" تدمير قتل نهب " هو عنوان تم استبدال شعار البعث السوري الذي كان يرفع في الجمهورية العربية السورية قبل أن تصير إلى جمهورية الشبيحة التي افزعها " وحدة حرية اشتراكية" فوجدت خلاصها دوما فيما كان يفرضه نظام حكم عراب يسير عصابة مافيا بتشظي المجتمع السوري مع الحفاظ على كذبة الوحدة العربية كمدخل لجذب أحزاب وقوى عربية تعتاش على الشعارات... فالحرية بالنسبة لمن يشعر بأنه ليس أكثر من عبد مطيع في حظيرة حكم المافيا أمر مفزع، بل ويعد تهديدا لحالة فئران تجارب محجوزة في اقفاص موزعة بين مدن سوريا ومطيعة لاسيادها بما هو مطلوب منها... فهي وإن اتخذت مكانا لها في زاوية الاقفاص فإنها لم تستغل ما قدمته الثورة السورية لهؤلاء ليخرجوا من زاوية العبودية... فالهتاف الهستيري: شبيحة للأبد لاجل عيونك يا أسد... هو أبعد ما استطاعت تلك الفئة التي وشمت حتى جسدها برسوم وشعارات دلت على الولاء... بل حتى أنك كنت تقف مدهوشا من صبية ترسم سهما على ظهرها لتدل على أن ثورة السوريين هي مثل مؤخرتها... وأخرى تضع حذاءً عسكريا على رأسها كدلالة ثانية... وممثلة وفنانة اختارت أن تلبس البزة العسكرية... حالة من الرعب أصابت هؤلاء جميعهم وهم الذين عودوا أنفسهم في علاقتهم مع ذواتهم ومع الاَخر بخضوع كلي للأقوى وثم ممارسة حالة الهوس بالاخضاع مع محيطهم في علاقتهم ببقية أطراف مجتمعهم...
آخر ما قرأته هو ذلك النداء الموجه من حلب: إلى سيادة الدكتور بشار الأسد!
النداء ببساطة شديدة يحمل مناشدة لبشار الأسد بأن يطلب من الطياريين الذين يقصفون حلب وبيوت "الارهابيين" ( وهو تعبيرهم) بتوخي الحذر اثناء القصف إذ أن بيوتهم تصاب ايضا في هذا القصف!!
النداء ليس نكتة سمجة في الحالة السورية، بل اشارة واضحة للمستويات الضحلة في اكتشاف أن البيوت التي تُدمر في سوريا هي " بيوت ارهابيين" وبكل بلادة أحاسيس يصدق هؤلاء أنفسهم بأن بشارهم هذا صاحب قوة الهية خارقة ولا يمكنه أن يكون بشرا...
مسلسل من الأكاذيب...
منذ بداية الثورة شكل شريف شحادة وبسام ابو عبد الله حالتين استفزازيتين للشعب السوري ( على الأقل المسمى إرهابي) في طريقة تناول الأكاذيب وحالة الإنكار...
لكن أكثر ما استوقفني هو تسمية الثورة السورية والثوار بالتالي: الفورة والعراعير...
الثورة الوحيدة التي تسمى صحيفة الثورة السورية باسمها هي ثورة الاسد... فلا مجال هنا ( في سوريا) سوى لثورة واحدة... وبالرغم من معرفة العارفين بأن عدنان العرعور كان يرفض تأييد الثورة في بدايتها بحجة لها علاقة بطبيعة النظام السوري ( ويمكن العودة لمواقفه الناهية عن الخروج في مظاهرات) إلا أننا كنا أمام تهمة يجب أن تتناسب مع أكاذيب بثينة شعبان وبشار الاسد بعد اقل من اسبوعين على اول شهيد في درعا... وذلك قبل أن يكون للشيخ العرعور برنامجه التلفزيوني وقبل أن يهتف الناس باسم العرعور نكاية!
مذهبة الثورة السورية للزج بشبيحة النظام والعصابات الاقتصادية كان امرا مريحا رغم أن النخب التي شاركت في نفي وجود عالم التشبيح في الجمهورية العربية السورية يدركون حجم أكاذيبهم على مجتمعهم.. وبالرغم من ذلك تصرفوا وصرحوا على أساس أن المجتمع السوري يعيش مثلهم وبأن جموع الموظفين والطلبة الذين كانوا يُساقون إلى الساحات العامة محروسين بالشبيحة وطائرات الهيلوكبتر تخرج بشكل عفوي... وهؤلاء لم تصبهم " عين العصابات المسلحة الحسودة" لأنهم بالملايين ويخاف الارهابي الاقتراب منهم والاندساس بينهم او اطلاق نار قناصته عليهم... أو هكذا سوقها شريف شحادة وعمران الزعبي في لقاءاتهما على قناتي العربية والجزيرة المتآمرتين!
المريح في الأمر ( وهو أمر لا يحسبون حسابه لليوم التالي لانتصاراتهم الموعودة) بأن سلطة الشبيحة حين أشاعت بأن هذه الثورة ثورة طائفية ومذهبية فهي تظن بأنها ستكون قادرة في اليوم التالي للتعايش مع من اتهمتهم ومن سمتهم عملاء يرفعون علم " الاستعمار الفرنسي"!
قصة العلم هذه من أكبر الاكاذيب التي دلت على جهل هؤلاء الذين وبدون تفكير ذاتي انساقوا يرددون الكذبة وبكل وقاحة، فمن غير المفهوم كيف يكون العلم الذي يرفه الثوار هو علم " عملاء الاستعمار" وهو عين العلم الذي اجتمع السوريون تحته في معركة الجلاء وفي ذكريات الجلاء بعد انقلاب البعث؟ ثم من كان يصدر الطوابع البريدية بهذا العلم؟ ومن كان يفتتح جداريات عن الثورة السورية بوجه الفرنسي وعلم الاستقلال اياه يتوسط تلك اللوحات الجدارية المتناثرة حتى في الجامعات التي يدرس فيها الشبيحة؟
إن خرافة كبيرة بحجم تلك المتمثلة بالعلم لم تدفع هؤلاء للتفكير المنطقي بأن تطييف الثورة السورية لم يأتي من الثورة السورية، بل جاء في خطاب بشار الاسد في ٣٠ اذار ٢٠١١... وإذا كان بشار الاسد ذهب بنفسه نحو تكذيب الاستهداف المنهجي للمساجد مثلما شرح في افطار رمضاني للعلماء المسلمين السوريين في ٢٠١١ حين تحدث " كعسكري لا يمكن ان تصاب المئذنة في دير الزور بالدبابات" وبعد ان اسهب في الشرح عن مكونات الاسمنت وخاض في تفاصيل "الممارسات الفردية الخاطئة لجنود الجيش" لكنه رفض معاقبتهم... بعد ذلك اتضح وعلى مدى عام كامل بأنه يطلق الأكاذيب ليريح من صدقها وليبرر ما شهده حتى هؤلاء الذين ناشدوه من حلب لكي يتوخى طيار حربي "الحذر"!!!
دولة الشبيحة...
حتى لا نستفيض كثيرا بالامثلة الدالة على تحول الجمهورية العربية السورية المحكومة باسم حزب البعث إلى دولة الشبيحة، فقد يستطيع أي سوري وعربي أن يسأل أهل دمشق وريفها وحوران وحمص وحماة ودير الزور وكل مناطق سوريا:
هل حقا انه تم نهب بيوتكم وبأنه هناك أسواق خاصة تباع فيها بابخس الاثمان تلك المسروقات التي تشتمل الملابس وحتى اصغر واكبر الادوات الكهربائية وغرف النوم والاثاث المنزلي؟
هذا أمر سماه شبيحة مثقفون على الفيسبوك بغنائم من الارهابيين العرعوريين لارضاء الذات وتبرير المشين من الممارسات... وهؤلاء لم يعد يهمهم كيف يمكن أن يتعايشوا مع المواطنين الذين نهبت بيوتهم ومحلاتهم التجارية ومشافيهم.... هذه ليست مجرد تهم بدون أدلة بل هناك من الشرائط والصور مايثبت الأمر... والاهم في كل الأمر هو هؤلاء الذين عايشوا بلحمهم ودمهم ما جرى لهم قبل ان يتم تذويق الامر عبر ما يسمى اعلام العصابة في دمشق... عن أن الأمر لا يمكن ان يصدر عن " حماة الديار" في حملة دعائية لم يعد يصدقها حتى الموالون الذين يملكون عقلا ووطنية..
ركز اعلام التشبيح على قصة اللحية والتطرف... لكنه ولا مرة شرح لنا كيف كان الملتحون من جنود " حماة الديار" في نيسان ٢٠١١ ( اي قبل انشقاق القشعمي كأول جندي سوري حليق الذقن) يقومون بتنفيذ مذبحة سطح مسجد الكرك؟ أليس كل شاب سوري بلغ من العمر سنا معينا يصبح جنديا؟ فكيف والكل يعلم بأن اطلاق اللحية ممنوع في الجيش صرنا نرى ومنذ البداية جنود ملتحون وفي اواسط العمر ويرتدون احذية رياضية بما فيها فيلم قرية البيضا التي قال عنها استاذ القانون الدولي انها للبيشمركة ومن العراق وليست في سوريا..؟
فعلى من كان يكذب هؤلاء وهم يؤسسون لدولة الشبيحة التي صارت اليوم جزءا من منظومة متكاملة تهيمن على كل نواحي الحياة السورية!؟
لم تكن مجرد أكاذيب بقدر ما هي استدعاء لما نراه اليوم من فرز قد لا يشعر بفظاعته الكثيرين ممن انقادوا وراء الاكاذيب منذ اليوم الاول لثورة السوريين... صحيح ان السوريين ( ولنقل بعض الشباب) كان يطلق لحيته مثلما فعل باسل الاسد، لكننا حين ننظر الى الصور التي تتسرب وبما فيها مسيرات السبع بحرات " العفوية" كنا نحدق بهؤلاء الذين تحدثت عنهم خولة دنيا وهم منفوخي العضلات وقد بدت الاوشام نافرة على رقابهم... حليقي الرؤوس وذقن كث يذكرنا بحليقي الرؤوس في اوروبا واميركل من عصابات الروك ومافيا المخدرات واليمين المتطرف... لكن الغريب في الامر ان يكون هؤلاء في دوما برفقة عقيد من الحرس الجمهوري وهم يتلقون اكرامية قتل الناس ومباركة على الانجاز... والغريب ان السواطير التي كانوا يحملونها في حي التضامن الدمشقي لم تكن للفرجة بل لحولة جديدة.. لذبح كان الزرقاوي متخصص به... شخصيا كنت مذهولا من مقارناتي بين مذبحة دير ياسين وكفر قاسم ومجازر سوريا... لأنني كنت ايضا امام استخدام ذات الدلالات اللغوية بحق الضحايا، فالاعلام الرسمي يتحدث عن تطهير... وعصابات الصهاينة كانت تقوم بالتطهير... تكشفت صورة النبع الفكري للتطرف الذي يبيح لغولدشتاين ان يرتكب مذبحة الحرم الابراهيمي في الخليل ولمذابح سورية بتمويل رامي مخلوف... وتبرير شريف شحادة ورفيق لطف، والأخير اذهلني بتطرفه بحق أهل سوريا كامتداد "للوهابية" التي هددها بشريط مسموع بايصال الدماء الى الركب في موسم الحج!
المطلوب في كل المسار التشبيحي ( اللفظي والعملي) شيطنة الثورة السورية بحيث يصدق العلوي بأنه مهدد بدون بشار الاسد وعصاباته... والمسيحي لا مستقبل له في سوريا بدون حكم العصابة، متناسين باسل شحادة ونحات سوريا واستهداف الكنائس ولي الحقائق.. بل متناسين ان تاريخ سوريا عمره اطول من عمر كل ال الاسد ومخلوف وشاليش وباقي العصابات من كل الطوائف والمذاهب... هذه الاهداف بالطبع تكشف بعضها بشكل واضح من طبيعة التركيز على قصص نضال جنود وبالرغم من أنه مقابل نضال جنود هناك الآلاف من الشباب السوري الذين تم ذبحهم وقتلهم ورمي جثثهم في مناطق متداخلة طائفيا... هكذا كان امر حمص وغيرها من مناطق في دمشق بتعزيز تسليح مناطق ووضع دشم في مناطق للايحاء للناس انهم مهددون رغم اننا لليوم لم نشهد منةالثورة ومن الجيش الحر هجوما منظما وممنهجا كما حدث في الحولة والشماس والتضامن وكفرسوسة ووضع حواجز من مكونات محددة في جرمانا والتضامن والحجر الاسود والميدان في العاصمة السورية...
ربما. يتبين اليوم بعد توقيف ميشيل سماحة في لبنان بأننا حقا بتنا في الحقبة التي تلي التأسيس لدولة الشبيحة، فالارهاب الذي صار يتهم فيه اطفال سوريا مقابل ٢٠٠٠ ليرة سورية يقابله ارهاب بقيمة ١٧٠ الف دولار... الخطف الذي يتباكى عليه البعض بحق بعض من رجال الحرس الثوري الايراني نجد مقابله يوميا عشرات الحالات ممن يجري خطفهم وتعذيبهم ورمي جثثهم بعد ايام قليلة في كل مناطق سوريا وعلى يد من يسمى " امن وحماة الديار" وهم في الحقيقة شبيحة يهيمنون على اللباس العسكري مع بعض المتطوعين في الجيش السوري ممن هم بالتأكيد ليسوا مجندين فقط... وليس الأمر الهام ان يقتنع أي من وسائل الإعلام الدولية والعربية بأن الامر ليس إلا كما يصورة فيصل عبد الساتر كممثل عن الابواق اللبنانية والعربية وشريف شحادة و احمد الحاج علي عن المحلية... وليس مهما ايضا ما يقوله حسن نصر الله عن انه " مافي شي بحمص"... المهم هو ما جرى ويجري على الأرض وبشهادة الشعب السوري فهذا الشعب هو الذي يرى ويعيش بدمه ولحمه وبعظام أطفاله بدايات تكون دولة الشبيحة...
خلاصة:
نعم تم العمل على ادخال عنصر الشبيحة في قمع الثورة السورية بينما يسجن المجندون في الثكنات العسكرية خوفا من عد اطاعتهم لاوامر تدمير المجتمع السوري... فتطبيق شعار " الاسد او لا احد" وشعار " الاسد او نحرق البلد" و " ربكم يسقط والاسد لا يسقط " و " الملائكة تنشق وجنود الاسد لا ينشقون" لم يكن فقط تعبير عن حالة انفعالية ابدا...
يراد ايصال الناس الى قناعة بأن حكم الاسد افضل مليون مرة من " الفوضى"... والامن والامان اجمل من الحرية ومن الحرب الطائفية التي قدم لها حكم العصابات بممارسات واكاذيب جلية... ان استفزاز معتقدات الناس واماكن عبادتها وبعض الامور الاجتماعية الحساسة بالتأكيد أمر مدروس وليس اعتباطيا وكل ما احتاجه الامر تخويف الطرف الذي يقوم باستهداف كل تلك الامور لاستجرار ردود تبرر الفعل الاول...
لكن ما نشهده الان في سوريا هو انفلات حكم العصابة التي كانت تحكم باسم الممانعة والعروبة واستلام حزب وقوى الشبيحة لزمام الامور لاخضاع الدولة والمجتمع السوري...
مواجهة جمهورية الشبيحة ليست مهمة الثائرين فقط، بل حتى هؤلاء الذين لا يؤمنون بالثورة قبل ان يصبح امر هذه الجمهورية مستفحل في سوريا، اذ ليس من المطلوب ان يكون كل الشعب مشاركا في الثورات لكن على الاقل اذا كان بقية الشعب يرى ان البلد الذي ينتمي له الجميع لا يجب ان يصير محكوما بفاشية وعصابات تشبيح تشكل خطرا افظع مما نراه من اسواق المنهوبات والجثث الملقاة على جوانب الشوارع بعد الخطف...
في المقابل لا يجب على الثائر وعلى الثورة ان تمارس ممارسات تتماهى مع ممارسات العصابة والشبيحة، فقد جرى مؤخرا التركيز على مجموعة من الممارسات التي لا تمت بصلة للاخلاق الثورية ولا للحرية والعطالة التي ينشدها الثوار عموما... وبالرغم من ان عصابات الحكم التي حولت سوريا الى جمهورية شبيحة تتحمل مسؤولية كبيرة الا ان الثورة عليها مسؤوليات اكبر للحفاظ على الاهداف بعيدا عن الوسائل التي اتصفت بها عصابات الاسد وشبيحته...
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية