لعلي أكره كثيراً الخوض في تفاصيل الواقع، لأن القاصي والداني بات يعرفها جلياً ولم يعد لإنسان عاقل أن يشرح له عن الواقع الذي يجري في سوريا، ودائماً ما كنت أكره مبدأ التشهير والذم بالأشخاص على الرغم من أن معارضتنا الميمونة جعلته منهاجاً تسير عليه، فما تكلمت مع أحد من أطرافها في الخارج وورد ذكر طرف آخر إلا وبدأ التشهير والتجريح والسباب على طرف آخر، على أنه هو من أخر الثورة، لكن الحقيقة أبعد من ذلك وأكثر ألما على النفوس.
من يجلس في الخارج لا يعلم ما يجري هنا وإن علم فإن الصورة لا تؤلم كما تؤلم الحقيقة وكما قال الشاعر: "لا يؤلم الجرح إلا من به ألم"
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي جعل المعارضة السورية تتشرذم إلى هذا الحد؟ وما هو الكيان المفترض به أن يولد حتى ينهي هذه المهزلة السياسية التي تربعت عرش الثورة وبدأت تخرج بها عن مسارها الصحيح ؟؟؟؟
فربما كان الحل الوحيد هو أن يمحى من رؤوسنا المنهج الأسدي الذي ترعرعنا عليه طيلت الخمسين عام الماضية والقائم على التهميش وعدم احترام الآخر فعلى الرغم من أننا هتفنا طيلت العام الماضي يسقط الأسد إلا اننا نعمل بكل جهدنا على إحياء منهجه هذا وحرصنا كل الحرص على كيل التهم لأنفسنا بالرغم من أننا في ظرف أشد حاجة به لأن نكون موحدين مهما كانت مشاربنا وآراؤنا ووجهات نظرنا.
فالإخوان المسلون والتيارات الدينة الأخرى والعلمانيون وغيرهم لو نظرنا إلى حقيقة ما يصدّروه عن الثورة السورية إلى العالم لوجدنا أنه بعيد كل البعد عن الواقع، ومن خلال ما قُرأ ولوحظ وشوهد أن الثورة السورية عُكست بوجهين، الأول قائم على التطرف الديني والتعصب المذهبي وهذا ما لا يتوافق مع الشعب السوري، والوجه الآخر قائم على الانحلال الخلقي والسير وراء الدول الحضارية المتقدمة، وفيه أيضا ما فيه من نقاط الضعف وبعيدا عن هذا وذاك، فإن كلا الوجهين لا يمثل الواقع السوري ولا يمت إليه بصلة، ولو انطلقنا من حقيقة أن الشعب السوري يمثل غالبيته المسلمين السنة فإن كل هؤلاء منهجهم إسلامي معتدل لا دعوى إلى التطرف أو عمل بالتعصب الديني ولا انجراف وراء الهوى والانحلال الخلقي، إنه وجه بين الوجهين وهذه الحقيقة التي عميت عن معارضتنا في الخارج، وعجزت عن إيصالها إلى العالم، فاللذين تبعوا الوجه الأول ظنوا أنهم لا يمكن أن يتنازلوا عن دينهم وفيه شيء من الحقيقة الدينية على الرغم من بعده عن الواقع، والذين ساروا في الركب الثاني ظنوا أنه لا سبيل للخلاص إن لم ترضى أمريكا و أوربا فتبعوا الغرب بالقول والعمل وهذا أيضا بعيداً كل البعد عن الواقع، ناهيك عن السياسية التي تقوم على الأنا والتي لا تزال متجذرة في رؤوس الجميع ولا سيما النخبة من المعارضة.
وكل هذه التفاصيل التي سبقت لعلها ما وضع المعارضة في متاهة لا يمكن الخروج منها، ولم يعد لأي من أطرفها معرفة الحقيقة التي يجب عليه أن يفعلها وخاصة أنهم يعيشون الأمان ويبنون أحلامهم السياسية على أشلاء ودماء الشعب السوري الذي ذهب ضحية بين مهدة النظام التي ما زالت تهوي بكل ثقلها، وسندان المعارضة التي ضلت وأضلت وضاعت واضاعت، فليسوا مستعجلين لكن عليهم أن يفكروا بروية حتى يصلوا إلى الحل المناسب الأمر الذي أنعكس عليهم سلباً، الشعب السوري شق طريقه بيده وبدأ ثورته بنفسه وعرف منذ بدايتها الأولى أن الثمن الذي يجب أن يدفعه باهظاً، ولكن بقية الحسرة على من يمثل المعارضة وبالتالي فكان لا بد من خط سير يسر المشتتون عليه وكانت الخطة التي وضعت مؤخراً والتي أوصلت أشخاص لا يمثلوا الواقع بشيء ولا يعترف عليهم الشعب السوري من قريب ولا من بعيد ولا تربطهم أية صلة بسوريا إلا الأيام القليلة التي كانوا يمضونها في سوريا عندما يؤتوا للسياحة والاصطياف كأي سائح آخر، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل زاد عليه عندما وصل العميد البطل مناف طلاس إلى رأس هرم المعارضة وبدؤوا يبيضوا ويلمعوا صفحته عند الشعب السوري، ظناً منهم أن الشعب السوري أحمق وأنه لا يفرق بين من أحسن إليه ومن أساء، ولكن من مشى لعام ونصف في هذا السبيل وأبحر في هذا المحيط الهائج لا بد أنه أصبح على دراية كبيرة بما ينجيه ورأى بكل وضوح من كان يدفع به للغرق أكثر، ومن كان يرمى له الحبال لينتشله من هذا الموت المحقق، وبعد هذا الطوفان العظيم نجا الشعب السوري وأشرف على شاطئ مخضوضر ولما وصلت أقدامه لتلامس رمال البحر وبدأ يتقدم نحو الأمام ليركز الخطى وينهي هذا المشوار المنهك فليس بحاجة لأحد يلمع له أسماء أو يقرب له أشخاص، وليعلم الجميع أن من استطاع الوقوف في وجه أعتى نظام لن يرهبه أقزام أوجدهم الفراغ السياسي الذي نشأ نتيجة انشغال الناس بالتظاهر ومقاومة الشبيحة والمجرمين.
فإلى كل من سولت لهم أنفسهم من الدول والمعارضة والعالم بأثره، اجمعوا مخططاتكم وارحلوا وزينوا منافكم في ملاهي بروكسل وأقبية فرنسا وارقصوا واسكروا فلا حاجة لنا بكم ولا لأي أحد يريد أن يأكل بدمائنا ويتاجر بأشلائنا فإنها إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية