انهار الرجل يبكي أمام كاميرا الأخبار، انهكه الألم وهو ينقّب في الركام والخراب، باحثا عن أحياء، ويستخرج جثث الأهل والأقارب من تحت الأنقاص، ليدفن الأشلاء...وقال صارخا من وسط دموعه التي كانت أقوى من صمته: تعبنا والله تعبنا. ساعدونا ..ساعدونا يا أهل النخوة.
وحاول رجل آخر، وهو أب مفجوع بمقتل ابنته، أن يضم جثة طفلته المقتولة إلى صدره، ويحميها من نظرات عيون المفجوعين، حتى لا تنتهك الحسرة والشفقة حرمة موتها الحزين. وأصرّ بعناد أب شجاع على إخفاء صورة وجهها المهشّم عن عدسة الكاميرا وعن مشهد المصعوقين بالجريمة والضحايا الأبرياء المقتولين.
هم تحت رحى المعركة، ورغم المأساة والفاجعة والنكبة وحرب الإبادة، لا يتكسّرون. إنهم يتجلدون ويصبرون...
هم يرفضون تعظيم اللطم والبكاء والنواح، ولا يمارسون مازوخية الحزن والألم وجلد الذات المريع، ولا ينصاعون للذة التذلل للشفقة، ولا يستمرئون متعة التألم الفجائعي؛ لأنهم أشداء وأبناء ثورة سوريا الأبطال. ولأنهم دعاة حق وحرية ورجال كرامة؛ فهم يحاربون الظلم والكفر بالحق والحقوق ، ويناضلون من من أجل العيش الكريم، ويواجهون القتل ليرفغوا راية الغد المشرق حيث تعلو راية حقوق الإنسان.
هم لن يقفوا على جدار الألام وعلى مقام الشهداء لينهاروا في تعذيب ضمائرهم ومخيلاتهم بمشاهد النكبة وصور الأضاحي, ولن يستسلموا لنزيف الآلام الجاري بقوة الحقد الجارفة. ولن يجعلهم العقاب الجماعي الذي ينفذه المجرمون فيهم، بالقتل على الهوية الطائفيّة، وبتهديم بيوتهم على رؤوسهم، ينهارون، ويتصاغرون، ويحتمون بالتباكي المعيب. بل سيرفعون السلاح الجبار في وجه المعتدين، ويحررون أنفسهم من العبودية والمذلة والخنوع، وسيقطعون رؤوس الطغاة بلا رجفة، ويحاكمون كل من شارك في مأساتهم. وقطعاً، سوف يجلبون لقفص الاتهام كل من أسهم في هدر دماء الشعب البريئة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية