أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فيروز لنا ... راغب الخباز

لأجل الفقراء غنت فيروز فلا تدعوهم في الخارج

عندما كنت طفلا صغيرا كان العالم بالنسبة لي هو بيتنا الصغير ،وأنا الأمير الصغير ، وفيروز هي ملاكي الحارس. كنت أرى طيفها كل صباح ،تأتي كي توقظني من نومي , ومن خلال صوتها أتخيلها ملاكا أبيض بجناحين كبيرين , تأتي كل مساء كي تغطيني بهما , وظل ساهرة إلى جواري تحكي لي قصص العصافير والأزهار والوديان والحب الطاهر , حتى أغفو.
لم أتخيل في يوم من الأيام أن فيروز حقيقية , لم أتصور أنها كائن بشري ولد مثلنا على هذه الأرض .
كانت قد حكت لي في إحدى ليالي طفولتي قصة إسمها "أنا وشادي" يومها بكيت كثيرا وتخيلت "شادي" هذا وحشا ذو قرنين كبيرين وأنياب بارزة وهو قادم كي يأخذ مني ملاكي.
كانت تبتسم وتقول لي أنها دائما معي وإن تركتني ستعود" إذا مش بكرا البعدو أكيد", وكان وعد فيروز بالنسبة لي كلاما منزلا .
اكتشفت بعد فترة أن فيروز ليست ملكا لي انا الأمير الحالم .
أن فيروز هي ملك كل الأطفال والرجال والنساء والفقراء...
فيروز هي ملك كل العرب...
هي ملك كل الملائكة والأنبياء والرسل..
ملك القدس ومكة ...
كنيسة المهد والكعبة
فيروز هي ملك الله
كبرت أنا وبقيت فيروز ملاكا
نمت من تعب نهاري وبقيت فيروز طوال الليل ساهرة
تدنستُ أنا بأغاني هذا العالم ووحدها فيروز بقيت طاهرة
كبرت أكثر وأكثر واكتشفت أن ملاكي موجود فعلا على هذه الأرض,وهو ملاك من لحم ودم , وإنسان مثلنا يأكل ويشرب وينام ويفرح ويحزن ,
وأصبح حلمي الجديد أن اشكرها على أمرين :
الأول: على ذكرياتي معها .
والثاني : على دخولها في تاريخ حياتنا البشرية .
بدأت أتابع أخبارها في كل مكان في الجرائد والمجلات والإذاعات والفضائيات وكانت مفاجأة مذهلة لي حين علمت أنها آتية إلى دمشق كي تقدم مسرحيتها "صح النوم "
بدأت أنتظر هذا اليوم كطفل ينتظر بابا نويل في عيد الميلاد كي يأخذ منه هديته , وأنا اعتقد أن بابا نويل يوزع هداياه مجانا .
وأخيرا أتى يوم عيدي , في هذا اليوم سأرى ملاكي , سأرى طفولتي , سأرى حبيبتي .
لبست أحلامي , وتعطرت بذكرياتي ,ولبست في قدمي فقري ومعاناتي .
وذهبت إلى حيث ستقيم مسرحيتها .ولكن وفي لحظة واحدة تحطم كل شيء , وهوت على رأسي ألاف المطارق ,أحسست برأسي يدور , وبدأت صفارات الإنذار تعصف به .
منعوني من الدخول إلى القاعة , وقالوا لي أن الدخول حكر على الأغنياء فقط ومن يملكون المال , وليس للفقراء حصة من الفرح .
وقفت في الخارج كئيبا حزينا خائبا خائفا .وعاد شبح "شادي" للظهور, رايته أمامي بقرونه وأنيابه .
التفتُّ إل الوراء هربا من بشاعته لأرى شركاء فقري خلفي .
رأيت مئات بلا ألاف الفقراء من كل أنحاء الوطن العربي .
رأيت أطفال فلسطين يحملون علمهم الجريح الباكي الحالم بالعودة . ( كما وعدتهم فيروز وفيروز لا تكذب ) ،رأيت كل مقدسات العرب .
لأجل هؤلاء غنت حبيبتي , لأجل هؤلاء بكت حبيبتي وتجسدت وتحولت إلى بشر .
وهؤلاء فقط بقوا في الخارج .
لم أستطع دخول مسرحيتها , وبقيت خارج أسوار الفرح .حالما بدأت بالغناء , بدأت أنا بالبكاء سمعتها وقررت أن أرقص على أنغامها رقصة الموت الأخيرة


(148)    هل أعجبتك المقالة (156)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي