أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ميلادي الـ 24... ميخائيل سعد

كنت أحلم دائماً أن أكون كاتباً، خاصة بعد أن نشرت أول مقال في جريدة العروبة، وأظن أنني وقتها، اشتريت ثلث كمية الأعداد المطبوعة من الجريدة، ووزعتها على معارفي وأصدقائي وأقاربي وأهل الحي وأهل القرية، كي أبرهن للجميع أنني شاب مثقف، وأختلف عنهم، وأنني أستحق أن أكون كاتباً.

قررت، في ليلة عيد ميلادي الـ ٢٤ أن أدخل العام الجديد وفي يميني مسرحية مكتوب عليها بخط كبير تأليف ميخائيل سعد. كنت في الحقيقة أريد أن أفقأ حصرماً في عيون أصدقائي الكُتاب الذين سبقوني في الكتابة مثل فرج بيرقدار وصلاح الصالح ووائل السواح وعبد الله عيون السود وموفق سليمان وغيرهم، كما كنت أريد أن أقول لابنة الجيران، التي كانت تشوف حالها علي، وهي الحمصية أصلاً وفصلاً، بينما أنا الفلاح أو الحمصي الجلب. كنت أريد أن أبرهن لها أنني أنا ابن الشرطي الفلاح أكثر ثقافة منها ومن أهلها كلهم ومن كل الحماصنة المتجذرين في حارتنا منذ عشرات السنين.

قررت الكتابة، بعد أن جهزت كل ما يلزم المثقف الكاتب من أوراق وأقلام وطاولة وقصاصات ورق للخربشة وبرايات لأقلام الرصاص، كما يفعل الكتاب الكبار. أشعلت الصوبيا المازوت، فنحن في ١٩ كانون الأول، والشتاء بارد. لم يعد ينقصني لأبدأ الكتابة إلا النبيذ الأحمر الذي زاد عن سهرة البارحة مع علي الحندي، الذي كان يزور حمص وأعضاء فرقة المسرح العمالي بقيادة فرحان بلبل، وبحضور عضو الشرف الشاعر الحمصي مصطفى خضر وآخرين. المهم أنني أحضرت النبيذ وبدأت الشرب محاولاً التركيز على موضوع المسرحية المأساوي، والذي سيتناول علاقة المثقف الريفي بالمدينة وحقده عليها، من خلال علاقة فاشلة بين هذا المثقف وجارته ابنة المدينة التي تحتقره لعجزه عن فهمها.

كان الليل قد تجاوز منتصفه عندما أضيئت غرفة الجيران المطلة على نافذتي، ورأيت جارتي الصبية تقف ملتصقة بزجاج نافذتها، عارية الصدر، ناظرة إلي بنظرات لم أر مثلها سابقاً. استمرت في واقفتها عدة دقائق، ثم وضعت كنزتها على كتفيها وغادرت الغرفة بعد أن أطفأت المصباح.

شربت ليتراً من النبيذ وكتبت بكل غباء:

يجب أن تعرف ابنة المدينة أنني أقوى منها وأكثر ثقافة.

ولم أكتب بعدها، إلى أن قامت الثورة، في عيد ميلادي الـ ٦٢.

(108)    هل أعجبتك المقالة (100)

خالد الصوّاف

2012-10-12

لقد أطفأت ثورة كاتبنا العزيز على المدينة و الظلم الاجتماعي الطبقي, امرأة نصف عارية ! و باتت شعلة القلم منطفئة لمدة 38 سنة ثم أشعلتها من جديد مشاعر الوطنية و الأنسانية المغروسة في أعماق الأستاذ ميخائيل سورية كانت تحتاج للكتاب الثائرين على الظلم لكي يشعلوا ثورة الشعب منذ وقت طويل و لكنهم سكروا و ناموا كما نام أهل الكهف.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي