ومتى كان مهرب دخان وسمسار ومصوّج سيارات سابق، مثقفاً، ولا اعتراض ولا تهكم من أية مهنة وعمل شريف، كلا وحاشا ومعاذ الله؟ وما علاقة التهريب والتصويج والسمسرة بالثقافة؟ وهل المطلوب تعويم مثل هذه النكرات لتصبح الثقافة عندها فقط ثقافة معترف بها نباركها ونحتفي بأردأ أنواعها وأشدها تهافتاً وضحالة على الإطلاق؟ ومتى كان داعية للعنف والإقصاء وسفك الدماء ممن يتبنى تكفير الناس مثقفاً ذا حصانة، ولا يشق له غبار؟ ومتى كان المثقفون أصلاً طلاب سلطة وحالمين بمقعد لهم في ترتيبات الشرق الأوسط الجديد؟ وهل كل من تلاعب بمفردات الاستبداد والفساد صار مثقفاً معصوماً وإلها معبوداً يجب أن تنهال عليه الأوسمة والتبريكات وتنحني له الهامات ويحظى بالحصانات؟ أوليس من الطعن والغدر بتاريخ وأصول الثقافة، أن يحصل ذاك المزج والهرج والمرج بين مثقفين سوريين كبار، فعلاً، لا قولاً، ولا فسحة لسرد أسمائهم هنا، وبين بعض من الكويتبين وصعاليك الإنترنت و"الجعاجيع" الصغار؟ ألم تكن الثقافة تاريخياً فوق السياسات الزائلة وحساباتها، ونأى المثقفون الكبار بأنفسهم عن دوائر وعوالم السياسة، ولا تقبل الثقافة ذات البعد الزماني السرمدي على نفسها أن تكون في نفس الموضع مع السياسة الآنية المتقلبة والزائلة؟ وكيف يصبح منشق بلشفي سابق وداعية للانشقاق وتائه إيديولوجياً ومحقون طائفياً في عداد المثقفين؟ أليس من الظلم والإجحاف أن يوضع أولئك وهؤلاء في نفس ميزان الثقافة الرفيعة الواحدة؟ ألا يشعر المرء بأن هناك لعبة خسيسة، ومحاولة دنيئة يرمي البعض إلى تمريرها عبر هذه "العبطة"، والهيلمة"، والاستهبال؟
بعد زوبعة فيروز التي أثارتها بعض البكتريات وذهبت، كما غبرها، هباء وذرّتـْها الرياح، يصبح آخر من دخل على خط همروجة الثقافة العربية التي تدور رحاها في هذه الأيام هو جنبلاط ما غيره، الذي لا يمكننا أن نقول فيه إلاّ: "الله لا يبلينا، ولا يورينا ويا رب تعافينا". جنبلاط" كش برة وبعيد"، الذي اعترف بعظمة لسانه بأنه مارس الكذب والنفاق لمدة خمسة وعشرين عاماً، فقط لا غير، يعطينا فكرة جيدة عن نوع الثقافة التي يتبناها ويدافع عنها ويسوقها ويريدنا أن نتقمصها، وتسمح لنا بتصنيفه بواحد من كبار جوقة المثقفين التي تضم فيمن تضم،" والله يجبر بالخاطر"، سعد الحريري، وفيلتمان، وخدام، وحمادة، وفتفت، ما غيره، بطل رواية "وليمة الشاي لعيون شاحاك"، وقل لي من "تثاقف" أقل لك من أنت. ثقافة تقديم الشاي لجنود الاحتلال، والتغزل ببوش، والتحالف مع المال السياسي والبترودولار، وإشاعة الهزيمة والاندحار وتصعير الخدود لأباطرة الشر والعدوان، هي ما يجب أن نقف له باحترام اليوم. ألا تصبح الثقافة، ومثقفيها، في هذه الحالة في وضع المتهم، بل المدان مادام آخر فرسانها والمتباكين عليها هو جنبلاط؟ ولا أدري إذا كان النضال السياسي من أجل وصول جماعة فاشية ذات أجندة عنصرية فئوية إلى الحكم تحالفت مع واحد من أكبر من رموز الفساد في الشرق الأوسط يدخل في أي باب من أبواب الثقافات؟ ولا أدري أية ثقافة ستتمخض عن تزاوج الفساد مع فكر التكفير والكراهية والإقصاء؟ وهل الترحيب بغزو أمريكي لسوريا ومغازلة واحد من عتاة مجرمي العصر وسفاحيه الكبار، وزيارة السفارة الأمريكية والتنسيق مع بعض من صغار موظفيها، و"الجعجعة" السياسية والإليكترونية، والامتدادات الحريرية لجماعة الإعلان، والاصطفافات الشللية، والحقن الفئوي، والتشرذم وشخصنة العمل والنشاط العام، قد أصبح ثقافة قائمة يجب أن "نطج" لها السلام، ونبجلها بطقوس من الهالة والتقديس والاحترام، ومن لم يفعل فأولئك هم الكافرون؟ وإذا أصبحت الستالينيات البائدة، والإيديولوجيات والبضاعات الفاسدة، والأفكار الراكدة والرغي والثرثرة الزائدة، ثقافة يتباكى عليها من هب ودب ويضيع دمها بين وشتانماير وجورج بوش وجنبلاط فعلى الديمقراطية والنضال السلام؟
وكيف أصبح تاجر، وهامور، وحوت من حيتان المال، ورجل أعمال أتخم عقوداً وتصديراً واستيراداً وصفقات يسيل لها اللعاب بطلاً قومياً ومناضلاً عنيداً وواحداً من عتاة المثقفين ورجالاتها الكبار تبكي عليه ميركل وشتانماير، وينوح عليه مغضوب الوالدين السكير جورج بوش من وراء البحار، وترثيه جوقة الحريري وأبو الفتافيت وجنبلاط؟
فإذا أصبحت الثقافة هكذا، هي تلك التي يرعاها بوش، ويزمر لها ساركوزي وأبو الفتافيت، ويطبـّل لها جنبلاط وجوقة 14 آذار، ويصفق لها مارينز سوريا، ويهلل لها أصحاب الفكر السلفي والبلشفي والفاشيات القومية، وتضم المهربين والسماسرة وطلاب السلطة والتجار، وترتفع نبرتها طرداً، وتعلو ويشتد سعارها، مع اشتداد الضغط والحصار والتهديد الخارجي، وتكون عوناً وتمهد للاحتلال، وتكون ذريعة للتدخل والعدوان، فبكل بساطة، وخذوها على بلاطة، لا بارك الله بهكذا ثقافة، على الإطلاق.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية