زيارة لا ضرورة لها
اذا أراد بوش لجولته ذات الايام التسعة في الشرق الاوسط ان تكون ذات اهمية حقه فعليه ان يفكر بالذهاب الى مكان لم يظهر على جدول زيارته الا وهو ايران.
مع كل الضجة الدائرة في الولايات المتحدة حاليا حول التصفيات الانتخابية, فإن من الصعب ان يتذكر المرء ان بوش ما يزال رئيسا للولايات المتحدة. ولعلها طريقة جيدة لتذكير الناس به عن طريق قيامه بسفرة خارجية, فالرئيس يظل يحتفظ بصلاحياته, خصوصا في مجال شؤون الدفاع والخارجية, الى آخر يوم له في المكتب. واللقاء ذات المستوى الرفيع مع زعماء العالم الآخرين دليل حي على ان وجوده لا يزال مهما. ولذا, ليس من الغريب ان يتبع بوش خطى الرؤساء الآخرين في تصرفاتهم خلال الجزء الاخير من رئاستهم الذين لم يكونوا بطة عرجاء فحسب مثل بيل كلينتون انما بطة ميتة مثل ريتشارد نيكسون.
ومع ذلك فان من المناسب عشية انطلاق بوش في جولته التي تستغرق تسعة ايام وتحمله الى سبع محطات مختلفة في الشرق الاوسط والخليج ان نتساءل عما اذا كانت هذه الجولة ضرورية حقا. اذ لا يترتب على هذه الجولة أية اتفاقيات مهمة يمكن ان يوقعها, ولا مفاوضات تحتاج الى دفعة اخيرة من الرئيس نفسه, واذا استثنينا احتمال التوقف غير المعلن في العراق, فلا تبقى هناك أية قوات عسكرية يزورها او يوجه لها الثناء. وعند الأخذ بعين الاعتبار كل ما يرافق الزيارة الرئاسية من جهد وحاشية تضم المئات من الاشخاص الذين يسبقونه الى مواقع الزيارة والفرق الامنية والمستشارين والصحافيين والاصدقاء والمؤيدين وعدد آخر من المصاحبين فان الزيارة لا يمكن ان تكون حدثا عابرا.
يمكن القول, بالطبع, ان لا شيء يرقى الى مستوى الزيارة الرئاسية عندما يتطلب الامر دعم الاصدقاء والحلفاء خصوصا أولئك الذين يواجهون ضغوطا داخلية. وسوف ينعم كل من رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأضواء البهرجة الاعلامية. واذا أفلح بوش في تنظيم لقاء ثلاثي يجمعه بهما فانه سيتمكن عندها من الادعاء بانه قد حقق الهدف المعلن للزيارة وهو إدامة الزخم الذي ولده لقاء أنابوليس الذي انعقد في شهر تشرين الثاني الماضي.
بعد أنابوليس ومؤتمر المانحين الدولي الذي انعقد في باريس في شهر كانون الاول, تأتي هذه الجولة لتكون الخطوة الثالثة في سلسلة لقاءات شهرية منحت أولمرت الذريعة المقنعة لتأجيل الهجوم واسع النطاق على حكومة حماس في غزة وهو الهجوم الذي لا يرغب فيه احد لكنه قد يصبح محتوما اذا ما تواصلت هجمات الفلسطينيين الصاروخية على اهداف في جنوب اسرائيل.
كما يمكن القول بأن الزيارة سوف تسمح لبوش بتعزيز العلاقات المهمة مع شركائه في دول الخليج النفطية, وتطمين حلفاءه في السعودية والبحرين والكويت والامارات العربية على وجه التحديد بعد ان اقلقتهم الشكوك بأن تقدير الاستخبارات القومية الذي نشر مؤخرا يمكن ان يضع حدا لعملية احتواء فعالة ضد ايران تقودها الولايات المتحدة.
ومع ذلك, فما من سبب يدعو الى الاعتقاد بأن أيا من هذه اللقاءات يمكن ان يترك اثرا في المنطقة يستمر مفعوله لمدة تزيد على اليومين. ولو ان بوش يرغب حقا في ان تكون هذه الزيارة اضافة نوعية الى الارث السياسي الذي سيخلفه فان عليه ان يفكر بالذهاب الى ايران.
هذا لا يعني ان طهران قد مدت بساط الترحيب. صحيح ان هناك بعض الدلائل غير المباشرة بأن عناصر مهمة في المؤسسة الايرانية تقدر الشرعية التي تضفيها زيارة رئاسية. وقد صعد الاصلاحيون والمحافظون معا من انتقادهم للرئيس محمود أحمدي نجاد واتباعه في عملية استباقية منهم للانتخابات المقبلة كما ان القائد الاعلى علي خامنئي اعلن مؤخرا بأن موقفه المعارض لاستئناف العلاقات مع امريكا ليس موقفا أبديا.
لكن النظام الايراني بشكل عام يركب حاليا اعلى خيله ولا توجد هناك فرصة كبيرة بأن يوافق هذا النظام مقدما على القبول بالشرط الذي وضعته امريكا للتعامل معه وهو تعليق برنامج تخصيب اليورانيوم. وبدون ذلك, فإن اي انعطافة جديدة من جانب الامريكيين, ناهيك عن خطوة درامية كبرى بمستوى زيارة رئاسية, يمكن ان تبدو استسلاما وهو السبب وراء استبعادها عن دائرة التفكير.
ولكن غداة اعلان تقرير الاستخبارات القومية, ولحين صدور تقرير آخر مغاير, فان الولايات المتحدة لا تواجه تهديدا حقيقيا باجراء عسكري وليس هناك ما يعيق استخدامها لثقلها الدبلوماسي سواء مع ايران او مع بقية دول العالم التي تحتاج الى التعاون معها. وكل هذه الاشياء يمكن ان تستعاد بالتفافة مؤثرة مثل زيارة رئاسية او بمجرد عرض غير مشروط للقيام بمثل تلك الزيارة.
ان وجود بوش في طهران يمكن ان يسرع التغيير في الموقف الايراني من القضية النووية وغيرها من القضايا رغبة من ايران في اعادة الاندماج بالمجتمع الدولي وهو ما يمكن ان تعد به الزيارة الرئاسية. وحتى في حالة عدم حدوث الزيارة او في حالة رفض العرض بالقيام بها, فان الاجراء سوف يسحب البساط من تحت اقدام الذين يصرون على ان الرفض الامريكي للتعامل مع الايرانيين هو العقبة الوحيدة التي تمنع طهران من التعاون بشأن مشروعها النووي.
وفي كلتا الحالتين, فان النتيجة يمكن ان تغير مسار المنطقة والعالم وهي نتيجة تفوق ما يتوقعه المرء من الزيارة القادمة التي لا تختلف عن زيارة اخرى للسوق
مدير البحوث في معهد دراسات الامن القومي في جامعة تل أبيب
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية