توقفت دموع النواعير عن الانسكاب
نامت الحياة بحضن العاصي متحلية بصبر أيوب، الذي اعتادته عبر تاريخها.. فأم الفداء (فداء حوراني) تقبع خلف القضبان..
عيون النساء مصلوبة فوق الأبواب وأمام مواقع الخبر.. تنتظر انبثاق فجر لم يأت يومه بعد.. ماتت الكثيرات منهن حسرة.. فصباحات حماة ومساءاتها عانقت الصدق في المحبة وعرفت معنى الوفاء بالوعد.. بحثت سنينا عن جدار الأمان وتسلحت مديدا بأحجار الصوان وصلابة الإنسان فيها.. رمتها العواصم بأقنعة الزيف طويلا.. غادرها أحبة.. حاصرها منافقون وأهانتها عساكر.. لكنها لم تخون.. وظلت بإباء.. مدينة الفداء..
هاهي اليوم تثبت للعالم.. أنها تهدي مكنونها.. وتقدم زهرة من زهراتها.. لؤلؤة من محاراتها النادرة.. كي تزغرد نواعيرها بحرية فوق عاصيها.. من أجل.. كرامة الحب.. وإباء الوطن.. فهل هناك أكبر وأغلى من..
فداء حوراني؟
مأساة حماة أنها تنجب عظماء.. مأساة حماة أنها تنشئ كرماء.. مأساة حماة أنها لا تعرف التزييف والتلوين في الانتماء.. مأساة حماة أن دفاترها معطرة بالعطاء ومضمخة بالفداء..
يضحك الحقد ويهزأ أهله.. يسخر الزيف ويسرح كُتابه ومُضَلِليه في بيادر إعلامهم
وفوق مماسح النفاق وداخل دوامات التزوير والتلفيق.. يستعيرون صفات تراب لم تعجنه مياه العاصي ولم تخبره حدائق الشام ولا غسلته ضفاف الفرات..
فأي لون يكتسب؟ وبأي لغة ينطق؟..
حماة والرقة.. دمشق واليرموك.. وجبل العرب الأشم.. صارت دفاتر أحزان.. في معاجم الأعياد السنوية.. وانقلبت لقاءاتها لفراق يرتفع ويدوم.. لأن قصة الإنسان في وطننا لم تخرج بعد من شرنقة التضليل.. ولا من جرم التكفير.. وعطالة التفكير ولا من أغلال الفردية.. والنزوع إلى التنافر..
لم تعرف قواقعنا مفاتيح الماء ومنابع الرمل في سواحل العواصف.. حين تخرج الأرض من غابات البراكين وتستنفر نيرانها الوردية لحصاد الصمت وانهيار الموائد المعدة للخديعة.
في هودج حماة غزالة.. تحمل الجسارة وتشرد في براري الحرية ناذرة منذورة.. لسيوف الكلام.. تلملم أشلاءنا.. توقظ أرواحنا.. تحف بها نساء ثاكلات.. صابرات.. لتصنع سفينة الهواء وتفتح نافذة الرؤيا.. لنبصر أفق الغد.. وندرك هول المرحلة..
كبيرة أنت في الأسر.. يا فداء، يكبر بك الأسر ويصغر السجان..
تتكاثر الطرائد وتنتشر المصائد.. لكن الخريطة تنحاز لأرض لا تهوي عند منعطف التاريخ، ولا تنسى لحن نشيدها المولود من الحرية ولأجلها..
لم تمنحني حياة المنفى فرصة العودة.. لأتعرف على ملامح امرأة ولا كل النساء.. لم تسمح لي إقامتي الصغيرة في الوطن أن أشق طريقا نحو مدينة النواعير.. لأتعرف على ناعورة تحيك الحياة، وتصنع الأمل أكثر من ناعورتها التاريخية.. سموها فداء حوراني.
من منفاي.. أرسل لك عصافير ندائي.. وصرخات غضبي.. تسير نازفة في شوارع باريس.. تحمل رسمك نورساً.. يقول للكون.. ولعالم الإعلام العربي المفضوح
بغي تعيشون وانحياز وضلال وتزوير تتقيأ ون على شاشاتكم وفوق صحفكم.. بالكذب والخداع لشعوبكم تتسلحون.. ورايات عُهر تحملون ولا تنتصرون حتى لكرامتكم.. لأن فداء حوراني جزء من كرامة مهدورة فوق جباهكم، التي تحمل عارا صنعتوه وتتمرغون به منذ عقود.. فكفوا على الأقل أذاكم.. اصنعوا لمرة واحدة.. خطيئة الصدق مع قتلاكم.. افتحوا للحظة نافذة البلاد لتنير دماء الضحايا عتمة محاكمكم وقلوب قضاتكم المطليون بثياب عفةٍ لا يعرفوها.. ووميض عيون.. عصت عليهم فاقتلعوها..
لك يا فداء.. تحية الأمهات.. تحية العذراوات.. تحية نساء الأرض المعذبات.. تحية رجالها الأشراف.. تحية أبناء سورية الأبية.. سورية الأسيرة بك ومعك.. وإليك نرفع التحية وننتظر انبثاق الفجر.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية