أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عصابة آل الأسد تعد العدة لما بعد السقوط ... خالد المحاميد



الجمعة 3 آب 2012

كان من المثير للدهشة والاستغراب، أن نقرأ بيانا للجيش والقوات المسلحة تؤكد صحة ادعاءات وزارة الإعلام السورية، بقيادة اللص عمران الزعبي، من أن دولا معادية تخطط لإسقاط النظام افتراضيا، وقد دأبت القنوات التابعة لعصابة آل الأسد منذ عدة أيام، ببث نداءات إلى السوريين، تحذرهم فيها، بان هناك من يخطط لقرصنة الفضائيات السورية من دولة مجاورة، وإرغام مذيعين سوريين من الداخل والخارج للتحدث إلى السوريين مدعية أن النظام قد سقط.
وروجت وزارة الإعلام السورية عن طريق عملاء الاستخبارات السورية، صورا ادعت أنها صورة شخص يشبه بشار الأسد، وادعت أن مواطنا قطريا يعمل في مطار الدوحة هو الذي كشف هذا السر لصحفي روسي، وأنه زوده بصورة لشخصية تم استقبالها سرا في مطار الدوحة، يشبه على حد بعيد بشار الأسد.
كما زعم التلفزيون الرسمي السوري، أن قطر والسعودية يشتركان في إنتاج عمل سينمائي ضخم بتكلفة 36 مليار دولار، وذلك بتكليف شركة أمنية أمريكية كبرى لبناء مجسمات لمباني رسمية وساحات رئيسية في محافظات سورية بأحجام حقيقية، ومنها العاصمة دمشق، ومن بين ما تم بناؤه جبل قاسيون! ومكتبة الأسد! وساحتي الأمويين والعباسيين! وصولاً لمطار دمشق الدولي! وسيتم إذاعة هذا العمل كما يزعم التلفزيون الرسمي السوري عبر ترددات القنوات السورية بعد سرقتها، بواسطة مذيعين سوريين معروفين من داخل البلاد وخارجها، بعد اختطافهم والضغط عليهم وإجبارهم على إذاعة بيانات كاذبة إلى الشعب السوري، تدعي سقوط النظام، بل إن وزارة الإعلام ذكرت إن اسم العملية وهو " السقوط المدوي"
كان جبل الأكاذيب هذا مدهشا للسوريين، وشيئا لا يمكن تصديقه إلا من عقل مريض لا يفرق بين الحقيقة والخيال.
لقد امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالمقالات الساخرة، والنكت المضحكة على المخيلة التآمرية التي تمتلكها عصابة آل الأسد، إلى حد أن الكتاب السوريين الجادين تجاهلوا متعمدين إدعاءات الإعلام السوري، وبعضها سخر منه، باعتباره ليس أكثر من نكتة فانتازية .
لكن حين تؤكد وزارة الدفاع السورية، ما نظنه مجرد نكتة، فلا بد أن نفكر مرتين، إذ لا يعقل أن تزج وزارة الدفاع نفسها بحكاية مضحكة صارت موضع سخرية السوريين حتى الموالين منهم .
لو اقتصر الأمر على وزارة الإعلام ، والمواقع الموالية للنظام، لقلنا انها محاولة لتخويف السوريين من شيء غامض سيحل عليهم بين ليلة وضحاها، أو انها مجرد تهويل إعلامي .
إن الكثيرين تساءلوا عن معنى بيان وزارة الإعلام المتكرر عن اختطاف موجات البث التلفزيوني الرسمي، فلم يحدث من قبل مثل هذه العملية، وهي تكاد تكون شبه مستحيلة لأسباب تقنية، إلا إذا تواطأت إدارة عرب سات ونايل سات مع الخاطفين.
إذن ماهو السر الذي تخفيه عصابة آل الأسد من بث مثل هذه الإدعاءات الخرافية؟
لقد شغلت نفسي بفك هذا اللغز، وبالتأكيد حاول غيري أن يفهم المغزى من هذه اللعبة الجديدة التي تلعبها عصابة آل الأسد، لكن أحدا لم يصل إلى نتيجة تفيدنا بما تفكر به عصابة آل الأسد.
هل جن جنون عمران الزعبي؟ وفي هذه الحال ماذا عن وزارة الدفاع؟ هل هي الأخرى فقدت صوابها، وصدقت حكاية بناء مدينة مثل دمشق بالحجم الطبيعي بتكلفة 32 مليار دولار من اجل تمثيلية كوميدية؟
إذن هناك سر، وهذا السر يمكن كشفه من خلال المعطيات التي قدمتها وزارة الإعلام السورية نفسها.
دعونا نتخيل معا قواعد اللعبة، فهي تفترض بداية قرصنة البث التلفزيوني السوري، وهنا لابد من السؤال، إن النظام يتحكم في أربع قنوات تلفزيونية حكومية، هي القناة الأرضية، الأخبارية، القناة الرسمية ، وقناة الدراما.
ثم لديه قناة الدنيا شبه الرسمية، وعدة قنوات أخرى موالية، كما أن لديه عددا من القنوات المساندة ومنها 4 قنوات لبنانية، إلى جانب قناة العالم الإيرانية، فإذا افترضنا إن أحدا ما استولى على بث القنوات التلفزيونية الرسمية، فمن السهل أن يقوم وزير الإعلام، أو الرئيس نفسه عبر القنوات الأخرى بشرح ما يحدث ، وأن مسألة السقوط هي مجرد تمثيلية سمجة وفاشلة، صحح ان الاستيلاء على البث التلفزيوني، والإعلان عن سقوطه افتراضيا، سوف يسبب ربكة للنظام، لكنه لن يؤدي في أي حال من الأحوال إلى سقوطه واقعيا، وبالتالي ستكون الدول الممولة لهذه العملية الافتراضية قد أنفقت بغباء 32 مليار دولار عبثا، ولا يوجد غبي على هذه الأرض يمكنه أن يفعل ذلك.
كما يمكن ببساطة شديدة استئجار حزمة فضائية بديلة للقناة الرسمية، تكون بمثابة قناة رسمية احتياطية.
إذن فإن موضوع سرقة البث الفضائي غير منطقية، ولا يمكن تصديقها، وغير قابلة للتنفيذ.
هناك القاعدة الثانية في اللعبة، وهو بناء ليس فقط مدينة دمشق بحجمها الطبيعي، وهذا مستحيل واقعيا، بل أن وزارة الإعلام السورية تذكر دمشق وعدة محافظات، وهو بالتأكيد أكثر استحالة، وهذه الفرضية غير قابلة للنقاش لأنها فوق مستوى التخيل ولا يمكن تحقيقها على ارض الواقع.
القاعدة الثالثة في هذه اللعبة، هي توفر مذيعين سوريين معروفين يعلنون من التلفزيون السوري المسروق سقوط النظام.
و يمكن هدم هذه المقولة، باستحالة وجود القاعدتين السابقتين، مع العلم أن إمكانية قيام مذيعين سوريين بإذاعة بيانات عن سقوط النظام، هي واردة في حال سقط النظام فعلا
وهذا هو مربط الفرس من كل هذه العملية.
إذا أعدنا قراءة المعطيات، نجد أن النظام يؤمن باحتمال سقوطه ، وأنه ما قدم هذا التصور الخيالي إلا وقد تأكد انه في لحظة ما قد يتمكن الثوار من الاستيلاء على مباني التلفزيون السورية ويتحكم بالقنوات التلفزيونية، في اللحظة التي يسقط فيها النظام فعليا، وهنا تتكشف خطته عن نية مسبقة بعدم التسليم بنهاية النظام، حتى لو ظهر بشار الأسد بنفسه معتقلا على القنوات السورية الرسمية، ومن هنا جاءت فكرة تسريب وجود شبيه لبشار الأسد، ينتظر في الدوحة، للحلول محل بشار الأسد، بهدف التشكيك بسقوط النظام، حتى لو ظهر الرئيس بنفسه على شاشة التلفزيون السوري!
ماذا يعني كل ذلك؟
من الواضح أن الخطة تقود إلى وجود خطة جاهزة لدى القوى المتحكمة في القرار السوري بمعزل عن الرئيس، فحتى لو تم القبض على الرئيس، وظهر ذليلا أمام العالم فإن هذه القوى ستبقى تعمل على الأرض، وهذا يعني أن هناك خطط لمقاومة النظام الجديد على غرار المقاومة العراقية، خطط جاهزة للتنفيذ في حال سقوط النظام.
وهنا يجب نسأل عن دور البعثيين في هذه الخطة، وعن بعض الموالين من أبناء الأقليات، لأن عدم توفر حاضنة شعبية لمثل هذه المقاومة، سوف يجعلها تنهار سريعا، والبعثيون وبعض أبناء الأقليات من غير الطائفة العلوية هم وحدهم القادرون على احتضان مقاومة من هذا النوع، فنحن نفترض إن أبناء الطائفة العلوية لن يكون بإمكانهم البقاء في دمشق في حال وصول الثوار إليها، وهم بدأوا فعلا ببيع ممتلكاتهم وإرسال أسرهم إلى القرى التي جاؤوا منها، لكن البعثيين وهم من جميع الطوائف، إلى جانب بعض أبناء الطوائف الأخرى المرتبطين مصيريا بالنظام، يمكنهم أن يشكلوا حاضنة لنوع من ما من المقاومة لن تستمر طويلا، ويجب أن لا يفوتنا أن عصابة آل الأسد شاركت في تنظيم المقاومة العراقية، وهي على دراية كافية بأساليب العمل المقاوم من داخل الدولة، لكن هذه المقاومة من الواضح انها ستنتهي قبل أن تبدأ، فهناك فرق كبير بين الوضع العراقي والوضع السوري، ففي العراق كانت المقاومة ضد غزو أجنبي ، وهي في مكوناتها الرئيسة تنتمي إلى المذهب السني، في حين أن الوضع مختلف في سوريا فالنظام الجديد لن يكون غريبا عن الشعب، بل هو ممثل حقيقي للشعب السوري، ولا يوجد أكثرية غير سنية في العاصمة دمشق، كي تتمكن من تنظيم نفسها لتأسيس حركة مقاومة ضد النظام الجديد، ومن المؤكد أن كثيرين من البعثيين الذين ستعول عليهم عصابة آل الأسد، سيعودون إلى رشدهم ما إن يتأكدوا أن النظام قد زال نهائيا، ولم يعد قادرا على إيذائهم، أو إجبارهم على اتخاذ مواقف معادية للشعب، وهذا سيكون أيضا، حال أبناء الأقليات، فالسقوط الذي سماه النظام افتراضيا عملية " السقوط المدوي" سيكون مدويا بالفعل وسيكون نهائيا، ولن تنعهم ادعاءات اختطاف البث التلفزيوني وبناء مدن سورية بحجمها الطبيعي، فهذا الهراء، لن يكون له آية قيمة حين يتمكن الجيش السوري الحر من السيطرة على دمشق والبدء باعتقال قيادات عصابة آل الأسد، حيث لن يكون لهم مكان يختبئون فيه وسط شعب غاضب عليهم ويرغب في محاسبتهم.

(92)    هل أعجبتك المقالة (100)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي