المستقبل لمن يصنع الأحداث اليوم ... مروان سليمان

.
لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، و من يطالب بنظام جديد فإن النظام الجديد لا يأتي هكذا من الفراغ أو طواعية، و لا يأتي بالإشارة كمصباح علاءالدين السحري، و الديمقراطية لا تأتي من خلال الأمنيات و الخطابات الرنانة و التصفيق من بعيد و الجلوس فوق الأرائك و السرر، و السهر في الحانات و إمتداح الثورة و الثوار بالأقوال فقط.
من يريد الحرية لا بد من تزيينها بالدماء و لكن كمية الدماء تختلف في سوريا لأن ثمن الحرية باهظ جداً فيها، و لذلك فمن أراد الجاه و السلطان و الحرير و المشي فوق البساط بعد تحرير سورية من عصابة الأسد يجب عليه قبلها أن يعلن النفير و النفير لنفسه أولاً و للناس ثانياً، و إلا فليركن جانباً أو ليبق في بيته و يكتفي بمشاهدة الأحداث و الدراما عبر الشاشات التلفزيونية، لأن النفير هو في أرض الحدث فقط و من يبتعد عنها و ينفر فهو كمن يرقص تحت ضوء القمر كما يقول المثل.
خرج الشعب السوري بأجمعه يسطر البطولات و يقدم الدماء الغزيرة لكي يحقق الحرية و العدالة من خلال صنع الأحداث بنفسه، لأن من لا يصنع الأحداث اليوم لا يحق له تمثيلها في المستقبل.
لا يقبل الأنسان الشريف على نفسه أن يكون عضواً فعالاً و مخلصاً في نظام إستبدادي يعمه الفساد الإداري منذ سنين طويلة و يحاصر شعبه و ينهبه باسم العروبة حيناً و القومية أحياناً أخرى و يكثر المعتقلات و السجون ليضع فيها خيرة أبناء الوطن و يرتكب المجازر بحق الأبرياء، و في لحظة من اللحظات يتركه ليمتطي موجة أعلى عندما تتاح له الفرصة، فهذه قمة الإنتهازية، لأن الإنتهازيين هم الذين يعقدون الصفقات خدمة لمصالحهم الشخصية و ليس لخدمة الوطن و الوطنية كما يدعون.
فالإنتهازيون هم أبغض الأشخاص في المجتمع و هم الذين يجيدون القفز من موجة إلى أخرى جديدة و من واقع إلى آخر في سبيل خدمة مصالحهم الذاتية.
لم يكن للمواطن المسكين في يوم من الأيام مكانة في مخيلة هؤلاء الإنتهازيين أو للتفكير في أوضاعهم ، و لم يكن خدمة الوطن غايتهم و هدفهم، و لا تحسين ظروف معيشة المواطن شاغل فكرهم و عقلهم ، بل كان تقلبهم في الأصل لتبييض الصفحات السوداء من تاريخهم الذي كان فيه الإختلاس و السلب و النهب من المال العام هدفاً رئيسياً لهم، والقتل و السحل و التعذيب هواية للبعض الآخر، فهل تقبل منهم التوبة بمجرد الإنشقاق، و هل الإنشقاق يمحو كل الجرائم ؟ أم أن القانون يجب أن يأخذ مجراه على الجميع و يضعوا أنفسهم تحت المسائلة القانونية و الأخلاقية و الإنسانية إذا كان لديهم ضمير يؤنبهم حقاً.
إن الإستفادة الكبيرة من هؤلاء الإنتهازيين هو أن إنشقاقهم بات مؤشراً قوياً على قرب سقوط النظام المجرم، لأنهم أعلم الناس بأن سقوط النظام بات مسألة وقت لا أكثر، , وأن أيامه أصبحت معدودة، لأنهم ليسوا أفراداً عاديين بل هم من الطبقة المقربة جداً للنظام و باتوا على يقين تام بزواله و هذا مؤشر قوي على تهاوي النظام، و تضييق الدائرة عليه و محاصرته حتى القضاء عليه بعد أن تضيق الأرض به رويداً رويداً.
و حتى نجتاز مرحلة الخطر و القفز عليها و التلذذ بنشوة النصر و ندخل في مرحلة بناء الوطن و المواطن يجب علينا أن نتخلص من الأنانية و البغض و الكره لبعضنا البعض،و نقتلع العنصرية من رؤوسنا و الطائفية المتجذرة من عقولنا و قلوبنا ويجب علينا جميعاً معاملة بعضنا كمواطنين، لنا حقوقاً متساوية في هذا الوطن، و علينا واجبات يجب أن نؤديها تجاهه،
و أن نتعلم من الماضي بعدم التمجيد لأحد مهما على شأنه و مرتبته، لأنه في النهاية وضع في منصب رفيع لخدمة الوطن
و المواطن و سوف يتم عزله بمجرد عدم قدرته على القيام بمهامه،و حتى يتحقق كل هذا لا بد من أن نتفق معاً و نوحد صفوفنا قبل أن نطلب من الغير مساعدتنا.
.
10.10.2012

(111)    هل أعجبتك المقالة (107)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي