أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

وأخيراً... نجحوا في اغتيال الوسام الحسن... اسعد بشارة

في ألمانيا قبل يومين، قال الجملة الأخيرة، التي تنبئ بخشية أكيدة من استهداف محتوم. مازح من معه بشيء من الحزن، عندما سألوه عن خوفه من الاغتيال. قال لهم: "أنا هيك هيك رايح".

كان برفقة اللواء أشرف ريفي في مهمة القصد منها تعزيز قدرات فرع المعلومات بالتدريب والتسليح. سمع وريفي ثناء من السلطات الألمانية، أثلج صدره: "أثبتّم أنكم من أقوى أجهزة الشرطة وأفضلها في العالم، ونحن مستعدون للمساعدة في كل ما تطلبون".

كان وسام في هذه الزيارة على غير عادته. أصرّ على دعوة الضباط والوفد إلى العشاء. تبرّع بتسديد بعض احتياجاتهم، حتى أثار استغرابهم... ليس من عادته أن يخرج عن سلوكه المتحفظ. كرر مرتين كلمة "هيك هيك رايح"، ولكنه كان يبتسم ويضحك... إنه القدر.

لم يكن تنبؤه باستهدافه سراً أو تنجيماً. كان يعرف أنه أصبح في دائرة الخطر الشديد. عائلته في فرنسا. أما هو فيقبع في مكتبه الوقت الأغلب من النهار سجيناً طوعياً، لا يتحرك إلّا للضرورة القصوى. كان يقول في الأيام التي تلت توقيف ميشال سماحة: "العملية كبيرة جداً، وهم لن يتركوني، سيستهدفوني أنا أو اللواء ريفي... لن يتركوني".

كان يقدّر حجم توقيف سماحة، نفّذ العملية باحتراف، حتى أقرب حلفاء النظام لم يستطيعوا التشكيك. كان يدرك أنه الآن الرجل الأول على لائحة الاغتيال.

منذ أشهر، وصلته معلومات مؤكدة عن وضع سيارتين مفخّختين على الطرقات التي يسلكها، بقصد اغتيال ريفي، أو اغتياله. سرب الخبر لوسائل الإعلام ليقول لهم: كشفتكم، وليوفّر على منطقة الأشرفية سقوط الضحايا، إذا ما ناور وسمح لهم بالقيام بعملية اغتيال فاشلة. انتقد وشُنّت ضده الحملات، لكنه كان الأعرف والأكثر قدرة على فهم ما يخططون له.

كان وسام من أكثر الضباط تحفظاً وعمقاً، كان بعيداً عن الأضواء. شخصية مثابرة، وطموحة. مؤهلات عالية، وقفز سريع على سلّم النجاح. لم يكن غريباً أن تكون وجهته غير الأخيرة تبوّء منصب المدير العام لقوى الأمن الداخلي. شكّل مع اللواء أشرف ريفي ثنائي الإنجازات الكبرى، علاقتهما لم تكن علاقة الرئيس بالمرؤوس، كانت كالعلاقة بين أحد أفراد العائلة ورب العائلة.

ريفي بما يتحلى من تواضع وشجاعة، والحسن بما يتميز من مناقبية وخبرة أمنية. نجح الثنائي في تأسيس فرع المعلومات. تسلم الحسن رئاسة الفرع بعد سمير شحادة. عمل وسام عيد تحت إشراف وسام الحسن. من تراجيديا القدر أن خوف الحسن على عيد دفعه في إحدى المرات إلى الصراخ بوجهه "لا تتحرك انتبه لنفسك، لا تجلس في الأماكن العامة، تعال إلى المقر، هناك مكتب لك إبقَ فيه".

لو أنّ اللواء ريفي أدّى الدور نفسه مع وسام، هل كان نجا من الجريمة؟

قطعاً هذا الجواب لم يعد طرحه منطقياً. فوسام الحسن لم يكن متهوراً. كانت احتياطاته الأمنية غاية في التعقيد. كان يتنقل بسيارات ومواكب وهمية. كان سجيناً في مكتبه. ومع كل ذلك استطاعوا الوصول إليه، فأيّ قدرات إجراميه هذه؟

بقامته الطويلة والجسم الممتلئ، استحق وصفه بالدرع. سقط الدرع شهيداً، ومهما نال من أوسمة واستحقاقات، سيبقى بالنسبة إلى وطنه الذي أحبه كثيراً... الوسام الحسن.

الجمهورية
(114)    هل أعجبتك المقالة (103)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي