يقول د. نعسان أغا في مقالة له نُشرت في "كلنا شركاء بتاريخ 11/08/2012 تحت عنوان "سورية تحترق" : "لا أفهم كيف غابت الحكمة في المعالجة حتى تطورت مطالب الشعب التي كانت بسيطة وممكنة التحقق بأقل التكاليف، إلى حريق يأكل الأخضر واليابس ويدمر الحياة ويمزق الشعب الذي كان على مر الزمان يعتز ويفخر بوحدته الوطنية."
والحقيقة أنه بالتأكيد يفهم، فالذي حدث هو نتيجة طبيعة العقلية المُتسلطة على الحكم والبلاد، ونوعية إجراءاتها في حكم الوطن والشعب، فالحكم الأسدي قام سياسيا منذ 42 عام على حكمٍ ديكتاتوري طائفي، بديلا عن حكم دستوري ديموقراطي. وقد تطور الأمر على عهد بشار الأسد سوءاً متواصلا باطراد، لأنه ارتبط بجهل وغباء حقيقي في إدارة الأمور، فضلا عن تقصيرات وفساد فظيعين بحق الوطن والشعب وصلت بهما لأن تكون وتوصف بأنها خيانة وطنية حقيقية، بديلا عن الحكم بالولاء الدستوري ومصالح الوطن والشعب!
فالفساد الذي تطور ونما لدرجة تخريب البلاد ومعيشة شعبها، كان ناتجا عن "استضراط" – وليس مجرد إهمال- كامل من الإدارة التسلطية، للشعب ومصالحه في التنمية وحقوق العمل للمواطنين، وتوفير الحد الأدنى من المعيشة اللائقة للشعب، فضلا وإضافة إلى التمادي في إيذاء كرامة أكثرية الشعب من غير الطائفة الحاكمة.
لقد ولّد هذا شعورا لدى أكثرية الشعب بأن لا أمل في التعامل مع النظام إلا من خلال إزالته – يا لصبر الشعب العربي السوري- ولما كان النظام البشاري غبيا بحقّ، قصير النظر فلقد لجأ إلى أغبى الحلول إطلاقا في معالجة الأزمة التي هو خلقها، ألا وهو الحل الأمني الذي تطور – خلافا لكل مسؤولية وطنية في جميع أنحاء العالم – إلى حلٍّ عسكري فظيعٍ قذر، باستعماله الجيش الوطني السوري، للقضاء على ما أصبح يوصف بأنه ثورة الشعب السوري!
في الحقيقة ما أراه أن النظام ورموزه جميعا قد انتحروا فعلا، ولكنهم نحروا في ذات الوقت وطنهم وشعبهم وهو ما يُخالف أي عقلية حاكمة عاقلة تأخذ مختلف الإعتبارات والمسؤوليات السياسة والوطنية، وتُوازن بينها.
خلاصة ذلك أن السبب الحقيقي المتفق لكل ما حدث لسوريا منذ عام 2000 وحتى اليوم هو أن بشار الأسد إنسان غبي جدا حقيقة، وهذا ما يحصل عند تسليم السلطة – أي نوع من السطة ومستوياتها – إلى إنسان غبي تافه قصير النظر، لا يعرف يديه من قدميه!
ومن جهة أُخرى، ألا يُمكن أن يكون ما اتخذه وقام عليه النظام على عهد بشار الأسد، هو خيانة ارتباط حقيقي مع إسرائيل، وتنفيذ كامل لتعليماتها في الإدارة السياسية والتنموية والإقتصادية والمعيشية لسورية وشعبها؟ ومن ثم فرضه الحل العسكري وتقتيل الشعب وتخريب مُدنه وأحياؤه أخيرا؟ وهو ما لا يفعله أي نظام حكم في العالم، ألا عدوٌّ لعدوه؟ أي إسرائيل لسورية العربية؟ وهذا ما أعتقده يقينا!
إن نظرة إلى الماضي منذ حربي عام 1967 وعام 1973، وما حصل فيهما من تسليم مجاني مكشوف للجولان من قبل حافظ الأسد ونظامه لإسرائيل! يُثبت ذلك!
ثم نظرة ثانية لامتناع مشبوه – للنظام الأسدي البشاري- عن تحرير الجولان ضمن مناسبتين كانتا تضمنان نصرا ساحقا وتحريرا كاملا يُثبت ذلك أيضا ويُؤكده!
وحيث كانت أولى المناسبتين عام 2006 حينما هزم حزب الله وحده جيش إسرائيل – المزعوم أنه لا يُهزم- وردّه منكفئا، ولدرجة إعلان الحكم الإسرائيلي ذاته – رسميا - بان جيشه قد فقد معنوياته، وهل كان جيش إسرائيل الفاقد لمعنوياته آنئذ قادرٌ على صد هجوم الجيش السوري لتحرير الجولان خلال ساعات وليس أيام؟
وكانت ثانيتهما أثناء قيام إسرائيل بكامل جيشها - عاملين واحتياط ومجندين - بالهجوم على غزة بنهاية عام 2008، وحيث لم يكن في الجولان إلا قوات رمزية، وكانت الفرصة مهيأة تماما لتحرير الجولان أيضا خلال ساعات، وبأقل ما يُمكن تصوره من الخسائر؟
إن النظام الأسدي البشاري لم يوجه الجيش الوطني السوري لتحرير أجزاء محتلة من وطنه، رغم إمكانيات نصرٍ حقيقي مُؤكد، ولكنه وجّهه لتقتيل ذات الشعب العربي السوري، وتخريب مدنه وأحيائه، وهذه هي الخيانة العظمى، لمن لا زال يتساءل!
وهذه هي – الحكمة أو الهدف المقصود المُتقصّد – من غياب "الحكمة" في المعالجة حتى تطورت مطالب الشعب التي كانت بسيطة وممكنة التحقق بأقل التكاليف، إلى حريق يأكل الأخضر واليابس ويدمر الحياة ويمزق الشعب الذي كان على مر الزمان يعتز ويفخر بوحدته الوطنية:
إن النظام الأسدي قد حوّل سورية إلى دولة تحت الإحتلال الإسرائيلي عمليا وفعليا، ولكن بقيادته هو وأنصاره وعصابته! وذلك لتحقيق أغراض إسرائيل في تخريبٍ شامل لسورية، وربما توفير تقسيم جديد للدول السورية، يضمن لإسرائيل احتلال قطعة أُخرى من الأراضي السورية الحالية،إضافة للجولان!
لماذا تحترق سورية الآن؟... المهندس سعد الله جبري

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية