في العام الدراسي ١٩٥٨-١٩٥٩، كنت في الصف الثالث الابتدائي، في مدرسة طارق بن زياد، في حي المدينة في حماه. كان والدي شرطيا، براتب قدره، على ما اذكر، ١٤٠ ل س. وكان قد استأجرة غرفة لسكن العائلة عند عائلة مسيحية اسم رب العائلة ابو نسيم، وكان حجارا. ولان الغرفة كانت كبيرة وتتسع لنا جميعا (٧ اشخاص)، كانت اجرتها غالية، فقد كان ابي يدفع ٢٥ ليرة شهريا، يتضمن الايجار الكهرباء والبق، وهو اي البق من تراث الغرف الطينية-الخشبية.
كانت جارتنا أم نسيم ترتدي ملايتها الحموية السوداء، وتضع غطاء الرأس والوجه كلما غادرت البيت، وكان هذا يحدث اكثر من مرة في اليوم. احد الايام سألها اخي الكبير، وكان في البكالوريا: خالتي ام نسيم ليش بتحطي الملاية كل مابدك تطلعي؟ قالت: يا ابني، منذ طفولتي وانا اضع الملاية، مثلي مثل كل نساء حماه عندما يردن الخروج من المنزل، وعندما جاء الوقت الذي بدأت النساء او بعضهن بالخروج سافرات، كنت قد تعودت على الملاية، وقد حاولت اكثر من مرة الخروج دونها ولكنني كنت اشعر وكآنني امشي عارية، لذا كنت اعود سريعا لوضع الملاية، كنت اشعر معها انني اكثر حرية، ولا احد ينظر الي بشكل خاص. سألها اخي متحمسا: ولكن هل اجبركم المسلمون على ذلك؟ نظرت ام نسيم الى اخي، والدهشة تعلو وجهها، وقالت: لماذا تفكر هكذا، هذه هي المرة الاولى التي اسمع احدا يقول هذا الكلام؟ لا احد ألزمنا او تدخل في لباسنا او مأكلنا او تربية اولادنا، ولكن الانسان، يا أبني، وانت المتعلم، يجب ان ينسجم مع محيطه، ان يكون مثله حتى لا يكون متل العين العورة، كل الناس تشير عليه. صمت اخي.
في ذلك الوقت كان المطران حريكه، للروم الارثوذكس، رجلا قوي الشخصية، ليس في وسط طائفته فقط، وانما في اوساط المسلمين الحمويين. فقد كان اقوى من محافظ حماه، في بعض الاحيان، وقوته كانت كما يقال، آتية من علاقاته الممتازة مع طبقة الساسيين ورجال الدين الاسلامي الحمويين، ولذا كان يقال: ان ما يقوله مطران حماه، في الشآن السياسي، يسري على المسحيين والمسلميين سواء بسواء.
ومما قاله المطران حريكه في مفتي حماه عام 1957،هذه الكلمات: تحدث السيد أغناطيوس حريكه مطران حماة في مطلع كلمته الرائعة عن الفضيلة المجردة والذكاء المحض في ظرف طغت فيه المادة على الروح... وتحدث عن روح التفاهم السائدة بين المسلمين والمسيحيين بالرغم من رغبات الانتداب التي كثيراً ماكانت تغري بالتفرقة والخصام ومما قاله المطران حريكه: أحسن الله إلى أولئك الذين فكروا بهذه الحفلة التكريمية لسماحة العلامة المفضال الشيخ سعيد النعسان مفتي حماة المحترم إذ أتاحوا لنا أن نتحدث عن الفضيلة والأخلاق السامية... وإني لأشهد والله عليّ شاهدٌ وقد رافقته وعاشرته مدى ثلث قرن تقريباً أنني مالمست فيه نقصاً ولا رأيت فيه عيباً ولاسمعت منه كلمة نابية وكلما كنت أزداد به معرفة وخبرة كنت أقع على جديد فضائله وتتفتح أمام عيني مناقب نادرة.
انقل ذلك وأسجله كي يعرف رجال الدين المسيحي اين هم الان من مجتمعهم وهمومه وثورة السوريين ضد الاستبداد المتمثل بال الاسد، فلعل وعسى.!!!!!!!
*تلبية لما كتبه ياسين الحاج صالح من أن : تذكر سورية ما قبل الأسدية وما قبل البعثية فعل مقاومة وتحرر، تأتي هذه الحكاية الحموية.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية