أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

5 آلاف دولار لتصبح "حفار قبور"... سوق سواء لـ"الموت" في دمشق

من مقابر دمشق - زمان الوصل

"يبحث الميت في دمشق عن موطئ قدم له في أية مقبرة." يقول أحمد، أحد حفاري القبور في باب صغير. حتى إن الأغنية الشعبية "يا حفَّار احفر قبري" التي تطالب حفار القبور بتوسعة قبر الحبيب ليسعَ الشريك، باتت الأكثر قرباً لتوفير المال هذه الأيام برأيه، فضلاً عن مآثر الحب؛ فالقبر ثروة في دمشق هذه الأيام. يقول صديق الموتى الى مثواهم الأخير.

فلم يعد يسعى الدمشقي في حياته لمسكن فقط يتطلب جمع المال وإنما لقبره المنتظر أيضاً. فالموت أصبح مكلفاً بدرجة كبيرة، فلم يعد بالإمكان رؤية الناس سواسية في المقابر بين قبر يقدر بملايين وقبر دون شاهده، ويضم أربعة على الأقل، بعد تحول  القبر إلى ما يشبه الحلم، الوصول إليه يكلف ثمن شقة سكنية.

وهذا ما جعل الموتى مجهولي الهوية يبحثون عن فسحة ترابية بعد ضيق العيش أينما كانت ولو على حساب قبر آخر.

عائلة المتوفى "محمد .ن" تفاجأت بوجود زائر في قبر والدتهم في مقبرة "الخوارزمية زين العابدين" في دمشق، قد دخله دون استئذان، سارعوا إلى التبليغ عن حالة الاقتحام غير الشرعي لحرمة القبر من ميت مجهول الهوية. 

بعد التقصي، وفقاً لصحيفة رسمية سورية، تبيّن أن مكتب دفن الموتى في دمشق اعتمد على تعهد خطي من أحد الأشخاص، وهو مساعد مختار سابق، فسمحوا له بفتح القبر دون التحقق من البيان العائلي لصاحبة القبر، ودون إذن من الورثة الأحياء.

الشكوك تطول على الدوام العاملين في تجارة الدفن، بسبب كثرة التجاوزات، فبعض الحفارين يدفع مبلغاً كبيراً من المال فقط للحصول على ترخيص مزاولة العمل قد يصل إلى 4 آلاف دولار، بالرغم من أنهم لا يتقاضون  راتباً ولا تعويضاً، وليس لديهم أي نوع من التأمين.

ويتبع الحفارون  لـ "المكتب"، الذي أسس عام 1952، ويتحمل على عاتقه  صيانة القبور والإشراف على المقابر الواقعة ضمن الحيز الجغرافي لمدينة دمشق، وتغسيل وتكفين الوفيات وتشييعها إلى مثواها الأخير، وأموراً أخرى بعد أن كانت محافظة دمشق هي المسؤولة عن الإشراف على ذلك.

ما لا يهواه تجار الدفن 
كثر الحديث في دمشق عن ما لا يهواه العاملون في "تجارة" الدفن، من مطالباتٍ تقضي بتحديد أجور الحفر ومنع التلاعب والاحتيال، وضرورة تغيير عمال حفر القبور من منطقة إلى أخرى، وبشكل دوري للحد من حالة الفساد المنتشرة في تحديد القبور وتخصيصها، وضرورة أن يكون حفار القبور من أهل المنطقة التي يعمل بها، فضلاً عن الإشارة إلى سيطرة هؤلاء واستغلالهم المواطنين وتقاضي مبالغ ما بين 35-50 ألف ليرة أجرة حفر القبر دون مراقبة أو حساب، إضافة إلى تحديد أماكن المحسوبية والرشوة. دون نسيان تكاليف الترميم والتزيين ومراسم الدفن والعزاء. ولأنها نارُ بدخّان، حضرت على طاولة محافظة دمشق أكثر من مرة ليطالب بتفادي ما ذكر والتوصية بوضع كاميرات تراقب حال الموتى في المقابر في مدينة دمشق، وإدخال المعلومات الخاصة في المقابر بشكل مفصل على الحاسب، لتسهيل خدمة المواطن وأي تقصير من أي عامل يجب محاسبته وإحالته إلى القضاء مع وجوب تحديد أجرة عمال حفر القبور، وعدم تقاضي ما يسمى بالإكراميات التي باتت إلزامية تثقل كاهل عائلة الفقيد.

 للقبور سوقها السوداء
 ويترافق الطلب المتزايد على القبور مع تبعات السوق السوداء، في تأمين القبور وأعمال السمسرة التي تنتاب عملياتها. هذا المشروع التجاري الرابح دفع الميسورين لدفع  أية مبلغ مقابل الحصول على قبر في المدينة، لا سيما في المقابر الفاخرة في "الدحداح" أو "باب الصغير"؛ حيث تصل أسعار القبور داخل مدينة دمشق إلى 500 ألف ليرة، وهذه المقابر معروفة حتى طال ارتفاع أسعارها الأرياف، ليكون سعرها ما بين 150 ألف ليرة و300 ألف.

 وفي حال كان الميت المحتمل من عامة الناس، وليس له قبر شاغر في مقابر الذوات، فما عليه إلا تخصيص قبر برقم في مقبرة "المزة 86"  بسعر 10500 ليرة سورية أو في مقبرة "نجها" بسعر 2100 ليرة سورية، واضعاً في الحسبان أن شراءه للقبر يعطيه حق المنفعة منه بالدفن وليس للبيع أو بالتنازل عنه، وذلك لكون القبر ملكاً للأوقاف، وكل عملية بيع هي عملية مخالفة ولا علاقة "للمكتب" فيها، سيما وأن المحافظة تمنع التنازل نهائياً عن القبور.

  وصنفت القبور حسب المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق إلى درجات، فهناك الممتازة والأولى والثانية والثالثة والرابعة، وهذا التصنيف لا تدخل فيه الرغبات الخاصة لأصحاب القبور، كالمبالغة في تزيين  القبر وتغطيته بالرخام وزراعة الورود من حوله.
زمان الوصل

موت قوم عند غيرهم  فوائد
 الموت لا ينتهي بالدفن فالمحلات المترامية على جانب مقبرة "باب الصغير" وغيرها، تقول إن قبر الفقيد يحتاج إلى شاهدة، وربما إلى لباس من الرخام أو الإسمنت حسب الوضع المادي والوجاهة.   

"هناك قبور تذهب عنك الفقر"، يقول: سامر الأيتوني (46 سنة) صاحب محل لحفر الرُقم، ويروي وريث هذه المهنة أبا عن جد، أن قبوراً كانت تكلف (30) ذهبية أو ليرة عصملية، والآن هناك قبور تصل تكلفتها المليونين.

ويقول الأيتوني إنه يحفر ما يمليه عليه أهل الموتى من آيات قرآنية أو من بيوت شعر، التي تتميز بطريقة خاصة في الكتابة ولها شاعرها الخاص، إذ يجب عليه أن تتضمن الأبيات اسم المتوفى الثلاثي وتاريخ وفاته وهواياته إن أمكن.

العزاء وفرص العمل
ابتكر الدمشقيون مكاتب خاصة تقوم بكل مستلزمات واجب العزاء التي يحددها الزبون، تبدأ من طباعة النعوات وإلصاقها، وتقديم القهوة المرة والمشروبات الأخرى كالشاي والليمون وغيرها، وتأمين قرَّاء للقرآن الكريم، وفي أغلب الأحيان يطلب أهل الميت قارئين يتناوبان على قراءة القرآن لمدة لا تقل عن ساعتين، والتكلفة  تبدأ من 5000 ليرة لأرقام عالية أيضاً حسب درجتهما وشهرتهما، وهذه الخدامات ليست مقتصرة على الرجال فقط، فالنساء يقدمن هذه الخدمات لعزاء الحريم أيضاً.

ولا تقل  التكلفة التي يقدمها المكتب لقاء هذه الخدمات عن 25 ألف ليرة خلال ثلاثة أيام العزاء، فضلاً عن الطعام أيضاً فهو يكون بناء على طلب أهل الميت إذا ما أرادوا تحويل واجب العزاء إلى مضرب للمثل.    

للقبور ضيوفها
عندما يقرأ الزائر لمقابر دمشق كلمة "ضيف" على إحدى الشواهد فهي تدل على كرم أهل الميت الذين استقبلوا في تربتهم ضيفاً ولا يحق لأقربائه المطالبة بأي حق لهم في القبر يوماً.

 أيضاً عبارة "القبور المنسية"، وهي قبور التي نسيها أصحابها وأقرباء ساكنيها، فما كان من مكتب دفن الموتى إلا وضع اليد عليها.

ادفن وامشي
حفار القبور "أحمد" يقول: "ادفن وامشي"، ليلخص حال الكثيرين من البؤساء في حياتهم وفي موتهم. فالناس ضاقت بتكاليف الحياة وزخرفها، فبعضهم يتسلل لقبر آخر والبعض يسكن مع عائلته في قبر، والبعض يتمدد على راحته في قبره الوفير.

قبر دفن فيه 4 نساء على فترات متباعدة

دمشق - زمان الوصل
(516)    هل أعجبتك المقالة (615)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي