أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فيــــــــروز ... محمد علاء الدين عبد المولى


 

تتفتَّحين كمطلق مستوحدٍ في ذاته العليا
أقدِّسُ صوتكِ الذهبيَّ يكسرني, يجمِّعني,
يعيدُ بناء صومعة الحنينِ على الهواء الحرِّ,
أسأل طائر النسيانِ عنكِ
لأحتمي بجناحه من ثلجِ روحي
شمسك الأولى تنادي الانتظار على
رصيف العاشقينْ
وأنا أحاول رصدَ أعماقي إذا هطلت عليها
شمعة زرقاء منكِ...
أحدِّدُ السفرَ, الغروبَ,
وقلعةً خضراء ترفعها يداكِ
لقوافل الآتين من نار السكونْ
وتلوِّحين بشعلةٍ من خلف أطيافِ السنينْ
تأتي إليكِ حدائق وحرائقٌ
تتمايلين بنشوةٍ
وتوزِّعين على المدائنِ قمحها ونبيذها
وتبادرين مقاعدَ العشاقِ بالأزهار والحلوى
ونكبرُ فيكِ
نكبرُ عنكِ كي تُـبقي لنا نهراً على جيلِ الإلهْ
تبقين ينبوع الطفولةِ
كلما انكسرتْ مصابيح الحياهْ
لا تسبقينا بعدُ أكثرْ
دوري علينا يا نبيذَ الشمسِ
خالقةً بكعبكِ نبع نورْ
يا أنتِ يا عصفورةَ الساحاتِ يا منذورةً للشمسِ
يا كأس البداية والنهايةِ
ياشمالَ الريح
يا شرقَ الصلاهْ
يا بابنا المفضي إلى الأنهارِ
يا لغزَ الرحيل إذا بكى وطنٌ
وصوتَ الزهرِ في حجر الفصولْ
ماذا وراء الباب: ليلٌ أم ضجرْ ؟
فلتزرعينا في الشتاءْ
ولتحصدينا - بعد أن تمضي الطيورُ -
بمنجل الحزنِ المقدَّسِ
وانثرينا في ضميركِ كي نقولْ:
ما زال فينا طاقة أولى لنرقصَ
أو نودِّع صورةً هربت من الإيقاعِ
ما زلنا بشرْ
بحضورك الأبدي سيدتي يتمُّ نشورنا
ولنا القيامةُ فجرَ آحادٍ كثيرةْ
لا تسبقينا بعدُ أكثرَ...
يا غِنى الأعماق بالأعماق
يا أنثى الكرامة والحمامةِ
يا مربِّية البنفسج في منازلِ صمتنا
عيناكِ نبعا جنَّةٍ لا ينشفانْ
فبأيِّ لؤلؤةٍ أبارك صدركِ البحريَّ
يا امرأةً إذا وقفت وقفنا
وإذا هوت فقدَ الزمانْ
جدوى اللقاءِ... وباع صورتَه المكانْ
هذي رسائلنا إليكِ نمتْ على أطرافِ أنهارٍ
خذيها واقرئي فيها طفولتنا المقيمة
في بيوت الريحِ
كم كبرت ظلالٌ حين مازلنا
على حجرِ التأمُّلِ قاعدينْ
من حولنا انسكبت فضاءاتٌ
سمعنا صوتَ رعدٍ
أين نلجأُ كي نصونَ ثيابنا البيضاءَ
من حزنٍ حزينْ ؟
لا كوخ في عري المدى إلا وأنتِ هواؤه
وثمارُ كائنه القديمْ
وحداثة الروح الأمينْ
أنخاف سيدتي ؟
عروسُ الجنِّ في كهف العريسِ
يجادلان جرارَ خمرٍ من قُبَلْ
فإذا اقتربنا هل يبوح العاشق الجنيُّ فينا
بالذي يضنيهِ ؟
مرَّت خلفنا الأشجارُ عاريةً
أتُلبِسها يداكِ أساوراً خضراءَ ؟
ماذا قلتِ ؟
هل في هذه الأشجار من يدعى حبيبكِ؟
كم نغارُ عليك ممَّن لا يغار عليك...
أنثانا التي منْ نشأة الأعراس قائمةٌ
برشقِ اللوز في قمصاننا
لا ندَّعي وصلاً فأنتِ كمطلقٍ تتفتَّحين
تغادرينْ
مرصودةً لرحيلنا الأزليِّ في نهر المجرَّةِ
حين نغرق فيه
تأخذنا يداكِ إلى التَّكوُّن من جديد
ثم تنصرفين عنا...
لكأنَّ معناك المؤبَّدُ لا تؤطِّره العبارةْ
لكأنّ أول عشبةٍ بدويَّةٍ في حقل فجرك
جسرُنا نحو الحضارةْ
جُمِعَ الزمانُ بخاتمٍ في ليلِ عرسكِ
خبّئي أعمارنا في قعرِ صندوقٍ
وهاتي كلَّ عيدٍ قطرةً منه
نخاف من الخريفِ إذا دنا ونأيتِ عنَّا
يا تاجَ غبطتنا وخبز كفافنا
يا خندقَ الروحِ الأخيرِ إذا دُهمنا
هذي السماءُ تفتَّحت شجواً
وهذي رملةٌ هتفت بمبدعها
فغنِّي الآن سيرتنا لأنـَّا
نسيانُ ما يمضي وما يأتي
فقولي كيف كنّا كيف عدنا
النّايُ في سهرٍ أخيرٍ وحده يبقى مكاناً للدموع
نتسلَّق الجبل الضعيفَ
لحافنا أفقٌ
وكنا زاهدينْ
نتلو على صخر الطبيعةِ عشبنا
وقصائدَ النارِ التي رقصت على قلق الوجودْ
واستخرجت من فضة الأثداء خمراً بابليّاً
ونسير...من منَّا يضيع وأنت فينا
كحرير مروحةٍ تفيضُ ؟
وملمس الكلماتِ أنتِ
وأنتِ عفوُ البحر عن سفن اليتامى
أنت ماريَّا التي انكشفت لربَّانِ السفرْ
فاصطادَ ياقوتاً ومرجاناً
وكاد يحسُّ بين يديه فردوس الخلودْ
هاأنتِ يا وقْع الشروقِ إذا خطا فوق السطوحِ
يدَ الرُّعاةِ يقطِّعون القلبَ بالقصبِ (الحُنَيِّنِ)
أنتِ واقفةُ وهاربةُ وحاضرةٌ ومُحْضَرةٌ
وصفصافٌ توجَّع
أو صغيرٌ بعدَ مدرسةٍ تلعثمْ
ينهارُ كلُّ الليلِ في بستاننا الأمويِّ
إن أشهرتِ فينا نجمةً
من ذيلِ مخملكِ الأميرْ
ضاع الترابُ بنا وضاع الحيُّ سيدتي
أنرجع والمسافة لم تزل تنأى ؟
بلاد البرتقال سلالها ذكرى تمارسها القصائدْ
وهناك تصحو خلف هضبتنا تلال غمامنا
والأزرقُ الإيقاع لفَّ العالمَ الأعلى بقدسيِّ الغناءْ
وسؤالنا الدَّمويُّ ينمو: هل سنرجعُ ؟
كم تأخَّرت القيامةْ
يا آخر العنقاء
يا فينيق لحظتنا
ويا نوراً يؤلِّف في حكايتنا الحمامةْ
دوري علينا يا خلود اللفظة الأولى, وكوني
أهرامنا وشآمنا
أبراجنا
قرطاجنا
يا نجمة الحب التي تُحْصى
إذا ما أُحْصِيتْ شهبٌ
أعيدي نيلنا وفراتنا من قيدِ صحراء البعيدْ
أحدٌ هنا يمضي مع الريح اللعينةْ
شدِّي الخيامَ إذاً
هواءُ جنوبنا يعلو
وهذي الريح سوداءً تهيجُ
حناجر النحلِ الضَّريرِ يلفُّها يأسُ المغيبْ
كلٌّ يخطُّ على الرمال وجوه من رحلوا
وليس سواكِ من جهةٍ
تلمُّ الساهرينْ
فهمُ اقتتالٌ في مساء الورد حول الخمر
همْ طعم الربيع رمى بأجراس القرنفل
نحو طاغوتِ الخريفِ
هم القبائل يأكلون اللحمَ من مهدِ الرَّضيعِ
هم انكسارُ الأرزِ في الوجدانِ
هم إفراغُ بحر الشرقِ من شمسٍ
وهم من شقَّ في أرض البقاعْ
رأسَ الجنوبِ وألحقوا بيروت بالمعنى المشاعْ
ووقفتِ وحدكِ في مقامِ الصمتِ
تحترفين حزن الانتظارْ
وتجمِّعين - بما استطعتِ - ثيابَ قتلاهم
لتحتفظي بنزفِ الدَّمِّ في أقداحِ ذاكرةٍ
تؤرِّخُ للمضيَّع من شعوبِ الشرقِ
في وقتٍ مضاعْ
وبقيتِ رايةَ يأسهم
تعلو على حرب التفاصيل الصغيرةِ
تكبرين وتسرقين الخاتم الملكيَّ من صندوقه
لتحرِّري أعيادنا من لعنة القمرِ / الملكْ
ها نحنُ في فئتين تقتتلانِ
زوري قلعة ومدينة
زوري البيوت, حدائق العشاقِ
زوري ساحة الأعراسِ
قولي: يا جدار مباركٌ
يا عتبة البيت الجميلِ
ويا خوابي الزيت والخمر الجليلْ
زوري شموع الفصح والأضحى
وزوري وعدنا بالنحل
لا تنسَيْ ثيابَ العرسِ
ميسُ الرِّيـمِ أرضٌ من ضجرْ
سكَّانها حجرٌ ترمِّمه الحكاية والسَّهرْ
أيامها صيفٌ بلا عنبٍ
شتاء بناتها يذوي بلا حطبٍ
أصابعهنَّ مغزلُ زغرداتٍ لا تجيءُ,
نهودهنَّ مجامرٌ تتآكل الرغباتُ فيها
لا غريب يدقُّ بابَ الليلِ
لا سفرٌ وراء القلبِ والصوَّانِ
هل تعتادُ هذي القرية الجرداءُ
أن تهوي على سفح القنوطِ
كأنها ثمرٌ يجفُّ
كأنها العمر انكسرْ
يا أمنا الزرقاء والخضراءَ يا إنجيل ألفةْ
ميزانك الذهبيُّ يرضينا احكمي ما بيننا:
من كان أجدرَ باحتضان الشمس:
شعبٌ قد تعوَّد أن يسافر في المجازِ
فيقطف العنب المقدَّسَ من فضاءٍ قادمٍ؛
أم من يقصُّ خيوط لعبتنا الجميلة
حول مائدة الأغاني ؟
يا قامةً للحلم أين قطارنا الموعودُ ؟
هذا جمعنا المنسيُّ حشدٌ من فراغ الانتظارْ
جاء القطارْ / هرب القطارْ
فخذي تذاكرنا جميعاً
سافري عنا وفينا
معنا خذينا
وخذي المحطة والضَّبابْ
وخذي الذهابَ خذي الإيابْ
ثلجٌ على أهدابنا
عضلاتنا أكوامُ ضعفٍ خلف ليلِ إهابنا
يا نارنا غذِّي مفاصل وهمنا
رشِّي على أخشابنا زيتَ التكوُّنِ, عمِّدينا
بالحبِّ والإيمانِ كي نمضي
بصيرتنا كصوتكِ: خطوةُ اللهِ المضيئةْ
جرسٌ على جبلِ السِّنين يدقُّ
تحتشدُ الخلائقُ
هالةُ الإشعاعِ من أزلٍ
معاهدةُ الزُّهورِ مع السِّياجْ
صلحُ البنفسجِ خلفَ باب أميرةٍ
خُطفت وما زالتْ صغيرةْ
ولها أبٌ معقودةٌ بجبينه شمس البلادْ
ولنا البصيرةُ إذ تقلِّد بالرؤى
شجراً تدلَّى من كلامكْ
ولنا سجودٌ خلفَ حزنكِ وارتعاشٌ في مقامكْ
ولنا طفولاتٌ تعمِّرُ في المرايا بيتها
لتشاركيها في منامكْ
ميلادها وحِدادها وبلادها
وتتوِّجيها بالظلالِ وتلعبي معها بطائرةٍ
على سطح الزمانْ
هذي طفولتنا تشيخُ ولم نذق خبز الحنانْ
يا أمَّنا البيضاء زُوريها طفولتَنا
أعيديها إلى بيتِ الأمانْ
ليل الشمال يطول مولاتي,
وبوصلة القصيدةْ
سكرى بوحدتها تضيع جهاتها
كانت تشير إلى الممالكِ حيث سقفُ المعبدِ
الملكيِّ أعلى من نجوم العيدِ...
هل أنت الأميرةُ ؟
صدِّقي من صاغ هذا الحلمَ
هالةُ أنتِ
تنقُلكِ الإشاعةُ من فضاء اللوزِ نحو القصرِ
قالت هكذا الأبراجُ فارتفعي وقولي
للسيد العالي عنِ الليلِِِِ المقيم بنا
وعن خبزٍ تحجَّرَ في أصابعنا
وعن موتِ الحقولِ
قولي له... قولي له...
يا حلمنا ماذا تقول لكِ المرايا ؟
هل غيَّرتْكِ الزينةُ الملكيَّـةُ الذهبِ ؟
اخلعيها وارجعي
فأبوك فاض به النبيذُ
وغلَّقتْ خمَّارةُ الأحزانِ عينيه
وشابت في يديه خرافةٌ أكلت من الأعماق زهرتها,
يعود الآن أصفى من نحيب النايِ
أقربَ من يديه إلى الوداعِ
يعود والدَنا جميعاً
يا شقيقةَ مائنا وعروقنا
يا أختنا في ملتقى الغرباءِ
حرَّاسُ المدينةِ أغلقوا الأبوابَ
نامي في النجومِ
سريرنا الخشبيُّ مرفوعٌ إليكِ كلحظةٍ كونيَّةٍ
مقطوعةٍ من غابة الوقت الكثيفةْ
مدّي يديكِ أمام أبراج الحمامْ
ليعود جمهورُ الحمامِ إلى منازله الأليفةْ
أرواحنا ثقُلتْ بما اختزنتْ أعيديها خفيفةْ
طيري بنا نحلاً
أضعنا لهجةَ العسلِ
انتشرنا في المدى مثل المدى
شجرُ الرحيل يظنُّ بالأنهار خيراً
كلما ازدحم الغمامْ
والجائعون يحاورون أبوَّة الخبز اليتيم
ويشْرُدون مع الصباح بلا صباحٍ
يشحذون ظلالهم من قلعةٍ تعلو من القدح الأخيرْ
لينادموا غرباءهم
وغريبُهم فيهم يصلّي قبل أن تلقي المعابد
ضوءها فوق الأسرَّةِ
يحلمون بجرَّةِ الذهب الكبيرةْ
ويلوِّنون بريقها بحنان صوتكِ
أنتِ غاليةٌ عليهم هلّلي فيهم
ففيهم ألفُ طفلٍ في المغارة سوف يصلب
احرسي باب المغارةِ في الحكايةْ
لا تتركي ريح الجنود تهبُّ ثانية
لتسرقهم إلى خشب النهايةْ
غنِّي لهم لينام وحشُ الحرب فيهم
ويقوم طفل النور يكرزُ بالربيع وينتشي رسل الحياةْ
بفضيلةِ الفرحِ المفكِّـرِ واعياً لتآلفِ الأشياءِ في
مرآتها الأولى, فتجتمع النقائضُ والجهاتْ
ويكون أنك تطلقين على الصحائف وحيها
وترتلين الفصح والميلادَ في كونٍ يغادره الطغاةْ
مولاتنا
يا توبةَ العاصين
يا كفَّارةَ التاريخِ عن إثم الخرابْ
يا حقَّنا يا خيرنا وجمالنا
سنظلُّ نخطىء في الأغاني والعناقْ
لتصحِّحي لمجرَّة القبلات درب حليبها
ونظلّ نخطىء في معادلة النجومْ
ونضيعُ في صحراء فكرتنا الفقيرةْ
ليظلَّ صوتك وحده
الفادي المخلِّص
يا نبيّـتنا

الأخيرةْ

  


(165)    هل أعجبتك المقالة (114)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي