منذ أيام ونحن نتوقع أن يحدث شيء ماء في غزة أو في مكان آخر لتخفيف الضغط على بشار الأسد. وقد أبديت رأيا في هذا الموضوع يتركز على خوف الكيان الصهيوني على مصير بشار الأسد، وخاصة بعد إنشاء الائتلاف الوطني لقوى المعارضة وتقدم الجيش الحر الملحوظ في جميع المدن.
لم يعد بشار الأسد قادراً على أن يسيطر إلا على قصره، وقد أحس الصهاينة بالخطر المحدق بهم من كل جهة فيما لو انتصر الشعب السوري الكاره لكيانهم البغيض، فمن يضمن ألا تكون المعركة القادمة ضدهم بغياب الأسد ومن قبله مبارك وآخرون.
منذ أسبوع، والجيش الصهيوني يدعم جيش الأسد خلسة في قرى الجولان المحتل. وقد قامت القوات الصهيونية بإطلاق القنابل الضوئية ليلتين متواصلتين فوق قرى الجولان، مما سهل على شبيحة الأسد وجنوده اكتشاف مواقع الجيش الحر، وتم قصفها بالمدفعية فوراً بعد إطلاق القنابل الكاشفة. ومع ذلك فقد استمرت عمليات الجيش الحر النوعية في قرى الجولان، واستطاعت كتيبة من مقاتليه أن تحاصر مجموعة من جيش بشار الأسد، فأطلقت المدفعية الصهيونية قذائفها على مواقع الجيش الحر، مما سهل على جيش الأسد الانسحاب والفرار من المكان. واليوم تتحدث الأنباء عن بدء سيطرة الجيش الحر على قرى الجولان واحدة بعد الأخرى.
لا أعتقد أنه لا يزال خافياً على الشعوب العربية أن بشار الأسد وأباه من قبل، هما خير من حافظ على أمن الكيان الصهيوني، ومن نافل القول إن جبهة الجولان لم تتحرك على مدار أربعين سنة بل ومن المهم أن تعرف الشعوب العربية، أن الأسد الأب وابنه يمنعان السوريين من حمل السلاح في المناطق المحيطة بالجولان كافة، ويمنعان الزيارات العائلية هناك إلا بتصريح أمني. وما كل ذلك إلا حفاظاً على أمن الصهاينة.
بالعودة إلى بدايات الثورة السورية، فقد سارعت الصحف الصهيونية آنذاك إلى الإشادة بالأسد بوصفه " ملك ملوك إسرائيل" ونصح عدد من المحللين السياسيين الحكومة الصهيونية أن تبذل جهدها بالحفاظ على صديقها في دمشق. ولما ازدادت حدة التصريحات الغربية ضد بشار الأسد، طار إيهود بارك إلى واشنطن بينما حطت طائرة ليفني في باريس، وقد طالب بارك إدارة أوباما، بتخفيف الضغط على الأسد، بل وتخفيف حدة تصريحات الخارجية الأمريكية وكذلك فعلت ليفني التي شرحت للفرنسيين مخاوفها من الثورات العربية، وامتداد أثرها إلى فلسطين المحتلة من خلال التقاء ثوار مصر وسورية وليبيا واليمن و تونس أيضاً تحت علم ثوري واحد، ولون عقائدي واحد. وبالفعل فقد انخفض سقف التصريحات الأمريكية ضد بشار الأسد، وأصدر الاتحاد الأوروبي قراره بحظر السلاح على سورية، وكان القصد منه منع وصول السلاح إلى الثوار. علماً أن ذلك الحظر لا يمنع الروس أو الإيرانيين من إرسال السلاح إلى جيش بشار الأسد وشبيحته.
مع استمرار الثورة السورية اكتشف الشعب العربي كله، كذبة كبيرة اسمها نظام المقاومة والممانعة في دمشق، فقد أسرع هذا النظام للاعتراف بفلسطين منقوصة، أي إنه اعترف "بإسرائيل" كدولة قائمة على الأراضي التي اغتصبتها عام 1948. ليس فحسب بل قامت قوات الأسد ولا تزال بالهجوم على مخيمات الفلسطينيين في دمشق ودرعا واللاذقية وتحويلها إلى أثر بعد عين كما حدث في مخيم الرمل في اللاذقية، وقامت طائرات الأسد بقصف مخيم اليرموك والتضامن داخل دمشق.
لم تكتف "الحكومة السورية الممانعة" بكل ما سبق، بل أغلقت مكاتب حماس قبل عدة أيام، ولا أعتقد أنه من قبيل المصادفة أن يقوم الشبيحة بالهجوم على مكاتب الحركة في اللاذقية أمس فتدمرها تدميراً كاملاً. بل دعوني أقل: إنني لا أستبعد ألبتة أن يكون بشار هو من تجسس على قيادات حماس العسكرية في غزة لصالح الكيان الصهيوني وسهل اغتيال قادتها العسكريين.
باختصار فإن الأسد يخدم العدو وسياسته عندما يغلق مكاتب المقاومة ويهاجم الفلسطينيين في سورية بطائراته الحربية، فلم إذاً لا يقوم الكيان الصهيوني بالدفاع عن حليفه سراً وجهراً، والهجوم على غزة الصمود بهدف تخفيف الضغط العالمي عن نظام دمشق الآيل للسقوط.
إن تخفيف الضغط الإعلامي فقط عن بشار الأسد وشبيحته وإطفاء عين الكاميرا عن جرائمه سيجعله يوغل أكثر من أي وقت مضى في دماء السوريين والفلسطينيين، فقد انتهى يوم الهجوم الأول على غزة، بارتقاء عدة شهداء فلسطينيين لا نستهين بدمائهم بالطبع، بينما انتهى اليوم نفسه باستشهاد مائتي شخص في سورية. والأنكى من ذلك أن يقوم الأسد باستهداف المدنيين نساء ورجالاً وأطفالاً دون تمييز، ليس لأن حرباً شنت ضده أو أصابته الصواريخ، بل لأن حناجر الجماهير هتفت للحرية.
*دكتوراه في الإعلام. فرنسا
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية