أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تراجع الشعور بالانتماء إلى "إسرائيل ... هشام منور

تعدّ قضية الانتماء إلى الكيان الصهيوني مسألة استراتيجية الأبعاد لجهة انبناء مستقبل دولة الكيان الصهيوني على مدى نجاح مؤيديها وقدرتهم على تحفيز أبناء الديانة اليهودية على الهجرة إلى الأرض المحتلة (فلسطين) بالدرجة الأولى، أو على الأقل، كسب تأييدهم ودعهم المادي والمعنوي على حد سواء لصالح "إسرائيل" وهم في أوطانهم الأصلية، حال لم يقرروا الهجرة والانضواء السياسي (والعسكري) تحت لواء الكيان الصهيوني.
بيد أن هذه القضية الجوهرية بالنسبة لوجود واستمرار الكيان الصهيوني غالباً ما تصطدم بعوائق وإشكالات بنيوية خطيرة تحول دون إنجاز هذه (المهمة) على أكمل وجه، فوجود الكيان الصهيوني ضمن محيط معاد ووقوعه تحت هاجس الخوف المرضي على استمرار وجوده بسبب ممارساته العنصرية والعدوانية، وتبعية قراره السياسي للإدارة الأمريكية بما يعنيه من ارتهان مستقبله وارتباطه بمدى نجاح مخططات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والمأزق الأخلاقي الذي يواجهه إزاء استمرار احتلاله للأرضي العربية، وتدخله الدائم في عدد من الدول التي تمتنع الولايات المتحدة عن التدخل المباشر فيها وخاصة في إفريقيا، فضلاً عن معدلات الزواج المختلط المرتفعة في الآونة الأخيرة في البلاد التي يتواجد فيها اليهود، كل ذلك يجعل من مهمة الحفاظ على جذوة الانتماء إلى الكيان الصهيوني بين أبناء الصهيونية والمخلصين لمبادئها، فضلاً عن الرافضين لوجود الكيان الصهيوني من اليهود، مهمة في غاية الوعورة والصعوبة.
فالبحث الذي أعده أكاديميون من معهد (هيبرو يونيون كوليج) وجامعة (كاليفورنيا ديفيس) في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي شمل أكثر من (1700) شاب يهودي أمريكي حتى سنّ الخامسة والثلاثين، بيّن تراجع الشعور بالانتماء والأهمية بالنسبة "لإسرائيل" بعامل السنّ، فلم ير 52% من العينة محل البحث أهمية لإمكانية إبادة "إسرائيل"، فيما اعتبر 48% تلك الإبادة بمثابة كارثة شخصية بالنسبة له، في الوقت الذي رأى فيه أكثر من 78% من اليهود الأمريكيين فوق سن 65 ذلك كارثة بالنسبة لهم.
وفي الوقت الذي عبر فيه 54% من الشبان أنفسهم عن الارتياح لوجود "إسرائيل" تجاوزت هذه القضية نسبة 81% بين أبناء الخامسة والستين عاماً وما فوق. وفيما اعتبر 60% من الشباب المستطلعين الاهتمام بمصير "إسرائيل" عنصراً هاماً في تكوين الهوية اليهودية، ارتفعت هذه النسبة إلى 80% بين المستطلعين المسنين.
وعدّ المشرفون على البحث الهبوط المتواصل في نسبة الشعور بالانتماء إلى "إسرائيل" لدى الأجيال الشابة مؤشراً على اضمحلال الجمهور اليهودي المؤيد والداعم "لإسرائيل" في الولايات المتحدة الأمريكية. وبينما اعتبر معدو البحث ما أفضى إليه من نتائج مؤشراً إيجابياً على نجاح سياسة الاندماج اليهودي في المجتمع الأمريكي الذي زادت نسبة الزواج المختلط فيه بين اليهود والديانات الأخرى إلى أكثر من 50%، فإن الإحباط والأسف تملكهم وهم يعللون تراجع مستوى الشعور بالانتماء، بما يعنيه من تراجع نسبة التأييد والدعم لدولة "إسرائيل" ورؤية أهمية وجودها وبقائها، إلى السياسات الإسرائيلية المتبعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة تجاه الفلسطينيين وأماكن أخرى من العالم، « فيهود الولايات المتحدة معنيون بأن تتصرف الدولة اليهودية (إسرائيل) بموجب معايير أخلاقية وإنسانية»، حسب مقال (ساري روي) في جريدة (يديعوت أحرونوت) المنشور تعقيباً على نتائج البحث.
فسياسة الكيان الصهيوني تجاه الفلسطينيين وتبعيتها المطلقة للإدارة الأمريكية وتدخلها السافر في عدد من الدول المجاورة (العراق)، ودعمها لأنظمة دكتاتورية في إفريقيا والعالم وتنفيذها لسياسة واحدة من أسوأ الإدارات الأمريكية أدى إلى ارتفاع واضح في نسبة المعارضة لسياسة الكيان الصهيوني وصولاً إلى فقدان أي شعور بالارتباط أو الانتماء من قبل «الجاليات اليهودية» في الدول الأكثر نفوذاً وتأييداً له كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
ويبقى أن ينجح العرب والمسلمون في مراكمة الظروف والإشكاليات والمآزق البنيوية التي تواجه الكيان الصهيوني المأزوم أصلاً، وأن يتجاوز الفرقاء الفلسطينيون خلافاتهم الآنية والالتفات إلى القضايا الاستراتيجية الكلية التي تعني الشعب الفلسطيني وتحقق آماله الكبرى في تحرير الأرض والإنسان من ربقة أسوأ احتلال عرفته البشرية.



كاتب وباحث فلسطيني

(110)    هل أعجبتك المقالة (105)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي