أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بين الفوضى والمنطق ... طه محمد الحامد


الثورة السورية كانت ثورة الحرية، و لإجل إقتلاع الإستبداد من جذوره،
وقد تحولت إلى ثورة لأجل الإستيلاء على السلطة، عبر محاولة كل طرف الأستحواذ على حصة من السلطة .
فبدأت ملامح الانقسام ،على أساس طائفي وقومي ومناطقي، الصبغة الطاغية للثورة على حساب تراجع المشروع الديمقراطي المدني الجامع لكل المكونات السورية.
منذ بداية الحراك ، نبه الكثيرون من النشطاء والمثقفين، من إنحراف المسار السياسي والإجتماعي للمشروع التغييري ، الذي إنضم إليه غالبية القطاعات في المجتمع السوري ، من خلال إمتداده الجغرافي ،ليشمل كل ساحات الوطن تقريبا ، وتحول الحراك إلى ثورة شاملة ذات هدف مركزي واحد هو إسقاط النظام ، وبناء دولة المواطنة على أساس ديمقراطي مدني، يضمن حقوق كل المكونات عبر دستور عصري ،مؤسّس على قاعدة شرعة حقوق الانسان والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الجماعات والأفراد .
وكان واضحاَ منذ أن تجذرت الثورة في عموم البلاد ،إن القوى العظمى والدول الأقليمية ،لها أجندة خاصة بها ،تتناقض مع طموح غالبية الشعب السوري .
وكانت القوى العظمى تراهن على إسقاط السلطة من فوق، دون المساس ببنية النظام السياسية والأمنية والعسكرية ،حفاظا منها على التوازنات دون المساس بها لصالح طرف على حساب طرف آخر،وعندما شعرت بأن هذا الرهان أصبح شبه مستحيلا ،تركت الثورة تأخذ مسارها الغريزي ،حيث تقهقرت أطياف ومكونات المجتمع ،إلى حواضنها العصبية والطائفية والقومية والمناطقية ،وبدأت الاطراف الأقليمية والدولية ،ترسم الخطوط العريضة لسوريا مابعد الاسد،فتدفق المال السياسي والسلاح ،والمجموعات الجهادية والسلفية من وراء الحدود ،
كما حصل توجيه وتوظيف المجموعات المنشّقة لصالح أجندة طائفية وفئوية ،وتحولت من أداة للتحرير إلى أجنحة عسكرية لجماعات نافذة ،تبغي السيطرة على السلطة ،ودخلت في شراكات أقليمية ودولية عبر صفقات لم تعلن عنها .
وقد أثار هذا المنحى مخاوف بعض الدول وخاصة اسرائيل وتركيا وايران وروسيا ،لأن انهيار وتفكك الدولة السورية ، ستضع مصالحهم وأمنهم القومي ، تحت رحمة المجهول .
اسرائيل التي عاشت عقودا من الزمن، في حالة هدنة دائمة مع النظام ،تتخوف من اكتمال الطوق الاسلامي حول حدودها ،وترتعب من اعادة النظر في وجودها كدولة غاصبة او ورم سرطاني يجب استئصاله حسب التنظيمات الراديكالية ،وايران و روسيا تتخوفان من فقدان نفوذيهما الذي كان النظام في سوريا رأس حربة لهما تاريخيا ،أما تركيا المهووسة بالخوف من اي تحرر لبقعة من كوردستان التاريخية ،والتي دأب قادتها على محاربة أي حق كوردي، وجاهروا بأنهم سيحاربون ،أي وجود سياسي للشعب الكوردي ،حتى ولو كانت على شكل خيمة في جنوب افريقيا ،كما صرح احد قادتهم منذ سنوات .
وهذا ماجعل القوى النافذة ، تبحث عن حلول وسطى ، من خلال التحضير لمرحلة انتقالية ، يقودها احد رموز النظام التاريخيين ، بالتشارك مع أقطاب معارضة من الكنوقراط وبعض الليبراليين والعلمانييين ، الذين شعروا بغياب القاعدة الجماهيرية لهم ،امام زحف الفكر السلفي والطائفي والقومي ، الذي أصبح طاغيا وبقوة على الحراك .
اذا الآن هذا هو المخرج المتفق عليه ، وقد يكون افضل الحلول المقترحة لان ذلك قد يجنب البلد من استفحال الفوضى والانهيار الكامل ،من جهة ولكن من جهة أخرى ، هو إجهاض للشعارات الأساسية ،التي لأجلها انطلقت الثورة ،ودفع السعب السوري الآلاف من الشهداء ،ومئات الآف من المعتقلين والجرحى والمشردين ،بين هذا وذاك السلم الأهلي والانتقال المتدرج لإنجاز التغيير الجذري هو أقرب إلى المنطق .

ناشط واعلامي
(109)    هل أعجبتك المقالة (106)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي