضلية الجهاد الذي تقومون به، فبهذا لن تقتلوا الثورة وتدعموا النظام الأسدي بشكلٍ غير مباشر ‏فحسب، بل ستقتلون أنفسكم بل وحتى عقيدتكم بعد نجاح الثورة، وستكونون العدو التالي رقم "اثنين" ‏للشعب السوري بجميع مُكوناته التي عانت... وعانت حتى أصبحت ترفض تسلط أي أحد عليها حتى لو كان ‏من الملائكة! افهموها بالعربي.. وتجنبوا فهمها بالسلاح الذي بأيديكم والذي سيكون موجها إليكم!‏
أتساءلكم التفكير: هل ستحكمون الفئات التي تُخالف وجهات نظركم وعقيدتكم السياسية بالحديد والنار ‏والتقتيل والإبادة كما فعل عدو الله النظام الأسدي الخائن؟ إن قلتم نعم فأنتم مجرد كفرة فجرة لأن الإسلام ‏يرفض هذا بالمُطلق! وإن قلتم لا، فما استفاد الوطن والشعب السوري من تسلطكم على السلطة بفضل ما ‏تقومون به من جهادٍ مشروع الآن؟
أيها السادة، أرجو أن تفهموا الفهم العميق ومن المنطلق البشري الذي أراده الله تعالى بقوله: ‏‏{وَأَمْرُهُمْ‎ ‎شُورَى بَيْنَهُمْ} وتعملوا على تطوير عقلياتكم السياسية، لكيلا تُسيئوا إلى الوطن والشعب سنين ‏أخرى، وتُسيئوا إلى أنفسكم ومواليكم ومن يرتبط بكم. بل، وعلى عقيدتكم الدينية، وأنت لا تشعرون ولا ‏تدركون!‏
بالمناسبة، وأنا إذ أناشدكم بما قلته، وتجنبا لتأويلات وادعاءات واتهامات قد يُطلقها بعضُ ضعاف النفوس -‏وهو ما أصبح من صفات الكثيرين في سوريا نتيجة الحكم الأسدي الفاسد- أقول إني أقول ما أقول وأنا ‏مسلم متدين، ولكن بالتوازن الذي يُرضي الله، ويُرضي الشعب والوطن في وقتٍ واحد. فخذوا بالدين بما ‏يُرضي الله ويُرضي الشعب، وليس بما يرضي تطرفا فئويا قصير النظر ومرفوضا شرعيا ووطنيا!‏

(112)    هل أعجبتك المقالة (114)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي