لم يُتِح المناخ السياسي العربي على مدى قرون طويلة في أن يمكن الفرد العربي من اختيار حاكمه ، فالتجارب على هذا النمط محدودة للغاية فمنذ الواقعة التاريخية المعروفة بين الإمام علي –رضي الله عنه- ومعاوية بن أبي سفيان فيما سمي بـ"معركة صفين" بقيت أهمية الفرد في إدارة الدولة تنحسر شيئاً فشيئاً ، مع انحسار مبادئ الشورى والانتخاب التي أسس لها الإسلام ووضع ركائزها الرسول –صلى الله عليه وسلم- ، فكان أن وصلنا إلى ديكتاتوريات لا تخشى الله ، ولا تعرف قيمة الإنسان ، ولا ترى في الوجود سواها.
أثر انحسار دور الفرد في الحياة السياسية:
و لا يؤثر فقدان الفرد لدوره الطبيعي في اختيار حاكمه ورئيسه على شعوره بنفسه وحسب ، بل كذلك على مسار الدولة ونظرة الرئيس للأفراد المرؤوسين ، فالحاكم الذي جاء على مدفع الدبابة لا يرحل إلا تحت جنازير الدبابة. و في حال استسلام الناس له سيعتبر أن هذه البلاد مزرعته وأن الشعب عبيده يعملون في هذه المزرعة ومن يزغ عن أمره منهم يذقهم من العذاب الأليم.
حياة الفرد السوري:
لا ريب في أن سياسة النظام السوري القائمة على التجويع ، والتجهيل ، والإفقار والإذلال الممارس من النظام على الشعب بشكل منهجي ، كان أبرز وأهم عوامل قيام الثورة الشعبية في سوريا ، و أن عملية تعاقب الأجيال وتخاطب الحضارات واللتان تؤديان إلى تغيير المفاهيم حول الحياة ومعانيها لدى الناس ، أشعلت نيران الغضب على النظام قبل قيام أي ثورة وهذا ما كان ملحوظا بالنسبة لي قبل بضع سنين ، إذ بدا على الناس التململ من سياسات النظام الجائرة ، وعمليات النهب المستمرة من قبل الشركات الخاصة المملوكة لعائلة مخلوف ، ومن الدوائر الحكومية القائمة على الفساد والرشوة واللا إدارة واللا تخطيط.
المرحلة الانتقالية:
ها قد بدأت المعارك في حلب ، وقد استحوذ الجيش الحر على ريفها وعلى ما يقارب الستين بالمئة منها ، ومع هذه الانتصارات بدأت المحافل الدولية تتداول مشروع الحكومة السورية الانتقالية ، ولنا هنا وقفة:
• جاء مناف طلاس كمندوب عن الثورة السورية ليمثل الثوار والبديل الشرعي لبشار الأسد. علماً بأن الشعب السوري لم يقدمه على أنه كذلك ، ولا المعارضة السورية ، إنما بعض الذين بيدون تأييد الثورة ويبطنون حقدا عليها ونوايا افشالها.
• وعلى صعيد آخر أطلق السيد هيثم المالح مبادرة لتشكيل الحكومة السورية الانتقالية ، فبادره الجميع بالانتقاد والتوبيخ والاتهام بالالتفاف على الثورة! مع العلم أن المبادرة قد جاءت تلبية لدعوة اطلقها السيد عبد الباسط سيدا رئيس المجلس الوطني الانتقالي ، عندما صرح بأن : "الوقت قد حان لتشكيل حكومة انتقالية في سوريا".
ولا يختلف إثنان على التاريخ النضالي للسيد هيثم المالح وعلى وطنيته ، وكذلك لا يختلف عاقلان على أن مناف طلاس إنما هو امتداد لنظام قمعي أسود لا يرى سوى نفسه ، وقد قاسى منه الشعب الأمرّين. فكيف نرحب بمناف ونهجر هيثم؟ أم سنرضى بنصف ثورة؟
يبقى الرهان هنا على وعي الشعب السوري وطول نَفَسه ، وبقاءه على أهبة الاستعداد حارساَ لثورته مدافعاَ عن كرامته.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية