لماذا توجهت فيروز للغناء في سورية؟...أندرو لي بايترز

يقال ان صوتها المنهمر كالشلال يحرك المياه في الانهار، وان وجهها المضيء والمعبر يشبه القمر، وان وقفتها المهيبة الجميلة على المسرح ما هي الا رسالة للسلام في هذا العالم الذي مزقته الحروب.
انها فيروز، وفيروز ليست مجرد اسطورة واكثر نجمة عربية محبوبة في عالم الغناء فحسب بل هي رمز للبنان نفسه، اذن، يتساءل العديد من اللبنانيين: لماذا توجهت فيروز للغناء في سورية؟
بالتأكيد لن يحصل اللبنانيون على الارجح على رد على هذا التساؤل لسبب بسيط هو ان فيروز، التي بدأت اخيرا عرضا مسرحيا غنائيا في عاصمة البلد الذي يتهمه العديد من اللبنانيين بأنه يحاول السيطرة عليهم، لا تجري مقابلات صحافية مع احد، وبقيت على الدوام فوق السياسة، فقد رفضت سابقا الغناء للرؤساء والوجهاء واصحاب النفوذ والمال، واعربت عن اشمئزازها من القتلة، الذين ينتمون لكافة اطراف الحرب الاهلية الطائفية، برفضها الغناء على ارض وطنها لحوالي عقدين من الزمن.
هذا الموقف بالاضافة لتطويرها موسيقا المشرق التقليدية جعل منها كنزا وطنيا يحترمه ويعتز به كل اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية وميولهم السياسية.
وهذا في الواقع ما جعل رحلتها الى سورية تزعج اولئك اللبنانيين الذين يتطلعون لرفع قبضة دمشق عن عالم السياسة في لبنان. غير ان فيروز (72 عاما) وصفت بعد ان خرجت من عزلتها لتتوجه الى دمشق حفلها الفني في العاصمة السورية بأنه رسالة صداقة من الشعب اللبناني الى الشعب السوري. ومن الواضح ان هذه الرحلة عززت موقف نظام الرئيس بشار الاسد الذي واجه عزلة دولية حول دوره في لبنان. لكن من المعروف ان سورية لا تقبل بالطبع لبنان كدولة منفصلة. اذ طالما اعتبر حزب البعث الحاكم لبنان منذ وقت طويل كيانا غير شرعي اقامته بريطانيا وفرنسا بعد اقتطاعه من سورية الكبرى في نهاية الحرب العالمية الاولى، لذا، رفضت دمشق على الدوام ارسال سفير لها الى بيروت أو ترسيم الحدود رسميا بين البلدين.
وهذا عدا عن بقاء الجنود السوريين في لبنان منذ عام 1975 الى 2005 لينسحبوا منه بعد ذلك بضغط خارجي دولي.
ويبدو ان اداء فيروز الغنائي في سورية، الذي تم ترتيبه ليتصادف مع تكريس منظمة اليونيسكو لدمشق عاصمة للثقافة العربية، عزز شعار سورية بأن دمشق قلب العروبة النابض. غير ان هذا لم يكن رسالة فيروز الوحيدة على الارجح، فاختيارها لمادتها، التي هي مسرحية غنائية تدعى «صح النوم» لها وقع آخر.
تدور احداث هذه المسرحية الخرافية التي تحمل مغزى معينا في قرية شرقية لا يمكن ان يحدث شيء فيها دون الختم الرسمي لحاكمها الذي لا يستيقظ من نومه سوى مرة واحدة في الشهر عند اكتمال القمر ليوافق على عريضتين أو ثلاث من العرائض الكثيرة التي يقدمها له القرويون قبل ان يخلد الى النوم مرة اخرى. لكن ثمة فتاة تدعى قرنفل (تلعب فيروز دورها) تمكنت من سرقة ختم الحاكم وصادقت به على كل العرائض (منها: اصلاح سقف احد المنازل، الافراج عن سجين، بناء ناد ليلي). وهكذا ازدهرت القرية وانتعشت الى ان استيقظ الحاكم من جديد واكتشف ضياع رمز سلطته، وهنا امر جنوده بإلقاء القبض على قرنقل واعدامها، الا ان الجنود رفضوا القيام بذلك لان امره غير ممهور بالختم الرسمي.
لكن ما السر الذي جعل السلطات السورية تسمح لفيروز بأداء مسرحية تهجو البيروقراطية؟
يبدو ان ثمة تسوية وسطا هنا بين رغبة الحكومة السورية في الاستفادة من استضافة فيروز اعلاميا وبين حاجة هذه الفنانة للاحتفاظ بمصداقيتها في بلدها.
لكن تبقى هناك مفارقة، فعندما أعلن حاكم القرية في المسرحية، ان من حق ابناء الشعب الشكوى ومن حق السلطان اغلاق آذانهم، صفق الجمهور عندئذ، على اي حال، لم يكن الشعور بالنشوة كبيرا لدى بعض الحضور، الذين لم ينشؤوا في عالم اسطورة فيروز، فقد رأوا امامهم امرأة في الثانية والسبعين تحرك شفاها بشكل يتزامن مع الغناء والكلام الصادر عن اجهزة التسجيل.
كما ذكرتهم قصة المسرحية بماض خال من الصراعات الطائفية والعرقية والاحتلالات الاجنبية على نحو ساحر لكنه لا يرتبط الى حد كبير بالحقائق القائمة في عالم اليوم.
وعلى الرغم من انزعاج اللبنانيين من غناء فيروز للسوريين، هناك الكثيرون منهم ـ لبنانيونـ يعانقون سورية كمتراس ضد اسرائيل وحلفائها الغربيين.
لذا، نجد الصراع الدائر الآن على السلطة في لبنان ليس صراعاً بين الحرية والسلطوية بل هو صراع طائفي بشع بين الجار وجاره.
ثمة رسالة قاسية في زيارة فيروز لسورية، فحتى هذه الاسطورة، التي كانت مرة رمزاً لإجماع مدهش، لم تعد تحظى الان برضى كل اللبنانيين.

التايم/تعريب: نبيل زلف
(100)    هل أعجبتك المقالة (108)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي