أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هيثم مناع والبحث عن الطهر الثوري... علي حوران


" ماذا تريدون من سوريا ، ماذا تريدون منا ، زعيمكم هو من كان صديقاً لبشار الأسد ، زعيمك كان المرشح الوحيد لرئاسة حزبه وحصل على مئة بالمائة من الأصوات ، ماذا تريدون من سوريا ، لماذا ترسلون لنا الإرهابيين ........." بهذه الكلمات المليئة بالحرقة والألم على مصير سوريا وشعب سوريا خاطب هيثم مناع محاوره التركي على إحدى الفضائيات ، كلام أثلج صدر المحاور الثالث فيصل جلول الذي لم يكن همه سوى الدفاع عن نظام الطاغية وإحراج المحاور التركي ، ولهذا تجاهل قول هيثم مناع أن النظام السوري نظام مجرم ، فقد اكتفى الجلول بأن بلع ريقه وبلع معه (وصف النظام بالمجرم) كي لا يغضب المناع
إنني أتفق مع الأستاذ هيثم مناع بأن سوريا وللأسف الشديد قد دخلت مرحلة الحرب القذرة ، وامتلأت يومياتها بممارسات قبيحة يندى لها الجبين وترتعب منها ومن تبعاتها على سوريا الوطن والشعب كل الضمائر الحية ، وأوافق بالمطلق أن كل الجهات المتدخلة في الأزمة السورية تعمل وتخطط لحساب أجنداتها الخاصة والتي لايوجد أي منها من يعمل لمصلحة الوطن والشعب السوري
لكني بالوقت نفسه ومع كل الاحترام أقول لهذا الناسك الماركسي هيثم مناع ، وهو الطبيب ويعرف أن أي علاج – حتى في أشد الحالات الاسعافية – لايمكن أن يكون ناجعاً إلا إذا استند إلى تشخيص واضح للداء المسبب ، حتى عندما يقرر الطبيب أن يعطي علاجا عرضيا من أجل إنقاذ المريض من الحالة الحرجة مهما كان نوع الداء المسبب ، فإنه لايمكن أن يكون الطبيب طبيباً إلا إذا كان علاجه الاسعافي هذا ضمن خطة علاجية واضحة التشخيص والأهداف، ومن هنا لا يكفي يا صديقي أن توصف الواقع كما هو الآن بل لابد من تشخيص أسبابه والظروف التي أوصلتنا إليه ،
الانتفاضة السورية بدأت انتفاضة شعبية سلمية عفوية ، فأطفال درعا لم يخططوا مع وكالة المخابرات المركزية لضرب محور الممانعة* والمقاومة ، والسيد عاطف نجيب الذي خلع أظافرهم لم يفعل ذلك لأنهم أعاقوا مسيرته المظفرة على طريق تحرير الجولان المغتصب ( هذا إن كان يتذكر أصلاً أن في الوطن قطعة اسمها الجولان على مرمى قذيفة مدفع من مكتبه الذي أهان فيه وجهاء درعا ) وجماهير الأهالي الذين نزلوا إلى ساحة المسجد العمري احتجاجاً على إهانة عاطف نجيب لهم ومسه بأعراضهم وشرفهم إنما نزلوا استجابة للحمية الحورانية وللشهامة العربية ولست بحاجة لأؤكد لك أنهم لم ينسقوا قط مع أمير قطر ولا مع أوباما ولا حتى مع أردوفان ، جوبهت المظاهرات بالعنف والقمع وازداد عدد القتلى وبعد أسبوع راحت مظاهرات درعا تنادي ( يا سوريا يا سوريا عدد الشهدا صارو مية ) وتزايد تجاوب المدن والقرى والأرياف مع الانتفاضة ، ولا شك أن هذه الجموع التي نزلت إلى الشارع كانت عبارة عن عينة عشوائية من الشعب السوري فيها من كل المشارب السياسية والفكرية والدينية ، وبالرغم من أن المظاهرات كانت تخرج من الجوامع – دون أن تراعي حساسية أدونيس المرهفة – بالرغم من ذلك فقد كانت الشعارات الدينية في البداية غائبة وإن ظهرت فهي على استحياء شديد ، فقد كان الشعار المهيمن ( واحد واحد الشعب السوري واحد – طائفية ما عنا واحد واحد وطنا )
النظام هو من قرر أن يطبق على الواقع شعار: الأسد أو نحرق البلد ، هو من قرر أن يقضي بالحديد والنار على الطابع السلمي للانتفاضة ، هو من قتل القاشوش ومن يمثل ، وهو من قتل غياث مطر ومن يمثل في مقاومة العنف وتوزيع الورود على أفراد الجيش ، هو من قتل معن عودات ومن يمثل من نبذ العنف والعسكرة ، وهو من ضرب ومسح الأرض أمام وزارة الداخلية بالمعتصمين ومنهم المفكر طيب تيزيني و داعية اللاعنف نعم داعية اللاعنف جودت سعيد
القوى المسالمة والمدنية والديمقراطية وجدت نفسها وحيدة أمام آلة قمع النظام الوحشية ، فأحزاب "الجبهة الوطنية التقدمية" كانت أسرع من النظام في توصيف الأمر على أنه مؤامرة كونية على محور الممانعة* ، جبهة التحرير والتغيير راحت تتحدث عن معادلات تحتاج إلى خبراء بالسياسة والاقتصاد لفك طلاسيمها ، وادعت أنها مع الأهداف المحقة للحراك الشعبي ( كلمة حراك للهروب من استخدام كلمة انتفاضة أو ثورة ) ليتبين أنهم يقصدون أنهم أن بعض المطالب محقة ، وراحوا يسيرون الوفود إلى تركيا ولبنان وروسيا والصين من أجل تبييض صفحة النظام والدفاع عن محور الممانعة المزعوم ، "الأحزاب والقوى اليسارية والقومية" في البلدان العربية كانت ضد الانتفاضة أيضاً بحجة أنها مؤامرة كونية ضد محور الممانعة، وأنها أي تلك الأحزاب ضد مشروع الإسلام السياسي في المنطقة ، وكأن إيران وحزب الله لا يمثلان شكلاً من أشكال الإسلام السياسي؟؟؟!!!
روسيا –التي آلمني تباهي السيد مناع بموقفها – وقفت مع النظام بكل قوة ودون أدنى تحفظ لمائة سبب وسبب ليس أحدها مصلحة سوريا الوطن والشعب ، والسبب الأبرز ، هو سبب امبريالي بحت في مواجهة الامبريالية الغربية في زحفها نحو العرين الروسي الجريح ، وبما أن الوسائل الخسيسة لايمكن أن تؤدي إلا إلى نتائج خسيسة فإن الموقف الروسي ومعه الإيراني والصيني ، والذي يتباهى بأنه منع التدخل العسكري الغربي ، فقد فتح الأبواب الخلفية للتدخل الغربي بطريقة غير مباشرة عبر الوكلاء
من هنا فإن التدخل الروسي الإيراني ودعمه المطلق للنظام ، جعل النظام يتوحش في قمع الجماهير ، بل الأصح القول التوحش في قتل الجماهير وتدمير كل البنى الاجتماعية والتحتية ، فصارت الجماهير في جاهزية نفسية لاستخدام السلاح من أجل الدفاع عن نفسها وعن أعراضها وكرامتها
الجهات التي قدمت السلاح لم تقدمه لأشخاص دفعتهم العفوية للدفاع عن أنفسهم – هؤلاء يقتلون ولا يسأل عنهم أحد – إنما قدمته لمجموعات منظمة لها أجندات محددة تتوافق مع تلك الجهات وكثير من هذه المجموعات نمت وترعرعت في أحضان النظام وكان لزمن قريب يستفيد منها في لعبة الأوراق السياسية ، لكنها اليوم انقلبت عليه لأسباب عديدة، هكذا تركت الجماهير المسالمة والمدنية والعفوية في تحركها تركت وحيدة وتخلت عنها القوى التي كان من المفترض نظرياً أن تقف معها ، بينما القوى الأخرى هي من وجدت من يساعدها ورأت فيها الجماهير الجهة التي تدافع عنها
الآن يا صديقي تلوم قطر واردوفان و..... الخ ، وأنت نفسك قلت (أنهم كانوا أصدقاء) ، عندما كان أمير قطر يزور سوريا لم يكن أحدنا الذي يستقبله ، ولست أنا أو أنت من اقتطع له الأراضي (أراضي الشعب السوري) في ريف دمشق وغير ريف دمشق
كل ما تقوله صحيح ومهم ، ولكن الذي لم تقله أهم :
- النظام هو من عبث ببنية المجتمع وأعادنا بشكل ممنهج لعلاقات ما قبل الدولة الوطنية من خلال تنميته للولاءات العائلية والعشائرية والقبلية والطائفية ، وتغييب حس الانتماء للوطن وتغييب مفهوم المواطنة بحيث أصبح المجتمع السوري مجتمعاً مفككاً لا تجمعه إلا طبقة من " السولوفان" الهشة التي سرعان ما تتمزق، كل ذلك خوفاً من لحظة تجتمع فيها كلمة السوريين أو بعضهم على رفض الديكتاتورية والاستبداد ومن هنا لا تستغرب يا صديقي بعض المظاهر الشاذة التي تراها وتستنكرها ونستنكرها معك ولكن دون أن ننسى من الذي كان سبب وجودها
- النظام هو الذي ضرب كل الثوابت والقيم في المجتمع جاهداً كي لا يبقى إلا ثابت واحد هو شخص الطاغية وهو من عمل لكي تظهر كل الشخصيات العامة شخصيات قزمة لا قيمة لها ولا دور لها إلا من خلال توجيهات القائد الرمز أو القائد الشاب المفدى ، أم أنك نسيت حفلات الدبكة التي كان (يرزخ ويردح ) بها كل مسؤولي الدولة والطاغية يلوح لهم بيديه من شرفة قصره؟؟!!
- النظام هو من أطلق سراح المجرمين بمجرد بدء الانتفاضة وتركهم يعيثون فساداً وإجراماً ضد المواطنين الآمنين وهم الذين قدر عددهم رأس النظام بخمس وسبعين ألفاً ، ولسان حاله يقول للمواطنين هؤلاء من كنت أحميكم منهم وطالما انتفضتم ضدي فعليكم أن تتحملوا عواقب غياب حمايتي لكم ، وهو ما يشبه بالضبط دعوة البلطجي لأبناء حارته كي يتحملوا إجرامه وسلوكه السئ مقابل أن يحميهم من بلطجية الحارات الأخرى
- النظام هو من سلح شبيحته منذ الأيام الأولى للانتفاضة وبذلك يكون هو أول من خرج على شرعية الدولة وأعطى السلاح لمن لايملك شرعية حمله ولا يملك شرعية استخدام العنف ضد الآخرين اللهم إلا إذا كانت الشرعية هي فقط في سبيل حماية الطاغية ، فإذا كان النظام هو من كسر هيبة الدولة أولا فهل للمرء أن يستغرب أن يقوم الآخرين بذلك
- النظام هو من كان على علاقة جيدة بالجماعات الإرهابية المتشددة وقد تباهى بذلك مراراً وافتخر بقدرته وبراعته باللعب بهذه الورقة سواء في العراق أو في لبنان ، وليست خطيئة أو مسؤولية الشعب السوري أن بعض هذه الجماعات قد انقلبت ضده لأسباب مذهبية أو أن بعضها ما زال يقوم بأعمال مشبوهة باسم الانتفاضة وتصب في النهاية بمصلحة النظام؟!
- لقد قلت يا صديقي يوماً أن بعض الجهات اللبنانية ( المستقبل ) قد سألتك لإدخال السلاح إلى سوريا ، نعم هؤلاء قد سألوك ، لكن الايراني لم يسألك وقد اعترف بذلك على أعلى المستويات ، وحزب الله لم يسألك والذي كان لأمينه العام أن يسخر من كل تحليلاتنا التي قالت أن النظام ليس بحاجة لمعونة حزب الله ، واعترف بمشاركته في القتال ضد الانتفاضة ، وإن كان قد بررها بطريقة سخيفة تستخف بعقول الناس والأخطر أنها تعطي الحق لكل من له مواطنُ يقيم على الأراضي السورية أن ينظمه بمجموعات مسلحة ويرسل له كبار القادة كي يشرفوا على تدريبه وقيادة عملياته العسكرية!
- النظام هو من بدأ بالقتل والتوحش وإهانة كرامات الناس واغتصاب أعراضهم وحرماتهم ، والذي يقف أمام الموت وجهاً لوجه يقاوم ولو بأظافره وأسنانه ، أذكرك بأن سرايا الدفاع عندما هاجمت السجناء العزل في سجن تدمر ، استطاع هؤلاء السجناء ( ومن حلاوة الروح كما يقال ) استطاعوا أن يقتلوا بعضاً من المهاجمين سواء بتخليصهم سلاحهم أو بطعنة سكين ، فكيف لك أن تتخيل شعب يتعرض للذبح والقتل الممنهج بألا يدافع عن نفسه ، وقد دفعه النظام لذلك دفعاً ، وليست مسؤولية الشعب أن جهات أجنبية ( وأكثرها إن لم يكن كلها كانت صديقة حميمة للنظام ) قد تدخلت لتنفيذ مصالحها الخاصة ودعمت جماعات تشبهها
- لن ينازعك أحدُ في تفسير الدوافع الغربية عموماً والأمريكية خصوصاً في سعيها لتحقيق مكاسب امبريالية واستعمارية ولكنك تتجاهل أن روسيا الآن محكومة بنظام رأسمالي مكون من تحالف مافيا المال والسلاح والمخدرات في أسوأ نسخة للنظام الرأسمالي في التاريخ ، ولك أن تستنتج ( وبالتحليل الماركسي دون غيره) ما هي القييم والمعايير السياسية التي يمكن لهذه المكونات الثلاث في النظام الروسي أن تستند عليها في السياسة الدولية عموماً وفي الموقف من سوريا والشعب السوري خصوصاً ، لك أن تتوقع كل شئ إلا مصلحة سوريا الشعب والوطن ، لقد أذهلني تباهيك وتماهيك مع الموقف الروسي والإيراني وأنت تعلم أن بوتين ولافروف وخامنئي وسعيدي وصالحي و حسن نصرالله و نعيم قاسم ونواف الموسوي هم من قتل معن عودات وغياث مطر والقاشوش وإن لم يضغطوا على الزناد ،وهم من اعتقل وسجن وعذب المواطنين السوريين وانتهك حرماتهم و إن لم يملكوا مفاتيح السجون
- سوريا القوية الموحدة الديمقراطية هي التي تخيف الأوساط الامبريالية والاستعمارية ، لذلك فإن سوريا الشعب والوطن تتعرض فعلا لمؤامرة التدمير والتمزيق وأول قوى هذه المؤامرة والطرف الفاعل فيها هو النظام ، نعم النظام الذي يقتل ويدمر ويفكك نسيج المجتمع السوري ، ويرفض حق الشعب بالديمقراطية ويربط أمنه بأمن إسرائيل ويجعل من أرض الوطن ساحة مستباحة لحلفائه ويستدرج تدخل الآخرين فقط من أجل خلط الأوراق في محاولة لاستمرار بقائه ولو على جماجم الشعب ، وعلى ركام الوطن والدولة
هذا بعض مما لم تقله يا صديقي الماركسي الناسك أو الناسك الماركسي ، فأين كل هذا من الطهر الثوري الذي تبحث عنه

• كلمة ممانعة تعني باللغة : التظاهر بالامتناع عن فعل ما


(116)    هل أعجبتك المقالة (118)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي