تبين لدى اتجاهات عريضة من الشعب السوريّ خاصة في الوسط المؤيد للثورة أن ثمة إجماع دوليّ خفيّ يغلف بالتناقضات الحاصلة والمرئية في مجلس الامن وغيرها من المؤسسات الدولية، على إطالة عمر الصراع بما يحقق غايات جيوستراتيجية تتوافق ومصالح اللاعبين والفاعلين المتدخلين في الأزمة السوريّة، طبعا بمساعدة نظام أرعن ميليشياوي
هذا صحيح نظريًّا، لكن دعونا نسأل هل من مصلحة الغرب أو روسيا، تركيا أو إيران، السعوديّة، قطر أو حتى إسرائيل أن تكون سوريّة مدمرة، مقسمة، ضعيفة تعيش حالة الفوضى والاضطرابات المديدة. أنا لا أعتقد ذلك حتى أن هذا الطرح المبسط تم تناوله بداية العقد الماضيّ فيما عرف بمشروع الشرق الأوسط الموسع أو الكبير، والذي تبين عدم جدواه سابقًا وقد أعلن عن ذلك في مؤتمر قمة الثماني في كندا وبشكل صريح عام 2005.إذا ما الذي يجعل هذه الدول متفرجة على مسارات قد تجعل من سوريّة كل ما سبق؟
بعد تدمير ألمانيا في الحرب العالميّة الثانية، طرح الغرب كما نعرف جميعنا مشروع مارشال والذي قدم مساعدات اقتصاديّة لألمانيا ومنع تفتتها إلى دويلات وأنقذها من حالة الفوضى والاضطراب الذي كانت تعيشه. ينظر الجميع إلى ألمانيّا اليوم كمشروع اقتصادي مبهر وإلى دولة موحدة وإلى نموذج ديمقراطي تخطى واقع الاستبداد الذي عاشه الجزء الشرقي منها.
بعد تدمير سورية للأسف لن تترك لمصيرها السي أنا على ثقة أن من يرغب الأن في التدمير سيقدم وبيد ممدودة اليد للبناء، ولن يسمح بسوريّة مقسمة. لكن التشبه بالنموذج الألماني سيكون من الناحية السياسية والعسكريّة، فالمانيا ولعقود فاعل صغير في النظام الدولي شأنه شأن نيكورغوا فهي لاتمتلك القوة العسكريّة الذي يمكنها من صناعة القرار السياسي المستقل ، وبالتالي لن تكون ألمانيا في يوم من الأيام قطب منافس كما كانت في القرن المنصرم. وهذا ما يصح على سورية فعملية إعادة البناء ستكون مشروطة بالانخراط بمحاور تتبع لأيدلوجية واتجاه معين، وستكون مسلوبة القرار السياسي لأن قوتها العسكرية ستدمر في الصراع الداخلي، وسيبقى الجيش مؤسسة شرطية أو رمز للسيادة فقط، وبالتالي تحافظ سورية على وحدتها وتنعم بنظام ديمقراطي يحقق جانب من المطالب لكن القوى الدولية لن تسمح لسوريّة بالاستفادة من قوتها العسكرية في تعزيز مكانتها في محيطها الجيوسياسي
من هنا تكون المؤامرة الدولية علينا تتجلى في التدمير وإعادة البناء لكن بشروطها هي، وللأسف نحن مطالبين بالتنبه دوما إلى أننا جزء من شعب في منطقة تعج بالصراعات لا مكان فيها للضعيف.
*كاتب وباحث سوري - الفيس بوك
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية