بعض العقليات الأمنية في بلادي ، لا زالت تعتقد ، وتؤكد ، أن جدار برلين ، لم يقع ، وأن الستار الحديدي لازال يلف المنظومة الاشتراكية .
على عكس عقليات أمنية أُخرى ، وفي بلادي أيضاً ، أيقنت ، أن العصر القديم قد ولى، وأن فجراً جديداً قد لاح على سوريا .
سوريا اليوم على مفرق طريقين : الطريق الأول ، وهو الذي سيصل بسوريا الى بر السلامة آلا وهو طريق التغيير ، تغيير عقول هذه النوعيات من رجال الأمن ، وتحولهم الى النوعية الثانية . أما الطامة الكبرى ، فهي عودة النوعية الثانية الى تفكير وعقلية النوعية الأولى، وعندها يكون البكاء وصرير الأسنان .
النوعية الأولى من رجال الأمن ، تسعى ، الى تدمير الوطن وشباب الوطن ، وقبل أن أُحدثكم ، عن روايتي . تُشبه هذه النوعية من رجال الأمن ، شخص يسكب الشاي في فنجان ، ويسكب ، ويسكب ، ويفيض الفنجان : هؤلاء كهذا الفنجان ، ممتلؤون بآرائهم وتفكيرهم وقمعهم وجبروتهم ، وبالتالي لا يمكنهم أن يروا الحقيقة إلا إذا أفرغوا فنجانهم !ويبدو أنهم لن يفعلوا . هؤلاء ، يعملون ويتصرفون ، كآلهة ، بيدها وهب الحياة وخطفها .
ماذا يفعل الاعتقال الخاطئ ؟ وكيف يدمر الشباب السوري ؟ وكيف يزيد أعداد الحاقدين على الوطن؟ .
ماذا يفعل الحجب الغبي ؟ وكيف يدمر المصداقية السورية؟ وكيف يُنقص من عدد المدافعين عن الوطن ويزيد من عدد المعارضين لسياسات القمع الغبى ؟
سأروي هذه الحادثة ، والتي كنت شاهد عيان عليها ، تابعتها منذ بدايتها ، وحتى نهايتها المأساوية . وكل ذلك بسبب سوء تصرف من جهة أمنية ، عمدت ، عن غير قصد ، وأجزم بهذا التعيبر (غير قصد) الى تدمير حياة شاب ، وهروبه من الوطن ، لينضم لاحقا الى الجماعات الحاقدة على الوطن . وهنا أجزم مرة أخرى ، أن هذا الشاب ، لم يكن يستحق ما حدث له .، وبالتالي خسرناه ، كما قد نكون قد خسرنا غيره من شباب الوطن ، من الذين لا نعلم بهم ولا بقصصهم .
حمدان ، هو الاسم الافتراضي لهذا الشاب ، والذي لا أعرفه ، ولا يعرفني . ولكن أعرف أقرباءه الذين يقطنون في نفس البناء الذي أسكنه .
تم اعتقال حمدان وابن خاله ، من قبل جهة أمنية ، بعد أن دس عليهما أحد المخبرين من أصحاب صالات الانترنت ، ووصل به الأمر الى تصويرهما ، أثناء دخولهما الى بعض المواقع (المعادية) . مع العلم أن الأثنين لا ينتسبان الى أي تنظيم ، ولا يمتان الى السياسة بأي صلة . أمضى الشابين أكثر من شهر في أحد الفروع الأمنية ، وبعدها تم الإفراج عنهما . 00.
الضغط النفسي الذي عاناه حمدان بعد خروجه ، كان كبيراً . من الأهل ، من الجيران ، من الأصدقاء . حمدان أصبح يسهر طوال الليل ، وينام في النهار حتى لا يستقبل أحد . حمدان ضاع عمله وضاعت دراسته . وأصبح كريشة في مهب الريح ، تتقاذفها الأفكار السوداء ، وضياع المستقبل ، والاستدعاءات بحجة ترجمة بعض المقالات . وأخيراً هرب حمدان وغادر البلاد ، وقد يكون أقسم أن لا يعود . ومرة أخرى ينزف الوطن ، ويخسر أبنائه ولأسباب لا تستحق كل هذا .
خرج حمدان من البلاد ، بعد أن ضاقت به فسحة الأمل والعمل . وفاجأني ، بتوقيعه على بيان مناهض للوطن ، ومن مدينة بيروت ، معقل الأصوليين السوريين والخونة من جماعة جبهة الخلاص . وبذلك ، نكون قد خسرنا شابا مجتهدا ذكيا ، بسبب بعض التصرفات الخاطئة ، لبعض الأشخاص من الذين لم يعو بعد معنى التغيير والتطوير والتحسين . من أجل الوصول الى سوريا الجديدة .
حادثة أُخرى هي قصة اعتقال الصديق القديم ، جبر الشوفي ، والذي بدأ معنا في التجمع الليبرالي عدل ، ونعرفه معرفة جيدة ، كما نعرف وطنيته ، وحبه لرئيسه ولوطنه . وكان استغرابنا كبيرا عند انضمامه الى عصبة اعلان دمشق . وقد أكون مصيبا في تقييمي له أو مخطئاً ، ولكن الشيء المؤكد ، أن الصديق جبر كان بحاجة الى كلمة صادقة وليس الى اعتقال ، كلمة تنبئه ، أن أمان وراحة ودراسة أولاده واستقرار أسرته ، لم يكن ليتوفر له لولا هذا النظام ، وأعتقد أنه سيعي كل ذلك . وبالتالي فإن اعتقاله كان خطأ كبيرا .
أما قضية حجب المواقع ، فهي جريمة كبيرة ، ارتكبها فاعل معلوم مجهول ، وموجهة ، ليس ضد من حُجبت مواقعهم ، ولكن ضد النظام نفسه . فهي أساءت وبشدة الى كل الوطن ، والى كل الوعود، وحتى الى خطاب القسم .
وأعجب بعدها ، من كل ادعاء ، بأننا نسير في طريق التغيير والتطوير والتحديث . والأكيد أن هذا الطريق لا يتفق أبداً مع الاعتقالات العشوائية ولا مع حجب الرأي الآخر ، ولا مع قمع الفكر .
بعض رجال الأمن في سوريا:
أنتم تفكرون وتعتقلون أكثر مما يجب ومما يلزم ، وحان الوقت أن تتوقفوا عن مخاطبة أنفسكم ؛ يعني هذا ، أنكم تديرون الوطن من خلال مزاجكم ورؤياكم ، فتقمعون حتى يتم كل شيء كما يجب ، وترددون مرة تلو المرة اختياراتكم الذاتية ، وباقون في قوقعتكم المألوفة .
ونعتقد جميعا ، أن الوقت قد حان لتتوقفوا عن اقناع أنفسكم ؛ أن الوطن هو ، أو يجب أن يكون ، كما تتصوروه أنتم . وعندها فقط ، سيتغير كل شيء ، ويُصبح الوطن أجمل مما تتصورون وتعتقدون وتعملون
. انتم وبصراحة مطلقة ، لستم مستعدون لأي تغيير في هذا الوطن ، ولكنها نصيحة لكم ، أن تُصغوا الى الآخر ، الى لغة العصر الجديدة، الى تجارب الآخرين ، كي يفسح كل ذلك المجال لحدوث بعض التغييرات في هذا الوطن ، الذي صادرتم قراره وحريته .
قد تكون هذه النصيحة غريبة على من أقفل أبواب التغيير ، والمتعود على القمع والحجب والاعتقال ، لكنها ليست غريبة ابداً على من يفكر جديا ، في كلمات القسم ، وفي سيرة حياة الرئيس الشاب ، وفي تطلعه الدائم ، لبناء دولة عصرية ، حرة ، متغيرة ، بعيداً عن قمعكم ، وحجبكم واعتقالاتكم للبشر .
حمدان الافتراضي وجبر الشوفي :
اياكم أن تكفروا بالوطن . الذين آذوكم واعتقلوكم ، لا يُمثلون الا حقبة ، لا بد أن تزول، الوطن أكبر كثيرا من هؤلاء ، الوطن ، لا حاجة لأن أُنبئكم عنه ، وأنتم أكثر حباً له مني ومن الذين اعتقلوكم . اصبروا الفرج آت ، والتغيير آت ، والفجر الجديد سيُشرق .
دمشق
الاعتقال والحجب والقمع ليست حلولاً للحفاظ على وطن .. د. الياس حلياني
بونجور شام
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية