يصعب التكهن بشكل دقيق بمآلات الوضع السوري في ظل الصراع العالمي في سوريا، و الصراع العالمي على سوريا، إلا أنه من الممكن التكهن بمرامي النظام و الاحتمالات السوداء التي يحاول أن يصنع لها المناخ الملائم لتطبيقها..
لم يعد مشروع التقسيم الذي يسعى إليه النظام خافيا على أحد، كثر أولئك الذين يقللون من إمكانية حدوث هذا السيناريو لاسيما شخصيات المعارضة التي لم تستعد مطلقا لأسوأ الإحتمالات، و لا حتى أفضلها، و ذلك لأسباب كثيرة..منها عجزها عن قراءة الواقع السياسي و منها انشغالها بمكاسبها التحزبية و الإيدولوجية و الشخصية بعيداً عن الهم الوطني و الإحساس بالمسؤولية الوطنية ..
منذ بداية الثورة دخل النظام بمقامراته الرعناء، مدركاً بأن الخيار العسكري هو الملاذ الوحيد له، فإذا لم يتمكن من الحسم يلجأ إلى السيناريوهات السوداء أو ما يمكن تصنيفه باسوأ الاحتمالات و الخيارات بعد أن يحاول تحويل الثورة من حالة شعبية عارمة إلى صراع بين مكونات الشعب مستفيداً من تصاعد الخطاب الديني و السلفي تحديداً، وتسلل الجماعات السلفية مدعومة من السعودية، والتي تجد بدورها في سوريا مكاناً خصباً لتحقيق مكاسب سياسية في المنطقة على غرار لبنان، و للدخول بتصفية حسابات سنية شيعية تأخذ شكلاً مقدساً تبعد شبح أي تحرك شعبي سعودي يطالب بالإصلاحات في حال نجحت الثورة السورية سيما و أن الضخ الإعلامي لصناعة رأي عام مشغول بقضية التشيع وصل ذروته ، وبالطبع يسعى النظام منذ البداية إلى تدعيم حربا طائفية أهلية تعزز من فكرة الإنقسام و الانفصال مدعومة من محور إيراني لديه ذات الطموح السعودي و أكثر .. و كل ذلك بعد خلط الأوراق الداخلية و الخارجية، و بالرغم من عجز النظام إلى حد كبير من تحقيق هذا الهدف الطائفي أمام الصمود الشعبي الأسطوري، و عدم انجرار الثورة إلى حالات انتقامية جماعية كما يخطط العقل الأمني للنظام بدأ الأخير باستخدام أعلى درجات القتل و التدمير لاسيما في الأيام الأخيرة بحيث ترتكب مجازر مروعة و كثيفة صادمة تستدعي ردود أفعال انتقامية تفرض تدخلاً دولياً لإدخال قوات فصل دولية ترسم هذه القوات معالم كيان جديد في منطقة حدود الدم غربي العاصي التي يعمل النظام على تحصينها بقوة.
هذا هو مفر النظام الأخير بعد أن يخلق أزمة كبرى ينشأ عنها مزاج شعبي يطالب بتوقف النظام عن القتل و القصف يوازيه مناخ شعبي في الساحل مؤهلا لأن يفكر بمصلحته بعيدا عن مفهوم الوطن و ذلك في ظل المخاوف من ارتفاع قيمة فاتورة الدم و ارتفاع منسوب الخطاب الديني السلفي و " الإمارات الإسلامية التي تعلنها القاعدة المزعومة " ، و أمام إغراءات لا محدودة من روسيا و إيران بدعم الكيان الوليد، و كل ذلك ضمن مناخ كردي متواتر لبعض الفصائل تطالب بتحقيق كيان كردي.
في هذا الوقت تكون الاستعدادات اللوجستية لتطوير البنية التحتية في الساحل قد انتهت و صار بالإمكان تأمين الدعم الذاتي من كهرباء و غير ذلك كي لا يتم الاعتماد على سوريا المركز بأي شيء خاصة و أن سوريا المجزأة متعبة و مشغولة بنفسها تزيل عن نفسها الركام و مشغولة ببناء ما تم تدميره في حالة إرهاق مقصودة للسوريين تستمر سنوات.
لا أعتقد أن الموقف الروسي وصل إلى تلك السذاجة لتقف دولة عظمى بمواجهة إرادة شعبية لولا إدراكها بخسارة أي مصالح مستقبلية مع سوريا الجديدة الديموقراطية التي سيكون للإسلاميين فيها دور فاعل ، لذا سوف تعزز من حضورها في المنطقة عبر خلق هذا الكيان، فهي لا تحتاج أكثر من ميناء في مياه المتوسط، و هذا الكيان سوف يكون بالنسبة لها بمثابة إسرائيل للولايات المتحدة الأمريكية.
في ظل هذا الوضع فإن آل الأسد لن يكفوا عن عزف أسطوانة المقاومة والممانعة و المؤامرة و سوف يتحول هذا الجيب في الساحل كما الضاحية و الجنوب اللبناني بيد حزب الله.
يعزز هذا الكيان الوليد من أوراق آل الأسد التفاوضية فهو لن يرفض علنا العودة إلى سوريا الأم لكنه سيطالب من خلال " طاولة حوار مفترضة " بمكاسب سياسية لم يكن ليحققها لو قام بأي إصلاحات سياسية أو أي تسوية مع المعارضة و القوى الثورية ..
قد يطالب آل الأسد برئاسة الحكومة أو غير ذلك .. و نصير أمام سيناريو لبناني مكرر ولكن بحالة أكثر كثافة من حيث قوة النظام و الدعم الروسي – الإيراني – الإسرائيلي اللامحدود له و الرغبة السورية بعودة الكيان السليب إلى أرض الوطن.
كل هذا إذا أحسنّا النية قليلا .. أما إذا افترضنا ما هو أسوأ أيضا فإننا سنشهد إعادة مكرورة للعلاقة بين الفلسطينيين و الكيان الإسرائيلي و تكرار ممل أيضا لإتفاقية مثل أوسلو ..
بالطبع ما كتب أعلاه هو افتراض لأسوأ ما يمكن أن يحدث و قد لا يحدث أو لا يتم دفعة واحدة، خاصة إذا تم القضاء على الأسد و ما تبقى من دائرته المغلقة و المتمكنة، أو إذا انتفض الشارع في الساحل برمته وسحبت الحاضنة الاجتماعية لآل الأسد و من والاه من كبار الضباط و الشبيحة يدها منه و قامت بمواجهته، أو إذا كان هناك رفضاً دولياً حازماً لمثل هذا السناريو.
لكن سوف نشهد بالتالي ما هو أقل سوء و هو ظهور ميليشيات مسلحة في منطقة الساحل لن تكف يدها عن سوريا ولا السوريين و سوف يصعب حلها في ظل وجود قوات فصل دولية.
حينما كان الناتو يقوم بعملياته في ليبيا كانت أميركا تحاور القذافي من خلف ستار ، الغضب الفرنسي و لواحقه أفشل هذا الاتفاق الذي كان يعني في خلاصته إقامة كيان خاص للقذافي في طرابلس.
الرهان يظل على الشعب السوري و مفاعيل تاريخه الطويل، فالدولة السورية الحديثة و بعد نشأتها بسنوات قليلة و قبل تبلور الحالة الوطنية في عشرينيات القرن الماضي رفضت التقسيم و مشاريعه .. برأيي لا خوف على سوريا المستقبل .. الخوف من فاتورة الدم العالية من أجل الانتقال نحو المستقبل.
*صحفي سوري
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية