مع قرب وصول قطار المنافسة بين المرشحين على انتزاع ترشيح الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى محطته الأخيرة، واشتداد المنافسة بينهم على حسم خيار كل حزب لخوض غمار الانتخابات الرئاسية، وبالذات بالنسبة لمرشحي الحزب الديمقراطي الذين تشير استطلاعات الرأي إلى احتدامها بين المرشحة الأولى (هيلاري كلينتون) وصاحب المركز الثاني (باراك أوباما)، فإن شراسة المنافسة بين هؤلاء المرشحين، نظراً لتقارب أجنداتهم الخارجية المستمدة من رؤية الحزب الممثل له، وضآلة الفوارق في الترشيح بينهم، وعليه، فإن حسم بطاقة الترشيح عن كل حزب بالنسبة للمتنافسين سوف ترتكز إلى ما يتمتع به كل مرشح من ميزات شخصية وهالة كاريزمية تمكنه من مواجهة خصومه بهدوء وتعقل، وحلّ الإشكالات التي تواجه طريقه إلى سدة الرئاسة بما يسهل ذاك الطريق ويمكنه من نيله.
وقد تركزت الحملات الانتخابية الأخيرة للمرشحين في الآونة الأخيرة على التفاعل المباشر مع ناخبي الولايات ذات التأثير المهم في الانتخابات التمهيدية مثل (أيوا) و(نيوهامبشاير) و(ساوث كارولينا)، وبدا وكأن (أوباما) أول مرشح أسود يخوض غمار هذه الانتخابات، قد عقد تحالفاً مهماً مع مقدمة واحد من أكثر برامج الولايات المتحدة شهرة (أوبرا وينفري) ذات الأصول الإفريقية، على الرغم من رفضها سابقاً تأييد حملة أي مرشح سابق حرصاً منها على جماهيرية برنامجها وشعبيتها في الوقت ذاته.
ويبدو تحالف كلا الطرفين قد حقق نجاحاً مهماً كما بينته استطلاعات الرأي الأمريكية مؤخراً فيما يخص ارتفاع أعداد المؤيدين للمرشح (أوباما) والذي عكسه دخول حملته الانتخابية كتاب غينيس للأرقام القياسية من حيث امتلاكها أكبر دليل هواتف للناخبين، وحضور التظاهرات التي قام بها (أوباما) وزوجته برفقة (أوبرا) الآلاف في ولايات أيوا وساوث كارولينا ونيوهامبشاير منذ مطلع هذا الشهر.
وقد حققت هذه الحملات الترويجية لحملة (أوباما) بتحالفه مع المقدمة الشهيرة (أوبرا) أهدافاً استراتيجية هامة زادت من رصيد حملة (أوباما) بالدرجة الأولى، وتمثلت في التواصل مع جمهور الناخبين غير المهتمين بالسياسة من خلال حسن توظيف شعبية (أوبرا) الإعلامية لدى مختلف الأعمار في المجتمع الأمريكي على اختلاف توجهاته السياسية، بما عكس معه تحويل رصيد (أوبرا) الشعبي إلى رصيد حملة (أوباما).
كما أعطى هذا التحالف فرصة استثنائية للقائمين على حملة (أوباما) لجمع أكبر عدد ممكن من تفاصيل المعلومات الخاصة بالناخبين الذين حضروا تلك التجمعات بما سيساعدهم تالياً على التواصل معهم وحثهم على ترشيح وانتخاب (أوباما) لنيل ترشيح الحزب الديمقراطي وسدة الرئاسة بعد ذلك.
وفيما بدا تركيزاً من كلا الحليفين على تعزيز أهمية دور الأمريكيين من أصول إفريقية في المجتمع الأمريكي ورفع وصف الجريمة والمخدرات عن الشبان السود، كما حصل ذلك في لقاء (أوباما - أوبرا) في ساوث كارولاينا ذات الكثافة السكانية السوداء، فإن تركيز خطابات الطرفين على عبارات ملهم قائد حركة الحقوق المدنية الأمريكية (مارتن لوثر كينغ) وإظهار (أوباما) بمظهر القائد الشعبي القادر على تحويل دفة المجتمع الأمريكي وتحسين الواقع الأخلاقي المتدهور على الصعيدين الداخلي والسياسي الخارجي، قد أظهر (أوباما) وكأنه الوحيد الذي يمتلك تراث (كينغ) في مناهضة التمييز بين فئات المجتمع الأمريكي والقادر على إرساء العدالة الاجتماعية والسياسية بينها، والرئيس القادم بقوة لإثبات انتهاء عهد التمييز العنصري في الولايات المتحدة.
ورغم اعتراف (أوبرا) بتدخل عامل العرق في مساندتها لحملة (أوباما) الانتخابية ذات الأسبقية التاريخية بالنسبة للمجتمع الأسود في الولايات المتحدة، فإن اهتمام سواد المجتمع الأمريكي بالقضايا التي تركز عليها حملة (أوباما) كالتعليم والبطالة والرعاية الصحية، وهي القضايا التي تشكل محور برنامج (أوبرا) إعلامياً قد عزز من تحالفهما ووثق من عراه، فضلاً عن وجود ميل تاريخي بالنسبة للناخبين السود، والأقليات العرقية والدينية بوجه عام، لتأييد مرشحي الحزب الديمقراطي على حساب الحزب الجمهوري ذي النزعة اليمينية المعروفة.
لقد كان خوض (أوباما) لسباق الترشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي تاريخياً بكل المقاييس، فمن كونه واحداً من أصغر المرشحين سناً وأقلهم خبرة، إلى كونه أول رجل ملون من أصول إفريقية، إلى كونه أول رجل مسلم رفض أداء القسم الدستوري بداية دخوله إلى الكونغرس الأمريكي على الإنجيل ومطالبته بأداء القسم على القرآن الكريم، ويبقى ألا تؤثر المشاعر العدائية التي لا تزال رابضة في أعماق الضمير الأمريكي حيال تمايز (أوباما) العرقي والديني والاجتماعي عن غالبية فئات المجتمع الأمريكي على نزاهة انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، وهو ما لا يصعب تصوره أو التكهن به.
كاتب وباحث فلسطيني
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية