أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حقوق الأقليات ... تينسلي ياربرو


"لدي حلم بِأن يعيش أطفالي الأربعة الصغار يوماً ما في دولة لا يـُحكم فيها عليـــهم بسبب لون بشرتهم بل بمضمون شخصيتهم."


الدكتور مارتن لوثر كنغ جونيور، خطاب مسيرة واشنطن، آب/أغسطس،1963

 

ترك واضعو الدستورالأميركي قضية الرقيق للأجيال القادمة ، ولم توفر الحرب الأهلية ولا عملية إعادة التعمير التي التي تلتها فعلياً الا فترة مؤقتة من الراحة من مسألة التمييز العرقي ضد العبيد السابقين وأولادهم .في أواسط الخمسينات من القرن الماضي ، بدأت المحكمة العليا بإخضاع القوانين التي تفرض التمييز على أساس العرق ، أو اللون ، أو الأصل القومي ، إلى مراجعة قضائية صارمة بحيث منعت فعلياً جميع أشكال التمييز العرقي أو العنصري التي لها علاقة بالحكومة .


بدأ الكونغرس أيضاً بمنع التمييز العرقي العام والخاص في عمليات التصويت ، والتوظيف ، والمرافق العامة ، والإسكان ، والبرامج الممولة من الخزينة الفدرالية .وفي وقت لاحق ، أخضعت المحكمة العليا القوانين المستندة إلى التفرغة بين الجنسين إلى مراجعة متشددة أيضاً ولم يمنع الكونغرس التمييز على أساس التفرقة بين الجنسين في حقول مختلفة فحسب ، بل ومنع أيضاً المعاملة غير المتساوية المستندة على العجز أو الإعاقة


كانت المناقشات حو توسيع مفاهيم المساواة من أكثر الأحداث المسببة للألام ، والأعمق أثراً ، في التاريخ الأميركي .وربما بأستثناء المجمعات الأكثر تجانساً ، تشكل المعاملة المنصفة للأقليات إحدى أهم المسؤوليات الأساسية لأي دولة وأكثرها إزعاجاً .ما من طريقة يستطيع مجتمع بموجبها معاملة جميع أفراد بصورة مماثلة وفي الوقت نفسه يقوم بوظائفه المشروعة . يفرض على الحكومات بأنتظام رسم حدود في قوانينها تصنف الناس أو تقسمهم إلى مجموعات أخرى . تشكل معدلات الضريبة التي تختلف حسب مستويات الدخل ، ومؤهلات الأنتخاب أو الحصول على رخصة قيادة سيارة التي تعتمد على العمر، أمثلة شائعة لمثل هذه القوانين .وطالما تحترم هذه التصنيفات مصالح قانونية وأجتماعية أساسية ، فإنها تعتبر مشروعة ويتوقع إلتزام المواطنين بها ضمن المعقول .


وبالمقارنة ، فإن السياسات التي تــُميز بين مجموعات من المواطنين على أساس العرق ،أو الأصل القومي ، أو الخلفية الإثنية ، أو الجنس ، أو المعتقد الديني ، أو عوامل مرتبطة بها ، كلها بالأساس لا علاقة لها بالأهداف الحكومية التي يعتبرها العاقلون من الناس مشروعة . عندما تــُعامل الحكومات أفراداً معيّنين بمحاباة أقل من الأخرين ، أستناداً إلى خصائص ولادتهم أو أعتبارات أخرى لايبدو أن لها علاقة بالفوائد المفروض للمواطنين الحصول عليها . أو بالأعباء التي يتوقع منهم تحملها ، فإن الحكومة تبرر بذلك الشكوك بأن المسؤولين المعينّين يتصرفون بسبب تحيزّهم وأفتراضاتهم النمطية حول قيمة الفرد وسلوكه ، بدلاً من السعي في سبيل أهداف عامة قانونية واضحة .


لكن علاوة على هذه المبادىء فإن الدرجة التي تعتبر عندها تصنيفات المجموعات أنها غير منصفة وجديرة بالإدانة ، تعتمد إلى حد كبير على التوجهات السائدة في المجتمع . فعندما تــُشكل المجموعات المستهدفة أقلية عددية في مجتمع ما وتملك خصائص طبيعية مميزة أو تمارس أنماطاً معيشية يجدها الأخرون غريبة ومستهجنة ، أو كانت تعاني من إعاقات تكون قانونية بالنسبة للحكومات ، أو تعتنق معتقدات أو تتبع ممارسات سياسية أو دينية غير مألوفة ، فإن المقاومة الأجتماعية للتغيير تصبح قوية ، كما يبدو أن الأستيعاب الكامل لهذه المجموعات في المجتمع غير ممكن التحقيق .


أن سوء مهاملة الأقليات والمجموعات الأخرى لا ينحصر بالأنظمة الدكتاتورية التي لاتحترم، أو تحترم جزئياً، حكم القانون. في الستينات من القرن الماضي، أرغم البريطانيو، رغم تقليدهم الطويل الأمد بالألتزام بالمبادئ الديمقراطية والعدالة الأساسية، على موجهة سوء معاملتهم للمهاجرين من غير البيض. كما من الواضح أن الكفاح التاريخي حول الرق ومخلفاته هو من بين التطورات القانونية والأجتماعية التي تركت أعمق الأثر في التجربة الأميركية.


حتى عندما تـُقرر دولة ما إنهاء التمييز ضد أقليّات عرقية أو مجموعات محرومة أخرى، عليها أيضاً حل المشاكل المتعلقة بالإنعاش الملائم لهذه الأقليات. هل يجب أن تـُلزم السياسات المناهضة للتمييز المسؤولين الحكوميين فقط؟ أو هل يجب توسيع هذا الألتزام ليشمل الأفراد والمؤوسسات الخاصة؟ هل يكفي إنهاء التمييز المعني؟ أو هل من الضروري تصحيح نتائج المظالم السابقة من خلال، مثلاً، تقديم معاملة تفضيلية لأفراد المجموعات المحرومة الذين يسعون للحصول على وظائف والتقدم في مراكز عملهم وقبولهم في الكليات، وغيرها من الفوائد؟ هل أن عدم المساواة في الماضي، بالأختصار، تؤدي إلى حقوق واجبة التقديم في المستقبل؟ إذغ كان الأمر كذلك، فهل يجب أن تنحصر الفوائد بالأفراد الذين عانوا بالفعل من التمييز في الماضي أو توسيعها لتشمل كافة أعضاء مجموعة معيّنة؟ .


التمييز: إهانة لمجتمع ديمقراطي


عبر معظم تاريخها، أضطرت الولايات المتحدة إلى مواجهة هذه الأنواع من الأسئلة لحل مجموعة مختلفة من القضايا التي تؤثر على الأقليات وغيرها من الفئات المحرومة، بدءاً من الكفاح المحزن حول الرّق ومخلفاته، إلى توسيع الدولة لمبادئ المساواة للمرأة وغيره من أنواع التمييز غير العرقي، وإلى محاولات لتعريف وتأمين المساواة التنافسية للأميركيين المصابين بحالات عجز وأعاقة مختلفة، إلى الجهود الحديثة لإدخال التوجه الجنسي للفرد ضمن حقوق الخصوصية الشخصية التي تخضع للحماية القانونية.


تداخلت عدة مواضيع أساسية أخرى مع كل من هذه الحركات. أولاً، هناك المبدأ القائل إن أشكالاً معيّنة من التمييز تـُعتبر أهانة لمفهوم مجتمع منفتح وديمقراطي. أشار الرئيس جون أف. كنيدي ببلاغة إلى هذا المبدأ في خطابه للأمة سنة 1963، إثر صدور قرار من محكمة بإلغاء التمييز العنصري في جامعة ألاباما، رغم معارضة جورج والاس، حاكم ولاية ألاباما المناصر لهذا التمييز. قال الرئيس في ذلك المساء، " أمل أن يقف كـُل أميركي، أينما يعيش، ليفحص ضميره حول هذه المسألة وحول أحداث أخرى مرتبطة بها. لقد أسس هذه الدولة رجال ينتمون إلى بلدان وخلفيات عديدة. وهي تأسست على مبدأ أن الناس ولدوا جميعاً متساوين، وأن حقوق الناس تـُنـتـقص عندما تـتهدد حقوق انسان أخر ".


في وقت لاحق في فصل الصيف من تلك السنة ، كرر مارتن لوثر كنغ جونيور ، المدافع الرئيس عن الحقوق المدنية في تلك الحقبة ، لازمة أساسية أخرى لحركة المساواة في خطابه ، " لديّ حلم " الذي توّجه به مسيرة الحقوق المدنية إلى واشنطن تلك السنة .وفي حديثه أمام جمهور ضم أكثر من مئتي ألف شخص في الساحة حيث قام نثب الرئيس أبراهام لنكولن ، وهو الذي وضع إعلان تحرير العبيد ، شجب الدكتور كنغ ظلم مجتمع تستند فيه السياسة العامة ، كما الممارسة الفردية ، إلى أفتراضات نمطية حول قيمة الإنسان .وأعلن كنغ قائلاً : "لديّ حلم بأن يعيش أطفالي الأربعة الصغار يوماً ما في دولة حيث لا يُحكم فيها عليهم بسبب لون بشرتهم بل بمضمون شخصيتهم ".


وأخيراً، فإن الدوافع التي أدّت إلى أزدياد نشاط حركات حماية الأقليات والمجموعات المحرومة الأخرى ولتمكنها من كسب الدعم لها، كانت بسبب أعتبارات عملية تعود لمصالحها الذاتية. إذا سُمح لمجتمع بالتحامل ضد طبقة من الشعب، فماذا يمنعه من تعزيز قوة غيرها من التحاملات؟ قد يـُدرك العديد من المواطنين أن التمييز ضد أفراد من عرق أو دين واحد، أو من خلفية إثنية واحدة، أو يتـّبعون ممارسات أو توجهات غير تقليدية، قد يؤدي إلى هجمات تمييز ضد مجموعات مستهدفة أخرى.


الحملة ضد الرق


تحت تأثير هذه الأهتمامات، وسعت الولايات المتحدة تدريجياً أشكال التمييز التي لا تقبل بها الدولة وهاجمت التمييز في المجالات القضائية، والتشريعية، والتنفيذية، كما في محكمة الرأي العام. كانت الحملة المناهضة للرق وخلفاتها أكثر هذه الحملات إحباطاً للعزم وأطولها.


عندما أحتفلت الأمة في الثمانينات من القرن الماضي بالذكرى المئوية الثانية لتبني دستورها، أكد ثورغود مارشال، الذي أختير العام 1967 أول قاض أميركي أسود في المحكمة العليا، بإن ليس لدى أفراد شعبه أسباب تدعوهم للتصفيق تأييداً لإقرار الدستور الأساسي. قال مارشال، إنه بدلاً من ذلك، يجب أن يوجه الأميركيون الأفريقيون ثناءهم إلى التعديلات الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر للدستور، وإلى الممنوعات التي شـُرعت خلال الحرب الأهلية وفترة إعادة الأعمار ضد الرق والتمييز في التصويت وفي مجالات أخرى من الحياة القومية.


من الممكن القول إن كلمات القاضي مارشال كانت صحيحة من نواحي عدة .لقد نص الدستور الأساسي للعام 1787 على أن العبيد سوف يحتسبون كثلاثة أخماس شخص عند تحديد عدد سكان كل ولاية الذي يتم تقرير عدد مندوبيها إلى مجلس النواب ، وهو المجلس التشريعي الأدنى في الكونغرس القومي .أستيراد العبيد. وضمن لمالكي العبيد إرجاع الهاربين منهم حتى أولئك الذين فروا ألى ولايات منعت قوانينها الرق . عشية أندلاع الحرب الأهلية الدموية في البلاد حول الرق والمسائل المرتبطة به ، أكدت المحكمة العليا في قضية دريد سكوت ضد ساندفود ( 1857 ) أن الأميركيين الأفريقييــن ، أحراراً كانوا أم عبيداً ، ليسوا مواطنين أميركييــن ولايحق لهم التمتع بالحقوق التي ضمنها الدستور للمواطنين .


بعد أنتهاء الحرب الأهلية ، شرّع الكونغرس وصادقت الولايات على مجموعة من التعديلات للدستور هدفت الى تأمين حقوق المواطنية الكاملة للعبيد السابقين الذين حصلوا على حريتهم خلال الحرب أستناداً إلى إعلان تحرير العبيد الذي أصدره الرئيس لنكولن العام 1863. نصت المادة الرئيسية للتعديل الرابع عشــر ، الذي تمت المصادفة عليه العام 1868 على أنه " لايحق أي ولاية أن تضع أو تطبق أي قانون يختصر من المميزات أو الحصانات لمواطني الولايات المتحدة ، كما لايحق لأي ولاية أن تحرم أي فرد من حقه في الحياة ، أو الحرية ، أو الملكية ، بدون قواعد الإدجراءات القانونية المتبعة ، كما لايحق لها أن تحرم أي فرد يعيش ضمن نطاق سلطتها القضائية من الحماية المتساوية للقوانين ".


حقق الإصدار والتطبيق المبكر لهذه التعديلات التي تمّت في حقبة إعادة الإعمار نهاية جزئية ومؤقتة فقط للتمييز ضد الأقليات في الولايات المتحدة . أستناداً إلى سلطاته في فرض تطبيق نصوص التعديلات ، أصدر الكونغرس عدداً من القوانين المهمة المتعلقة بالحقوق المدنية فمثلاً ، منع قانون الحقوق المدنية للعام 1875 الفصل العرقي ، أو التمييز في وسائل المواصلات العامة والفنادق والمسارح . ولكن حتى الكونغرس الذي أقرّ التعديل الرابع عشر للدستور ، سمح بالفصل العرقي في مدارس واشنطن ، عاصمة الدولة . وإذ تضاءل الحماس القومي لأعادة الإعمار في السبعينات والثمانينات من القرن التاسع عشر ، قامت أيضاً المحكمة العليا بتفسيرات ضيقة لهذه الحقوق المدنية التي أقرها الكونغرس أو أعتبرها على أنها مخالفة للدستور .


قيــام وسقـوط قوانــين الفصــل العرقــي


قامت المحكمة العليا خلال حقبة ما بعد إعادة الإعمار أيضاً بمنح موافقتها على قوانين الفصل العرقي . في القضية بليسي ضد فرغوسون (1897) أيدت المحكمة سلطة الولايات في طلب تطبيق فصل عرقي في القطارات وفي غيرها من المرافق العامة والخاصة طالما كانت التسهيلات المفصولة عرقياً " متساوية ". وأستنتجت الأغلبية في المحكمة أن قوانين الفصل العرقي أثرت على السود والبيض بدرجة متساوية ، ولم توقع أي وصمة دونية على أي من العرقين .وأكدت المحكمة أن بإمكان ولاية أن تقرر بصورة معقولة بأن مثل هذه القوانين كانت ضرورية لتعزيز السلم الأهلي والنظام العام فيها .


كان القاضي جون مارشال هارلان ، المالك السابق للعبيد من ولاية كنتاكي ، عضو المحكمة الوحيد الذي لم يوافق على رأي الأغلبية . سخر هارلان من مفهوم الأغلبية القائل بإن قوانين الفصل العرقي عاملت بالتساوي أفراد الجنس الأبيض المسيطر والعبيد السابقين ،وأعلن في رأيه أنه بموجب التعديلات التي ادخلت في فترة إعادة الإعمار " أصيب دستورنا بعمل ألوان ولا يعرف أو لايقبل بوجود طبقات بين المواطنين . وفي مايخص الحقوق المدنية فإن كافة المواطنين متساوون أمام القانون . " تكهن هارلان بإن أشترك المحكمة في مؤامرة سمحت للولايات بإبقاء الأميركيين الأفيرقيين في حالة من شبه العبودية سوف " يُبيّن مع الوقت بأنه ضار كضرر القرار الذي أتخذته هذه المحمكة في قضية دريد سكوت. "


لمدة نصف قرن بعد قضية سلبي، ظلت مقولة "منفصل ولكن متساو" هي قانون البلاد ولم تواجه إلا أسوأ الأشكال الصارخة من التمييز العنصري ، وفي بعض الأحيان هزيمة في المحاكم . في الثلاثينات والأربعينيات من القرن الماضي ، بدأت المحكمة العليا في توجيه نظرة أنتقادية أكثر إلى قوانين الفصل العرقي وأشكال التمييز العنصري المرتبطة بها . إن الحاشية الرابعة الشهيرة لرأي القاضي هارلان فيسك ستون في قضية الولايات المتحدة ضد شركة كارولين برودكتس (1938) رأت أنه يجب أضافة القوانين إلى تلك التي من المحتمل أن تحتاج لمراجعة قضائية دقيقة، ومنها قانون : " التحامل ضد الأقليات المتفردة والمعزولة ". ورغم أن المحكمة أشارت إلى الضرورة العسكرية في الإبقاء على العقوبات التي فـُرضت خلال الحرب العالمية الثانية ضد الأميركيين اليابانيين، فقد شدد القاضي هيوغو ال. بلاك بإسم الأغلبية على أن " كافة التقييدات القانونية التي تحجب الحقوق المدنية عن مجموعة عرقية واحدة تثير الشبهات فوراً . " وفي أهم الأحكام التي أصدرتها المحكمة العليا في تلك الفترة بدأت المحكمة في التخفيف من الفصل العرقي في مؤسسات التعليم العالي والمهني . قررت المحكمة في قضية سويت ضد بينتر (1950)، ليس أن قانوناً حديثاً ينشأ مدارس حكومية في الولايات خاصة بالسود هو أدنى مرتبة من قانون تخصيص كلية حقوق في جامعة تكساس للبيض فحسب ، بل قررت أيضاً أنه في تحديد ما إذا كانت المدارس المفصولة عرقياً هي متساوية ، عن المحاكم القضائية أن تأخذ في الحسبان أيضاً العوامل غير الملموسة أضافة إلى الملموسة وهي " تلك الصفات ( مثل السمعة المؤسساتية ) التي لايمكن قيلسها موضعياً ولكنها تؤدي إلى عظمة كلية الحقوق ". وقرر القاضي ثورغود مارشال، الذي كان آنذاك محامياً للجمعية الوطنية لتقدم الشعب الملون، مع غيره من المدافعين عن الحقوق المدنية، مدعوماً بدقة تفسير المحكمة لمبدأ ال " منفصل ولكن متساو " في هذه القضية، بأنه حان الوقت لتدّي المبدأ بحد ذاته، وبالأخص الأفتراض بأن المرافق المنفصلة عرقياً يمكن أن تكون متساوية . أثر مقاضاة واسعة ، تبنت المحكمة العليا في 17 آيار / مايو 1954 ، هذا الموقف. قرر رئيس المحكمة أيرل وارن في قرار أجتماعي في قضية براون ضد مجلس التعليم وقضايا مرافقة بأن حضور الطلاب إلى مدارس منفصلة عرقياً بموجب القانون ولد أحاسيس بالدونية بين أطفال الأقليات مما أثر سلباً على قدرتهم على التعلم . لذلك في التعليم في مثل هذه المدارس لم يكون متساوياً ومتناغماً أبداً مع متطلبات ما أكده التعديل الرابع عشر " للحماية المتساوية " . في حكم آخر صدر عن المحكمة العليا بالأجماع في السنة التالية بشأن قضية براون II، أمر رئيس المحكمة العليا وارن قضاة المحاكم الأدنى مرتبة ومجالس المدارس بأن يعملوا " بكل سرعة وتصميم " على تطبيق مبدأ ألغاء الفصل العرقي في المدارس العامة.


قبل تقاعد رئيس المحكمة العليا وارن العام 1969، ألغت المحكمة العليا والمحاكم الأدنى مرتبة الفصل العرقي في حقوق عديدة من الحياة القومية بضمنها قانون أصدرته ولاية فرجينيا يمنع الزواج العرقي المختلط . أثناء رئاسة وارن برغر (1969- 1986) وويليام أيتش رنكويست (1986) وافقت المحكمة العليا على منح القضاة في القضايا المتعلقة بألغاء الفصل العرقي في المدارس سلطات واسعة تشمل نقل الطلاب في الباصات بأمر محكمة ، لتأمين أندماج المدارس في المناطق المفصولة عرقياً وفرض حصص عرقية في مجالس الطلاب وهيئات التدريس. رغم ذلك، وضع القضاة تمييزاً حاداً بين الفصل بحكم القانون (الرسمي) والفصل بحكم الواقع (ناتج فقط من أنماط الإسكان المنفصل) مؤكدين بأن هذا الفصل بحكم الواقع لايحرمه الدستور. كما أقرت أغلبية في المحكمة العليا من المحاكم برفع مراسيم إلغاء الفصل العرقي بعد أن يتم تحقيق جزء مهم من أمتثالها بتحويل نظام مدرسي يتبع القصل العرقي المزدوج إلى نظام وحدوي. وأخيراً وضعت المحكمة العليا حدوداً لتطبيق ضمان " الحماية المتساوية " التي نص عليها التعديل الرابع عشر، بالنسبة للسياسات التي تهدف إلى التمييز العنصري وليس فقط لتلك السياسات التي لها تأثير غير متساوٍ بالنسبة للعرق.


في حين أن نظام المحاكم الأميركية أتخذ على عاتقه ، في أوجه عديدة ، قيادة عملية تحقيق المساواة العرقية ، أنشا البيت الأبيض والكونغرس أيضاً حمايات مهمة ضد هذا التميز عشية الغضب القومي بسبب المواجهات العنيفة بين رجال الشرطة والمشاركين في مسيرة الحقوق المدنية في برمنغهام ، لولاية ألاباما ، أقترعت الرئيس كنيدي تشريعات للحقوق المدنية بعيدة الأمد التي عمل الرئيس ليندون بي . جونسون على إقرارها في الكونغرس أثر أغتيال الرئيس كنيدي العام 1963 . حرم قانون الحقوق المدنية للعام 1960 ، الذي صدر بموجب سلطة الكونغرس في تنظيم التجارة بين الولايات وفي تطبيق احكام التعديل الرابع عشر ، التميز العرقي ، وغيره من أشكال التميز في المرافق العامة والتوظيف والبرامج الممولة من قبل الخزينة الفدرالية . أدى تطبيق البند الأخير أكثر مما أدّاه أي أمر من المحاكم إلى تسريع إلغاء الفصل العرقي في المدارس العامة . إثر العنف الممارس ضد المشاركين في مسيرة المدافعين عن حقوق التصويت في ألاباما ، أصدر الكونغرس قانون حقوق التصويت للعام 1965 الذي ألغا أختبارات معرفة القراءة والكتابة وغيرها من الأختبارات المطلوبة من الناخبين في ولايات لها تاريخ عريق في التمييز العنصري ، خاصة بالنسبة لتسجيل أسماء الناخبين ، وكذلك أشترط على الولايات للحصول على " تأهيل مسبق " من المسؤولين الفدراليين قبل تمكنّهم من تشريع قوانين أنتخابية جديدة . أدى القانون العام 1965 إلى زيادات هائلة في تسجيل اسماء الناخبين الأميركييــن ، الأفريقييــن في الولايات الجنوبية وألى نقص مقابل في اللجوء الى الخطاب المؤيد للتمييز العنصري في المجالات السياسية . ومن خلال قانون الإنصاف في الإسكان للعام 1967، تحرك الكونغرس أيضاً لإلغاء التمييز العنصري في معظم المعاملات الإسكانية .


حـقـوق كـافـة الأ قـلـيـات


لم يكن الأميركيون الأفريقيون ، بالطبع ، الهدف الوحيد للتمييز العنصري في الولايات المتحدة . أن تاريخ الدولة في معاملة الأميركيين الأصليين مؤسف بنفس الدرجة. شّجع الكونغرس كما شجعت المحاكم لسنوات طويلة، التوسع في الغرب على حساب حقوق ملكية الهنود الحمر للأراضي ، وصادروا أراضيهم وعزلوهم في أحيان كثيرة ، داخل محميات لهم في ظروف معيشية بائسة .


ولكن في نهاية الأمر مُنح الهنود الحمر المواطنية وحق التصويت . وأبتداءٍ من الستينات حشدت مجموعات الحقوق المدنية للهنود الحمر قواها وحققت أنتصارات مهمة بالنسبة لصيد الحيوانات ، وصيد الأسماك ، وحقوق الأراضي ، بضمنها حماية المقابر والأماكن المقدسة الأخرى . لكن ، في قضية مهمة نظرت فيها المحكمة العليا العام 1990 ، رفضت هذه المحكمة توسيع أي حماية مهمة لأستعمال بعض القبائل للمخدر " بيوت " في المناسبات الدينية ، وقررت أن الممارسات الدينية عليها الألتزام بالقوانين الجنائية المحايدة دينياً ، بضمنها أنظمة المخدرات .


واجه الأميركيون المتحدرون من أصول أسبانية صعوبة مماثلة في تأمين أستيعابهم في الحياة الأميركية . جعلت الحواجز اللغوية والقلق القومي من الهجرة غير المشروعة ، بالأخص بالنسبة للقادمين من المكسيك ، من الإسبانيين أهدافاً محتملة للتمييز في التوظيف والإسكان والتعليم . بالإضافة إلى ذلك ، كانت اللغة الإسبانية هدفاً رئيسياً في الحركة الساعية إلى جعل اللغة الأنكليزية اللغة الرسمية للبلاد ، لكن الأميركيين الأسبانيين ، مثلهم مثل مجموعات الأقليات الأخرى ، حقـقـوا تقدماً في السنوات الأخيرة .


في العام 1982 ألغت المحكمة العليا سياسة أتبعتها ولاية تكساس تستثنى بموجبها الأطفال غير الحاملين للهويات ، المولودين من مهاجرين غير قانونيين ، من الدخول إلى المدارس الحكومية المجانية ، وأكد القضاة على أهمية التعليم بالنسبة لتطور الطفل في المستقبل.


ومع أن النساء الأميركيات لايشكلن أقلية عددية من أجمالي السكان في البلاد ، فقد تعرضن ، كما تعرضت النساء في معظم الدول ، بصورة تقليدية إلى مختلف أشكال المعوقات المستندة إلى أفتراضات تتعلق بالجنس . قبل تبني التعديل التاسع عشر للدستور في العام 1920، كانت المحاكم تؤيد قوانين الولايات التي حرمت النساء من حق التصويت . دعم عدد من القرارات السابقة القوانين التي تمنع النساء من ممارسة المحاماة ، والطب ، ومهن أخرى معينة . وبالفعل ، وحتى في العام 1961، أيدت المحكمة العليا قانوناً أصدرته ولاية فلوريدا يستثنى النساء من العمل في هيئات المحلفين مالم يُـعبّـرن بصراحة عن رغبتهن في ذلك . لكن يبدو أن الجنس لم يكن أكثر ملائمة من العرق كأساس مناسب لتوزيع الحكومة للفوائد والأعباء . رغم ذلك فقد ضلت النساء ، مثلهن مثل الأميركيين الأفريقيين ، مستثنيات بصورة منتظمة من العملية السياسية ، وبالتالي من فرصة ممارسة التحكم بمصائرهن .


أستناداً على هكذا أعتبارات ، شمل الكونغرس الجنس بين أشكال التمييز المحرومة في التوظيف التي يغطيها قانون الحقوق المدنية للعام 1964 . منع القسم التاسع من التعديلات التعليمية للعام 1972 المدراس التي تستلم معونات من الخزينة الفدرالية التمييز ضد الطالبات من النساء . تحت ضغط مارسته في نفس السنة ، المنظمة الوطنية للنساء ومجموعات أخرى ، أقترح الكونغرس على المدارس التشريعية للولايات تصديقها للتعديل المتعلق بالحقوق المتساوية ، والذي ينص على أنه : " لايجوز لحكومة الولايات المتحدة أو حكومة أي ولاية أن تمنع أو تختصر المساوات في الحقوق بموجب قانون بسبب الجنس " . كما منح الكونغرس لنفسه سلطات تنفيذية في هذا الأطار . وفي نهاية الأمر فشل التعديل المتعلق بالحقوق المتساوية في كسب موافقة العدد الضروري من الولايات ، ورفضت المحكمة العليا ، بصورة عامة , معادلة تصنيف الجنس مع ذلك المستند إلى العرق . لكن في العام 1971، ألغت المحكمة العليا وللمرة الأولى ، قانوناً يميّز بين الجنسين أستناداً إلى مبدأ " الحماية المتساوية "


وبعد بضع سنوات تالية ، قررت أغلبية المحكمة بأن القوانين المستندة إلى الجنس " شبه مشكوك فيها " ويمكن تأييد صلاحيتها فقط أذا كانت تتعلق ، إلى حد كبير ، بمصالح حكومية مهمة . وبما أن النساء وحدهن يحبلن فإن حق الإجهاض المثير للجدل الذي أعترفت به المحكمة في قضية رو ضد ويد (1973)، أعتبر أيضاً من قبل نساء عديدات بأنه حماية ضد التمييز المستند إلى الجنس ، كما ضمانة للخصوصية الشخصية .


كانت الولايات المتحدة بوجه عام مترددة أكثر في تحريم التمييز المستند على التوجه الجنسي ، أو بالأعتراف بحق الراشد الموافق بممارسة علاقات جنسية مثلية . أضاف عدد من المدن والمقاطعات ، أو الولايات التفضيل الجنسي بين الأشكال التي يُمنع تصنيفها وذهب عدد قليل منها إلى حد الأعتراف بالزواج بين اللواطيين . في قضية رومر ضد إيفانز (1996) ، ألغت أغلبية من 6 - 3 في المحكمة العليا ، أستناداً إلى مبدأ الحماية المتساوية ، تعديلاً دستورياً قامت به ولاية ، تمّ بموجبه إالغاء كافة الأنظمة الحالية والمستقبلية والتي تحمل الأشخاص من التمييز أستناداً إلى التفضيل الجنسي . رغم أمتناعها عن أعتبار اللواطيين فئة محمية بشكل خاص ، أدانت المحكمة التعديل لكونه محاولة يمنع على الولاية أن تقوم بها لوضع اللواطيين في منزلة مواطنيين من الدرجة الثانية .


في العام 1971 ، أعلنت المحكمة العليا برئاسة برغر أن الوضع القانوني للمهجرين غير القانونيين هو مشبوه دستورياً ، ووعدت بأخضاع القوانين التي تمييز بين المواطنين الأميركيين وغير المواطنين إلى مراجعة قضائية صارمة . وقد ألغت في قرارات لاحقة عدداً من القوانين التي تمنح الفوائد العامة إلى المواطنين والأجانب تستحق مراعاة أكبر من التشريعات المماثلة التي تصدرها الولايات . كما أعترف أيضاً بالأستثناءات للمبدأ العام بالمعاملة المتساوية بين المواطنين وغير المواطنين فأيدوا عدداً من الأنظمة التي تحصر التوظيف في الدوائر الحكومية بالمواطنين فقط .


على أساس العلاقة العامة بين التقدم في السن والتمكن من أداء واجبات العمل رفضت المحكمة العليا أعتباراً تصنيفات السن في التوظيف بأنها " شبه مشبوهة ". لكن نظراً للنفوذ السياسي المتنامي للمتقدمين في العمر . فلا عجب بأن أصدر الكونغرس عدداً من الحمايات ضد التمييز بسبب السن . مثلاً يشمل قانون الحقوق المدنية للعام 1964 السن بين الأشكال الممنوعة من أشكال التمييز في التوظيف . منذ الحرب العالمية الثانية حاول المحاربون القدامى ، وغيرهم من الأميركيين العجزة ، الضغط على أعضاء الكونغرس طالبين الحماية من التمييز المستند على الإعاقة . في العام 1990 قام تحالف من أجل إقرار مثل هذا التشريع بإقناع الكونغرس بتبني قانون الأميركيين العاجزين . عرّف القانون العاجز بأنه المصاب بإعاقة بدنية أو عقلية تقيد " نشاطاً حياتياً " واحداً أو أكثر . وقد ضمن القانون حق المشمولين به بالوصول ألى المرافق العامة ، وفرص التوظيف ، وخدمات المواصلات . وأجبر أصحاب العمل وغيرهم بإجراء بعض التعديلات الضرورية لتأمين الألتزام بأهداف القانون . ذهب قانون الأميركيين العاجزين بعيداً بأتجاه تقليل العوائق التي تواجه العاجزين في التوظيف، والتعليم ، ومجالات أخرى. رغم ذلك، فقد فسرت المحكمة العليا في عدد من قراراتها أحكام القانون بصورة ضيقة. على سبيل المثال، في قضية نظرت فيها المحكمة عام 1999 قررت أغلبية القضاة بأن قانون الأميركيين العاجزين لايفرض على شركة طيران توظيف طيارين يعانون من قصر النظر رغم أن هذا العائق قابل للتصحيح.


السجال حول قانون "فرص للأقليات"


واجهت المحكمة العليا تحت رئاسة برغر ورينكويست أيضاً قضية تمييز لم يـُفـرض على المحكمة تحت رئاسة وارن أن تواجهها ، ألا وهي النقاش المزعج حول قانون " فرص للأقليات " . في جهودها لعلاج تأثيرات الأنحياز الماضي ضد الأقليات العرقية والنساء في برامج تـُقدم درجات مختلفة من التفضيلات للأقليات والنساء في قرارات القبول في المدارس، والتوظيف، والتقدم . أكد مؤيدو مثل هذه البرامج على أنها إجراءات مؤقتة لضمان المعاملة المنصفة لأعضاء مجموعات تعرّضت تاريخياً إلى تمييز مقصود ، كما لتسريع قيام مجتمع مندمج بالفعل. وشدد المدافعون عن " الفرص للأقليات " على أنه عندما قام الرجال البيض ، وخم الضحايا المقترضون لمثل هذه البرامج ، بأتهام هذا العمل على أنه " تمييز عكسي " فقد ردّ مناصرو " الفرص للأقليات " بأنه من الصعب مقارنة هذه المجموعة البيضاء الراسخة بالأميركيين الأفريقيين ، وبغيرهم من المجموعات التي تعرضت لمدة طويلة لسوء المعاملة أستناداً إلى عرقهم أو لون بشرتهم ، ولذلك فلا يحق لهم الآن الحصول على حماية قضائية خاصة . بالأضافة إلى تأكيدهم على أن برامج " الفرص للأقليات " تـُشكّـل " تمييزاً عكسياً " مخالفاً للدستور أشار النقاد إلى أن " الفرص للأقليات " يخالف مفهوم الدستور " المصاب بعمى الألوان "، وينتهك مبدأ التقدم أستناداً إلى الجدارة ، ويزيد من حدة القتال العرقي ، وربما يـُوَلدُ مشاعر بالدونية لدى الذين صممت هذه البرامج لمساعدتهم .


كانت ردّة فعل المحكمة العليا تجاه القضايا التي تتحدى برامج " الفرص للأقليات " مختلطة . في أول قضية رئيسية نظرت فيها المحكمة العليا وهي مجلس أوصياء جامعة كاليفورنيا ضد باكي (1978) ، واجهت المحكمة نظاماً من الحصص ينص بحيث تـُخصص نسبة 16 من كل 100 مقعد في السنة الأولى في كلية الطب تابعة للولاية للأقليات . لعب القاضي لويس باول ، الذي أعطى الرأي الرئيسي في القضية ، دوراً محورياً حقيقياً في قرار المحكمة . متحدثاً عن نفسه وعن أربعة قضاة أخرين ، ألغى باول الحصص المعترض عليها ، وقرر القاضي أن كافة التصنيقات العرقية معرضّة لمراجعة قضائية صارمة بغض النظر عن العرق المتأثر بها ، وأنه لاتوجد أي مصلحة تعتبر ضرورية يمكنها دعم سياسة قبول الطلاب تستند على العرق فقط . قرر باول ومجموعة أخرى من أربعة قضاة ، رغم ذلك ، بأن مصلحة أي ولاية في تأمين جسم طالبي متنوع هي مهمة إلى درجة تكفي لتبرير أخذ العرق في الأعتبار إضافة إلى عوامل أخرى ، عند أتخاذها قرارات القبول هذه .


في قضية عمال الصلب ضد ويبر ، التي نظرت فيها المحكمة في السنة التالية ، أقرّت أغلبية المحكمة العليا القرار المشترك للشركة ونقابة عمالها بمنح نسبة 50% من وظائف معينة إلى أفراد من الأقليات ، وذلك إلى أن تصبح النسبة المئوية للأقليات من العمال مقاربة لنسبة الأقليات من أجمالي عدد القوى العاملة في المنطقة . أبدى أولاً بريان ويبر ، وهو العامل الأبيض الذي تحدّى الحصص التي أقرتها الشركة ، بأن هذا التدبير ينتهك أحكام التمييز في التوظيف المنصوص عليها في قانون الحقوق المدنية للعام 1064 . قررت أغلبية أعضاء المحكمة ، رغم ذلك ، بأن ذلك التشريع لم يقصد منع قرار طوعي أتخذته شركة لفرض حصة عرقية كوسيلة لتصحيح أثار التمييز السابق في التوظيف في منطقة ما ، وأثناء الفترة الباقية من رئاسة برغر للمحكمة العليا أقرّت المحكمة ، كما أبطلت ، مجموعة متنوعة من الأجراءات المتعلقة ب " الفرص للأقليات " . ففي قضية فوليلوف ضد كلوتزنيك ، أتخذت المحكمة قراراً يدعم قانون أصدره الكونغرس خصص نسبة مئوية من أموال الأشغال العامة إلى مؤسسات الأعمال التجارية التي تملكها أقليات . أوضح القضاة أن مثل هذه البرامج الفدرالية ل " فرص الأقليات " تستحق مراعاة أكبر من نظرائها في الولايات والمحليين . وفي ظل رئاسة رنكويست تبنى قضاة المحكمة العليا مبدئياً هذا الموقف الذي أتخذته محكمة برغر . ولكن في قضية شركة اداراند كونستركتورز ضد بينا (1995) ، أقرت الأغلبية بأنه يجب أخضاع الترتيبات الفدرالية كما تلك المتخذة في الولايات إلى نفس الدرجة من المراجعة القضائية الصارمة .


توسعت مؤخراً معارضة المحكمة ل " القرص للأقليات " لتشمل عملية الأنتخابات. في قضية شو ضد هانت (1996) ، وفي أحكام أخرى، سمحت المحكمة العليا للناخبين البيض بتحدي مايعرف بمناطق الأغلبية - الأقلية في أنتخابات الكونغرس التي ينتخب منها أعضاء مجلس النواب . بضغط من وزارة العدل ، إثر عملية الأحصاء القومي للسكان العام 1990 ، أنشأت عدة ولايات مناطق يشكل فيها الأميركيون الأفريقيون أو الأسبانيون أغلبية أنتخابية . يتوفر في هذه المناطق فرصة أفضل لمرشحي الأقليات بأنتخابهم إلى الكونغرس . إلى حد ما أيدت المحكمة أنشاء هذه المناطق الخاصة من خلال تأييدها لدستورية التعديلات التي أدخلت العام 1982 إلى قانون حقوق التصويت لعام 1965 . تنص هذه التعديلات على أن الأنتخابات غلى مستوى الولاية تصبح باطلة ليش فقط أذا كان لها قصد تمييزي ، بل وأيضاً إذا كان مضمونها يؤدي إلى تقليل فرص الناخبين من الأقليات بأنتخاب مرشحين يختارونهم . ولكن أغلبية ضيقة من قضاة المحكمة العليا قررت بأن مناطق الأغلبية - الأقلية تعتبر غير دستورية إن هي رُسمت لغرض هدفه الأساسي عرقي لتأمين أنتخاب مرشحي الأقليات .


عقيدة المساواة الفردية


من خلال قرارات قضائية ، وقوانين أصدرها الكونغرس، وفرض السلطة التنفيذية وتطبيقها ، والمواقف العامة المتغيرة ، تطوّر المجتمع الأميركي بثبات نحو الأعتراف بحقوق الأقليات في ظل القانون . حرّمت الولايات المتحدة إلى حد كبير الظلم الصارخ الذي أجبر على تحمله لمدة طويلة الأميركيين الأفريقيين ، وغيرهم من المجموعات المحرومة الأخرى . وقد أقتربنا أكثر من اليوم الذي تتأكد صحة الرأي المخالف للقاضي هارلان في قضية بليسي عام 1896 : " في نظر الدستور ، وفي عيون القانون ، لاتوجد في هذه البلاد طبقة من المواطنين متفوقة ، مسيطرة ، أو حاكمة : ليس هناك نظام طبقي هنا " .


بدأ الكفاح من أجل وضع حد للتمييز ضد الأقليات في الولايات المتحدة بصورة أولية في المحاكم القضائية ، وفي الكونغرس ، وفي المجالس التشريعية للولايات . حققت هذه الجهود نجاحها لسببين :

 


الأول ، هو حكم القانون والأعتقاد الراسخ من قبل الشعب الأميركي أن حتى ولو لم يوافق أفراد أو جماعات على قرارات المحاكم أو المجالس التشريعية التي تصنع السياسة ، فأنه يتوجب على المواطنين أن يطيعوا هذه السياسة . في حال عدم موافقتهم على هذه السياسة يمكنهم ممارسة الضغط على أعضاء المجالس التشريعية ، ورفع دعاوى أمام المحاكم ، وليس القيام بتظاهرات صاخبة في الشوارع .


والسبب الثانـي ، هو أن المعتقد المدني الأميركي ، كما جسّده الدستور ، ووثيقة أعلان الأستقلال ، وتقليد طويل الأمد أتبعته المجالس التشريعية والمحاكم ، يؤكد بأن كل الناس خلقوا متساوين وتحقّ لهم الحماية المتساوية بظل القانون . حتى إذا لم يحب أفراد من الأميركيين مجموعات مُعينة ، بسبب لون بشرة أعضائها ، أو أنماط حياتهم ، أو لغتهم ، فأن المعتقد الواسع الأنتشار في المساواة الفردية يُرغم الأميركيين على التعامل مع تحيزاتهم هذه . ورغم أن الدولة مازالت غير متحررة تماماً من تأريخها التمييزي ضد مجموعات معّينة ، فأنها ملتزمة بصورة علنية على أن تزيل ، في نهاية الأمر ، كافة مخلفات التمييز العنصري أو الأشكال الأخرى من التحيّزات .


وفي حين أن هذين المعتقدين ، حكم القانون والمساواة الفردية ، فد يرتبطان عن كثب بالتجربة التاريخية للولايات المتحدة ، فأن القاعدة العامة تبقى قابلة للتطبيق في كل مكان : وجوب معاملة الأفراد بالتساوي في ظل القانون . وبخلاف ذلك ، تكون الدولة تقوم بتشجيع النزاع المدني

www.bonjoursham.net
(129)    هل أعجبتك المقالة (111)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي