أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

زخرفة وطنية بدماء الثورة الجيدة... د. سماح هدايا



تواجه أيّة ثورة جديدة، وأيّة أمّة تنهض مع الثورة من ظلام الاستبداد والقهر، كثيراً من الفوضى والاضطراب الفكري والسياسي قبل أن يتبلور المشروع الثقافي الفكريّ للمشروع التحرّري. وربّما، تتجه حالة الفوضى والاضطراب الفكري لتكون تهديداً على الثورة، لايقلّ خطره عن خطر القمع السّياسي والإرهاب الأمني السّلطوي. مما يفرض تأمّل الواقع وابتكار الحلول.

عندما نبدأ مرحلة التّغييروالثورة، يزداد الوعي الجمعي تفتّحاً ونشاطاً، لكن يشيع في الوقت نفسه مناخٌ من الفوضى الفكريّة والسياسية، وهو مايجب الانتباه إليه بحذرٍ ودقّة في مسار ثورتنا السّوريّة وفي مشروع نهضتها الوطني والحضاري. نحن ربّما نواجه في وعينا العربيّ الجمعي السّائد، بعض الاضطراب، الذي يجب مسحه بتوضيح وعصرنة معاني كثير من المفاهيم والمصطلحات السّائدة والمتداولة؛ لكي نزن المفاهيم بدقّة؛ فلا تطغى منظومة ضيّقة على مجموعة منطومات جامعة، كأنّه احتلال للعقل، ولا تُحقّق شرعيّة بالقصر تفوقاً كاسحاً على شرعيّات أخرى، بما يتناقض وروح الحريّة التي تجعل الوطن أمانة بأعناق الجميع وملاذا آمنا لأبنائه الطيبين الأبرار من مختلف المشارب الفكريّة الصالحة.
إنّه، وبمعنى أدقّ وأكثر وضوحاً وصراحةً ومكاشفة، لابدّ من مراجعة مفاهيمنا المتقوفعة بفعل منطق التّآكل الزّمني، داخل متحجّرات الفكر اليساري النمطي، والفكر اليميني الثابت البعيدين في تجارب التّنفيد والفعل عن الالتزام بالمكونات الأساسيّة المرتبطة بالعدالة والحريّة والكرامة؛ فقد تقوقعت أفكارنا، تحت الصراع الدائر منذ مدّة طويلة، داخل هذين التوجهين، اللذين مازالا يصرّان على الاحتكار ليصبحا المرجعيّة الأولى والأخيرة لدى قطبين واسعين من الناس ومن أصحاب الفكر والسّياسة، وليعملا على هامش الرّكود والتنافس في توسعة هالة التّقديس وزيادة حدودها، ليمتدا على كثيرٍ من الفضاءات السياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة، بحثاً عن شرعنة عقيديّة حزبيّة للأفعال والمواقف.

قد أدّى هذا الواقع الفكري المتشبث بالقشور الفكريّة والحرفيّة الاستنساخيّة إلى هيمنة ثبات المرجعيّة وإلى تشكّل مجموعات كبيرة متشنجّة ونرجسيّة، أحاديّة النّظرة، عاجزة عن اتخاذ أيّ قرار من دون اللجوء إلى الأدبيّات التقليديّة السّياسيّة الطبقيّة الراكدة في الكتب المغبرّة، أو إلى فتاوى صادمة وباهتة ورجعيّة مرتبطة بالأنظمة السياسيّة. ولعلّ فوضى المفاهيم، هذه، تقوى وتتعزّز في ظلّ سيادة القمع والتسلّط التي كانت ومازالت مهيمنة على مجتمعنا؛ وفي حالة غياب الديمقراطيّة والحريّة وفي انتشار ضبابية المفاهيم التي تعرّف بالوطن والمواطنة. وهنا لابدّ أن نسأل ونتأمل في الإجابة: كيف يستطيع الإنسان العاجز عن اتخاذ قررارته الذاتيّة الفكريّة والاجتماعيّة والسياسيّة الشّخصيّة بحريّة، بمعزل عن قشور المرجعيّات المحنّطة الانتهازيّة، أن يسهم بجديّة ومسؤوليّة تاريخيّة في المشروع الوطني التّحرّري والقومي النّهضوي والإيماني الذي يستقطب أبناء الأمّة؟

لعل مشروع التّحرّر الوطني الثوري، يفرض علينا، في هذه المرحلة الخطيرة العمل على إلغاء تعطّل الفكر وذرائعيّنه الانتهازيّة وانعزاله وفوقيته، ويضعنا بحزم، أمام وجوب أن نعمل متعاونين متكاتفين، بكلّ تنوّعنا الشّريف، على بناء فكرٍ أصيل متجدّد حرّ يأخذ وطننا وأهدافنا إلى مسار الحريّة والكرامة والنّهضة والعدالة ، وبما لاينفصل عن المبادىء الأخلاقيّة والدّينيّة السامية المتعلقة بالعدالة والحرية وكرامة الإنسان

(105)    هل أعجبتك المقالة (103)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي