أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إلى الصحافة والشعوب العربية...أحسنوا استقبال بوش .... د. عوض السليمان

دكتوراه في الإعلام – فرنسا

 بسهولة أستطيع أن أفهم، أن الحكام العرب غير قادرين على رفض لقاء بوش، وغير قادرين على الوقوف في وجهه، أو الاعتراض على زيارته، بل غير قادرين على عدم الترحيب والغناء والرقص لقدومه، وأعلم أن بعضهم سيذبح الخراف لطلته البهية. نعم، هذا سهل الفهم، "فهو وليهم اليوم". ولا شك أنهم "يخافون أن تصيبهم دائرة"، ولهذا أسرع كثير من القادة العرب للترحيب برجل تفنن بقتل الأبرياء وإرسال الطائرات المحملة بالقنابل الموجهة وغير الموجهة أيضاً، وأرسلها في أعياد المسلمين، كما في أعياد الميلاد، فهو يقود إدارة متعطشة للدم، تصنع وتصدر الموت للأمم وتنهب ثروات البلاد الفقيرة. القادة العرب، الذين يأخذون رأي بوش في تفاصيل حياتهم الشخصية، هم- لا شك - أضعف من أن يقفوا أمامه، فهم يخافون ألا يبارك بقائهم على كراسي الحكم.

 ولا تحتاج المسألة إلى كثير تدليل فهؤلاء القادة، باركوا في سابقة تاريخية، احتلال بلد عربي شقيق، وتفرجوا صامتين على استخدام الفوسفور الأبيض بحق رضع العراق ونساءه. بل ليتهم باركوا وسكتوا، بل باركوا وقدموا التسهيلات للبربرية الأمريكية لتفسد بلاد الرافدين، بعضهم قدم أرضه، وبعضهم قدم ماءه، وبعضهم قدم أجوائه، بينما قدم بعضهم الآخر ظهره إرضاء لجورج بوش. غريب أمر هؤلاء القادة كأنهم لا يرون، ولا يسمعون، وكأنهم "على قلوب أقفالها".

القوات الأمريكية هذه تقتل أبناء المسلمين والعرب في العراق وأفغانستان، وفلسطين، ولا يخفى على طفل أن الإدارة الأمريكية هي التي زرعت الإرهاب وسقته وغذته ثم نشرته في العالم أجمع، فإما أن يكون قادتنا هؤلاء على ظهر القمر فلا يرون ما نرى أو أنهم لا يقدرون على مواجه هذا الشخص فيخضعون لديه وهم بالتالي يتآمرون معه على هذه الأمة.

ويقولون لو سألتهم، إنما نريد السلام، ونريد أن نناقش "ضيفنا الكبير" بمؤتمر أنابوليس، فمتى كان بوش الصغير راعياً للسلام، نسيتم ماذا فعلت ربيبته الصهيونية في بيت حانون وفي جنين، ونسيتم ياسر عرفات وصدام حسين، نسيتم ملايين الأطفال البرءاء الذين قتلهم جورج بوش في العراق الأسير. أهذا هو الذي يرعى السلام، يبدو لي أنه سلام الأغنام والمعز ولا حول ولا قوة إلا بالله.

كلنا يعلم أن بوش هذا لا يستطيع أن يفعل شيئاً فهو في آخر أيامه على رأس الإدارة الأمريكية، وما جاء إلا خدمة للصهاينة الذين استبقوا مقدمه بالاعتداء على الأراضي الفلسطينية وقتل أحد عشرا شخصاً، وببناء المستوطنات، وبالتصريحات المستفزّة التي كان آخرها تصريح أولمرت، بأن الرئيس الأمريكي لا يمكنه أن يفرض شيئا لا تريده "إسرائيل". وهذا صحيح، فإذا كان العرب قد وقفوا أنفسهم وراء أمريكا والصهيونية فمن يفرض على هذا الكيان الغاصب أمراً لا يريده، ألم يقل أجدادنا، إن البغاث بأرضنا تستنسر.

 لكل هذا الذي قلته لا أعتب على سادتنا من القيادات العربية، فهم في وضع لا يحسدون عليه، شعبتيهم في الحضيض وشرعيتهم في شكوك وحالهم حال، وأما القول الآن للشعوب العربية وللصحافة الحرة أيضاً، فمن يمنع هذه الشعوب أن تتظاهر في يوم مقدم بوش، ومن يمنعها أن تلبس السواد، ليت أن مصر وأهل مصر الذين حاربوا وراء عبد الناصر، يلبسون السواد كلهم في يوم قدوم بوش، تصوروا أن كل مصري لبس ثوباً أسود بوم وصول بوش الصغير إلى مصر، إنه تعبير سلمي عن الرفض، ولن تستطيع الحكومة إجبار الناس على لبس اللون الوردي، ليتك يا شعب مصر تسمعها فتفعلها، وكذا لو فعلت كل الشعوب العربية، فإن يوم قدومه يوم مأتم ويوم حزن شديد.

 ومن سيمنع الشعوب العربية، أن تمتنع عن العمل ربع ساعة فقط يوم قدومه، أو ينذُر كل شخص، أن يحدث آخر عن إجرام الإدارة الأمريكية، أو أن يكون قدومه مناسبة لمقاطعة المنتجات الأمريكية. ليت أن كل عربي حر- حاقد على الإرهاب الدموي للإدارة الأمريكية- يهلكُ منتجاً أمريكاً في الشارع العام أمام الناس كلهم، ولا بأس بشراء هذا المنتج لمرة واحدة وإهلاكه أمام الآخرين، ولو فعل كل واحد ذلك، لكان عاملاً من عوامل القربى والإخوة بين العرب والمسلمين سواء بسواء. إذا كانت الشعوب العربية، لا تملك ثمن ما تهلكه، فأين المظاهرات، لا بد أن يقوم المظلومون بالمظاهرات ضد زيارة إرهابيي الإدارة الأمريكية، أو الاعتصامات، فما أروع أن يعتصم الناس في الأماكن المسموحة حتى يرى الرئيس الأمريكي بأم عينه أن مكروه وغير مرحب به. أنا لا أريد أن يدخل الجمهور في صراع مع القيادة السياسة لبلاده، ولكن من يمنع الاعتصامات في الحدائق العامة، من يمنع أن تهلك منتجاً أمريكاً اشتريته بمالك، من يمنعك أيها العربي الحر، أن لا تدخل إلى محلات "ماكدونالد" "وكنتاكي".

 من يمنعك أن تحدث ولدك في هذا اليوم العصيب عن إجرام أمريكا. منذ فترة ليست بالطويلة أجرت إحدى مؤسسات الرأي دراسة عن موقف الشارع المصري من الولايات المتحدة، فوجدت أن اثنين وتسعين بالمائة من المصريين يكرهون أمريكا ويكنون لها العداء ويعتقدون أنها تريد تقويض الإسلام، بينما ذهب ثمانون بالمائة منهم إلى تأييد أي عمليات عسكرية ضد تواجد القوات الأمريكية في المنطقة العربية. وهذه النتائج، تبين أن العرب جميعهم، وما مصر إلا مثالاً، يكرهون الإرهاب ويحقدون عليه ويريدون التخلص منه، ونحن اليوم لا نطالب إلا بتصرفات سلمية تعبر عن كرهنا للإرهاب القادم من وراء البحار. غريب أمر بوش هذا، يعرف إجرامه بحق أمتنا، ويعرف كرهنا لإدارته وإجرامها، ومع ذلك يتحدى رغباتنا ويحضر إلى بلادنا بمنتهى الصفاقة، ذلك في الوقت الذي يتكلم فيه عن تعاطفه مع الشعوب الفقيرة في الوطن العربي. وإذا كان على الشعوب اليوم أن تقف وقفة رجل واحد ضد زيارة بوش، فإن على الصحفيين والإعلاميين واجباً عظيماً في محاربة هذه الزيارة وفضح أهدافها والوقوف في وجهها. وأقل ما يقال في هذا الجانب، أن على الصحف العربية الحرة والإسلامية الشريفة، أن تصدر بلون السواد في يوم مقدمه، أو أن تكون صفحة واحدة فيها عنوان واحد" بوش لا أهلاً ولا سهلاً ولا مرحباً بك" أو أي شعار آخر يراه رئيس التحرير مناسباً. ولا بأس لو امتنعت هذه الصحف عن الصدور يوماً واحداً تقزيماً واعتراضاً على هذه الزيارة، وإذا كانت صحف الحكومة لا تستطيع أن تفعل هذا، شأنها شأن الصحافة الصفراء، أو لأسباب سياسية واقتصادية بحتة، فإن على الصحف الحرة أن تفعله ولا تتردد في ذلك لحظة واحدة.

وما يتوجب على الصحف المطبوعة يتوجب على الصحف الإلكترونية أيضاً، فما أحسن أن تقوم الصحف الإلكترونية بوضع إعلان مضاد لهذه الزيارة، ولو اقتضى الأمر أن توقف كل موادها ليوم واحد وتستعيض عنه بجملة واحدة مثل" تمتنع صحيفتنا عن الصدور احتجاجاً على زيارة بوش للمنطقة" أو "احتجاً على زيارة قاتل أطفال العراق للمنطقة العربية". وكذلك فإن الفضائيات  العربية مطالبة هي الأخرى بالوقوف ضد هذه الزيارة بكل قوة والاحتجاج عليها بكل الطرق المتاحة، من تفنيد أهدافها، إلى تجاهل أخبارها. كما أنني أهيب بالصحفيين الأحرار، في الدول العربية التي سيأتيها بوش، أن يمتنعوا عن حضور مؤتمراته الصحفية أو توجيه الأسئلة إليه، وإن حضر أحدكم فليذكره بأطفال العراق وليحمل صور مكلومي "أبو غريب" و"سامي الحاج" و"طارق أيوب" معه. إن زيارة بوش مع كل ما تحمله من إهانة لشهداء أفغانستان والعراق وفلسطين والصومال، وما تعنيه من قهر للشعوب العربية فإنها تحمل بذرة إيجابية، فهي فرصة كل الأحرار ليعبروا عن حريتهم في رفض هذه الزيارة، ولكل الشرفاء ليقفوا في وجه فجور الإدارة الأمريكية، وكل المتنورين أن يجابهوا ظلامية وإرهاب هذه الإدارة. وهنيئاً للدول التي لن يزورها بوش، فلا شرف من زيارته، وإذا كان لنا بعض أمل في قيادات عربية، فهو في قيادات تلك الدول التي لا تصلي لبوش ولا تعرف قبلته. "واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون".

(115)    هل أعجبتك المقالة (114)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي