أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الدّم السوريّ ....... وكعكة الثّورة... د . صبري مرزا

الثورة السُورية شجرة مباركة ، أصلها ثابت في قلب الشّعب السّوريِ ، وفروعها تظلُ كلّ شبر من وطن عاش عقودًا من سنوات عجاف ، انكفأ فيه الشّعب السُوريُ على نفسه بين مشرَد خلف الحدود جسدُه ، وفي مسقط رأسه روحه ، وأحاديث الأمل طعامه وشرابه ، وبين معتقل لم يعد يملك من أمر نفسه شيئًا غير إيمان بأنّ الله ( يدافع عن الّذين آمنوا ) وأنّ وعد الله لعباده - إن صدقوا - مُنجَز لا محالة .


عاش السُوريون أربعين عامًا ويزيد سنواتِ تيهٍ كسنيّ بني إسرائيل في صحراء التيه ، أمَا السّوريون فقد كان الجولان أرض ميعادهم الّتي غدت بضاعة في سوق النّخاسة ، يبيع ويشري بها نظام الممانعة والصُمود والتّصدَي . عاش السُوريون هذه العقود وقد غدت الأرض الموعودة والكرامة وحقٌ الحياة الكريمة أحلامًا يجيّرها الآباء لجيل قادم من الأبناء والأحفاد .

نعم ، الحريَة والكرامة والحكم الرّشيد جنّة الإنسان في الحياة الدّنيا ، وجنّة الدّنيا لا تُوهَب بلا ثمن ، ولا تُنال دون بذل الجهد والوسع والطّاقة، كما الجنّة عند الله تعالى ، وما يُنال ببذل الجُهد والطّاقة يصبح عزيزًا ، يستحيل على النّفس التّفريط فيه ، فكانت الثورة ، وكان الميلاد الحقيقيُ لكلّ السُوريين ربيع 2011 م ، ولم يُسبَق أن عُرف ميلاد شعبٌ كامل بتاريخ واحد غير هذا الشّعب الصّابر المحتسب ، ولد على أرض رُوي بدم فتية آمنوا بربّهم فزادهم الله هدىً . مضت ثورة الحريّة والكرامة تتنامى على عين الله ، وتؤتي أكُلها كلّ حين بإذن ربّها ، وغدت هذه نارًا تحرق القتلة وزمرة الغدر ممن أطفؤوا شموع الحياة في هذا البلد الطيّب الّذي كان يخرج طعامه طيّبًا حتى اغتالت أيادي الخبث طهر الوطن وحوّلته إلى أرض خبثت بأيدٍ سرقت الطّهر والكرامة من حياتنا - نحن السُوريين - .

ثورة الكرامة الآن على مفترق طرق ، وعلى طريق فئة من فئام النّاس ، لا تُعرَف لهم هويّة ، ولا يمتُون بنسب لهذه الثَورة وما ينبغي لهذه الثَورة أن تتحوَل إلى بضاعة مُزجاة تُباع بالنَسيئة في أسواق النّخاسة حتّى يطمع فيها المفلسون ، وما ينبغي أن يساوم على الثورة إنس ولا جنٌ ، لا من عرب ولا من عجم ، الثورة ابن شرعيّ لحمزة الخطيب وكلّ من جاد بقطرة دمٍ في سبيلها ، وكلّ من لمعت جبهته بحبة عرق لتطهيرها . الثُورة ملك لأيدٍ متوضئة ، وجباه خاشعة ، وحناجر داعية في الهزيع الأخير من الليل .
ومن ثمّ ، فئة طيَبة من جيشنا الحرِ باع آخرته بدنياه ، وجعل من دمه نهرًا يتطهَر به التائبون ، ثمّ جند من جنود الله سمعت صيحة : يا خيل الله اركبي ، فلبُوا النِداء ، هؤلاء وأولئك ، هم أهل الثورة ، وهم أجدر النّاس بالتَكريم ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان .

وأنتم - مَن تُوسمَون بمعارضات - في داخل وخارج ، لستم أكثر من تلاميذ في مدرسة حمزة الخطيب ، وما تملكون من براءات تشهد لأهل معارضة الدّاخل والخارج جدران معتقلات النّظام اللانظام ، حاولوا أن تصدُقوا مع الله في نواياكم ، واكشفوا حقيقة ما في نفوسكم ، لعلّ الشّعب السّوري يُدخلكم في زمرة مواليد يوم الحريّة والكرامة .
أمّا أولئك الّذين يرون في الثورة ( كعكة ) طاب نضجها ، وحان قطافها ، فهي بعيدة عن أنيابكم ، ولن تقوى معداتكم على هضمها ، لأنّها كعكة صُنعت على عين الله من يوم أن علت حناجر السّوريين بنشيد ربّانيٍ ( مالنا غيرك يا الله ) ومن كان الله معه فماذا خسر ؟ ومن كان الله عليه لم يفُز بشيء ، وما النّصر إلا من عند الله ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِ العالمين .

(114)    هل أعجبتك المقالة (104)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي