أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بعض الاستنتاجات من مذكرات جورج تينت ... العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم

حين يقرأ المرء بعض مذكرات الساسة الأمريكيين يشعر بأنه  يقرأ فصول من مغامرات طرازن أو أرسين لوبين. وهذه طبائع من تكون شخصياتهم ركيكة وواهنة, أو مريضة, فيلجئوا لتحسينها وتجميلها بأقلامهم وكتاباتهم. ويحشوها بأكاذيب,مزيفين الحوادث, ليظهروا على القراء بمظهر جيمس بوند أو رجل الكابوي أو رعاة البقر. وكثير منهم يظهر صورته على انه زعيم وسياسي ليس له مثيل, ويفاخر بجهوده التي  لو لها لكانت بلاده في خبر كان.دون أن ينسى أن يتذلل للمنظمات الصهيونية,ويتباهى بما بجهوده المستميتة كمدافع صنديد عن دولة إسرائيل. والمرء وهو يقرأ بعض المذكرات يشعر بلذة, وهو يرى  الأقفال تنزع,والحجب ترفع عن الأسرار من قبل أصحابها دون خوف أو وجل. فيجد الأجوبة لبعض الأسئلة, ويكتشف الحقيقة ولو متأخرة عن موعدها عدة سنين. الكل يذكر قبل غزو العراق, كيف أتهم العراق بإخفاء ترسانة من أسلحة الدمار الشامل النووية والغازية والبيولوجية. وكيف راحت بعض وسائل الإعلام بجهل أو بمكر تخدع الشعوب بأن العراق يعرقل عمل فرق التفتيش,وكيف أن البعض أتهم القيادة العراقية برفضها قرارات الشرعية الدولية. وكيف رافق السيد جورج تينت وزير الخارجية الأمريكي كولن باول إلى مجلس الأمن المسرحية ليخدعوا العالم بتقرير وصور أستخباراتية, أكتشف فيما بعد أنها كاذبة ومفبركة. وكيف روج بعض القادة وأنظمتهم ووزرائهم ووسائط إعلامهم للغزو, ورحبوا به وبرروه وطربوا له سرا أو علانية,وراحوا يحملون القيادة العراقية المسئولية عن جر الولايات المتحدة الأمريكية لشن الحرب, وينهشون بمناقيرهم العراق والقيادة العراقية. وحتى أن بعضهم مازال حاقدا على سوريا بشعبها وقيادتها ورئيسها والسيدين فاروق الشرع ووليد المعلم لأنهم وقفوا ضد الغزو الأمريكي للعراق. والمؤسف والمحزن أن البعض منهم مع وسائطه الإعلامية مازال حتى الآن يظهر الشماتة والأحقاد بحق العراق وشعبه وقيادته والرئيس صدام حسين, فغليله لم يشتفي ويرتوي بعد, رغم ما حل بالعراق والأمة العربية من مصائب وكوارث. وما يحل به من إذلال وإهانة وتحقير على يد من رباهم من الخونة والعملاء ممن يحكمون العراق, أو ممن تحالف معهم وساندهم, ثم انقلبوا عليه  وراحوا يقرعونه ويهددونه بالويل والثبور وعظائم الأمور ويتهمونه بدعم الإرهاب فيما مضى وسلف. أو ممن راحوا يناصبونهم العداء مجددا بدون ذنب, مما أضطر بعض من أحس بخطر العدوان الأمريكي عليه أن يلجأ لمنطق التهديد بحق كل من تسول له نفسه التآمر عليه,كما تآمر على العراق من قبل.,أو أن سمح للقواعد الأمريكية المتواجدة أو المتمركزة على أراضي بلاده  في المشاركة بالعدوان عليه. أتحفنا جورج تينت في مذكراته, بوقائع تنسف كل ما روجته بعض وسائط الإعلام المتحالفة مع الغزاة. وكأنه يقول لقد خدعناكم وغررنا بكم. رغم أنه لم يذكر سوى جزء زهيد من الحقائق.لأنه بحكم منصبه يعرف حدود الأمن القومي الأميركي وأهمية الحفاظ على السرية والسر والأسرار في كل مجال. وهذا بعض مما ذكره:

  1. نسف وكذب جورج تينت في مذكراته كل ما أنتهجه وينتهجه ويصر عليه البعض.
  2. وكنى من تعاونوا معه بالعملاء وليس بالأصدقاء, وأساء إليهم حين ذكر بأنه حشدهم واشتراهم بالمال.
  3. وأعترف جورج تينت بأنه ووكالته عملا كاستخبارات مركزية أمريكية انطلاقا من شمال العراق وعبر حدود البلدان المجاورة إلى الجنوب والغرب منذ  بداية شهر تموز عام 2002م , وشكلوا فرق أجهزة ارتباط, وحققوا بعض النجاحات الاستثنائية وتمكنوا من تجنيد شبكات بأكملها من العملاء العراقيين.
  4. أعترف بأنه أرشد العسكريين الأمريكيين على أفراد داخل العراق لديهم القدرة على إقناع الوحدات العسكرية بالانشقاق عندما تبدأ الحرب البرية, إما بتبديل ولائها, أو بالاستسلام. ولكنه أقر بأنه لم ينشق الكثير.وهذا دفعه ليشجع خيار الاستسلام, وأوصل الرسائل للجيش العراقي بهذا الخيار قبل بدء الحرب.
  5. أقر بأنه قبل بدء الحرب بقليل سحب خيار الاستسلام ,لأن القوات الأمريكية قليلة على الأرض, بحيث أن نجاح حملة الحض على الاستسلام, سيؤدي بسرعة إلى أن تفوق أعداد أسرى الحرب أعداد القوة الغازية. فلجئوا إلى خيار جديد  كان قد أدرج في الموقف الاحتياطي . وهو حض وحدات الجيش العراقي أن تلقي سلاحها وتذهب إلى البيت. وبدأ الجيش الأميركي يلقي مناشير من الجو تحمل تلك الرسالة وذاك الاقتراح.
  6. أعتبر أن تبرير بريمر أمره المثير للجدل بحل الجيش العراقي في 23آيار 2003م, على أن الجيش العراقي هو من حل نفسه بنفسه غير صحيح, لأن الجيش العراقي فعل ذلك بناء على طلب الحكومة الأمريكية, ولم يكن يتوقع أن يعزل جنوده حاملين سلاحهم معهم,دون وسيلة لإعالة أسرهم.
  7. أعترف بأنه كان يزور ضباط الـ "سي آي أي" في عدد من القواعد السرية في الصحراء في غرب العراق وجنوبه وشماله قبيل الحرب بفترة طويلة. وقد أقيمت القواعد في أماكن بعيدة عن لتدريب الشبكات القبلية العراقية, وتجهيزها بحيث تتمكن من معاودة الدخول إلى البلد للمراقبة والتخريب, وإرسال البيانات إلى القوات الأمريكية. وكان الضباط والعناصر في هذه القواعد يقيمون في خيام منذ أشهر استعدادا للحرب, وكانوا متلهفين على ابتدائها, وكان كثير منهم شبانا وشابات. وأن زياراته كان هدفها رفع روحهم المعنوية, والثناء عليهم. ولكنه أقر بأنه في قراره نفسه قلق لأن العديد منهم يمكن أن يموتوا عما قريب.
  8. أعترف  بتنسيقه مع مفرزة  بقيادة اللواء محمد عبد الله الشهواني, والذي كان قائد القوات الخاصة في أثناء الحرب الإيرانية, وقاد هجوما محمولا بالمروحيات على تلة يحتلها الإيرانيون أثناء الحرب العراقية الإيرانية. وأعترف بأن الشهواني ضم إلى وكالة المخابرات المركزية عام 1991م. وأصبح المفتاح لإنشاء شبكة قوية تابعة لوكالته داخل العراق. وأن الشهواني واصل عمله دون كلل لإنشاء الشبكة, وساعد الوكالة في الاتصال بالقادة القبليين والدينيين العراقيين قبل عدة أشهر من الغزو. وساهم  الشهواني أثناء الغزو في إنشاء وقيادة المجموعة شبه العسكرية العراقية التي ترعاها الوكالة وتعرف باسم العقارب.
  9.  أقر تينت بفضل الشهواني وغيره  من تمكين فرق وكالته في الساعات الأولى والأيام والشهور التي سبقت الحرب من التسلل إلى العراق, والالتقاء بالشبكات القائمة لمحاولة منع الجيش العراقي من تدمير جسور عبور القوات لنهر الفرات والوصول إلى بغداد. والتقت هذه الشبكات وتعاونت مع فرق أخرى من العملاء الذين يعملون على منع الرئيس صدام حسين وقيادته وقواته من إحراق حقول النفط في الجنوب.
  10. أقر بأنه كان لوكالة المخابرات المركزية الدور الأكبر في تخطيط وتنفيذ العدوان على العراق. حيث أنتقل ضابط الوكالة الكبير تشارلي س إلى الدوحة. وكان ملازما لطومي فرا نكس. وكان العضو الأكثر أهمية في فريق القيادة العسكرية. وكان يقدم معلومات موثقة لطومي فرا نكس, ويتدخل  لتعديل خطط العمليات, في كثير من الأحيان. وأورد مثال على أنه حين علمت القيادة الوسطى باختباء ضابط  مخابرات عراقي كبير في مكان ما, كان قرار القيادة الوسطى توجيه صاروخ توماهوك إلى نفس المكان, إلا أن تشارلي أقنع القيادة بإرسال قوات برية إلى الموقع رغم صعوبته لأسره للإفادة من معلوماته وهذا ما حصل.
  11. أعترف جورج تينت بأنه تمكن من إقناع إحدى المجموعات العراقية الموحدة بانتمائها الديني, بأن بلاده جادة هذه المرة بالتخلص من الرئيس صدام حسين,وأنه قدم لزعمائها مليوني دولار.وأن هذه المجموعة كانت تحضر أسبوعيا أربعة ضباط عراقيين ليستجوبهم فريق سي آي أي في جهاز الارتباط شمال العراق, وكان ضباط الوكالة ينادون زعيم الطائفة الدينية باسم البابا حين يحضر هذه الاجتماعات, وحين كان المستجوبون يرفضون الإجابة عن بعض الأسئلة لأنها سرية جدا, يتدخل هذا البابا الذي يحضر باستمرار, ويوعز إليهم بضرورة الإجابة,وكان يطيعون فورا, وأن أحدهم سلمهم قرصا مدمجا يحتوي على لائحة بأسماء أفراد منظمة الأمن الخاص للرئيس صدام حسين, وتبين أنها معلومات  صحيحة ودقيقة. وحتى أنه أقر بان هذه المعلومات  مكنت وكالته من تحديد عدد كبير من العملاء المزدوجين الذي حاولت أجهزة المخابرات العراقية زرعهم في أوساط وكالة المخابرات المركزية وفي فرق العملاء.  وحتى أن آخرين قدموا لنا معلومات عن مواقع منصات الصواريخ, وأبلغوهم متى تختبر بطاريات الصواريخ, وتمكنت طائرات الاستطلاع الأمريكية من تدقيق هذه المعلومات,وتبين أنها صحيحة.وبفضل هذه المعلومات تمكن الجيش الأميركي من تدمير الصواريخ الجوية والأرضية بسهولة عند بدأ الحرب.

المذكرات نشرت فصولا منها كثير من الصحف والمجلات وبعض وسائط الإعلام لمن يريد الاطلاع عليها أكثر فأكثر.عديدة. ولكن الذي  يستوقف قارئها  أو متابعها كثير من الأمور التي أراد السيد جورج تينت من  الإشارة إليها في مذكراته بطرف خفي. وكذلك ترويج بعض الإساءات لخصومه والعرب, ومنها على سبيل المثال:

    • أن إدعاءات الرئيس جورج بوش وباقي رموز إدارته بأن المعلومات الاستخبارية كانت ناقصة ومضللة وغير متوفرة هي إدعاءات  نسفها جورج تينت في مذكراته بكل بساطة.
    • أن جورج تينت أعترف بأن نشاط وكالة المخابرات الأمريكية يسبق الإحداث, وكل ما ينشر في وسائط الإعلام بفترة طويلة. وأن التحرش بدولة سياسيا وإعلاميا يأتي بعد أن يكون قد مضى فترة طويلة على نشاط وكالة المخابرات المركزية ضد هذا البلد. وهذا يفهم منه على أن الاغتيالات وأعمال التخريب تخططها الوكالة مسبقا, وتحدد شبكات من العملاء لتنفيذها,وأنها تنسق سلفا مع بعض الحلفاء, وتدفعهم لمناصبة العداء لهذا البلد.
    • أن السيد جورج تينت أوحى في مذكراته أن الوكالة تعرف أدق التفاصيل عن كل صغيرة وكبيرة في هذا العالم. وهذا معناه أنها تتغاضى أو تهمل أو تشوه أو تزيف أو تزور أو تتجاهل أو تضلل, أو تعطي الأولية لحدث ما, وتبرزه  على غيره,وتظهره بشكل لا يتطابق والحقيقة والواقع, وإنما وفق ما يخدم سياستها ومصالحها الخاصة ومصالح الصهيونية وإسرائيل.
    • ويفهم من فحوى مذكرات  تينت أن معاداة الولايات المتحدة لبلد ما, أو دفاعها عن قضية, أو إثارتها لمشكل, أو دعمها لفريق, أو عدائها لفريق, لا علاقة له بقضية السلم والأمن العالمي, أو بتحقيق مصالح إنسانية, وإنما هدفه درأ المخاطر عن المصالح الاستعمارية والامبريالية والصهيونية وإسرائيل. والقضاء على كل من يشكل خطرا على هذه  المصالح.
    • ويفهم من مذكرات السيد تينت بأن من طبيعة الإدارة الأمريكية معاداة كل نظام وطني يرفض الاستسلام, وكل شخصية وطنية مخلصة وشريفة. وأن معاداتهم  والتهجم عليهم من قبل بعض الأنظمة وبعض وسائط الإعلام إنما هو قرار أمريكي وصهيوني وإسرائيلي. وحتى من يعادي سوريا أو يتهجم على رئيسها وقيادتها إنما يخدم الإدارة الأمريكية وإسرائيل قصدا أو بغير قصد.
    • أن السيد تينت وضح بأن  أي تحرك لخائن أو عميل أو متحالف مع الإدارة الأمريكية, إنما يتم بشكل مخطط ومنهجي ومدروس ووفق خطة صادرة عن وكالة المخابرات الأمريكية, وليس بشكل عشوائي ومزاجي كما يحاول أن يضلل البعض الجماهير والشعوب بأكاذيبه وترهاته. وهذا مطابق لما أنتهجه وينتهجه عملاء العراق وقوى الأكثرية في لبنان وسلطة محمود عباس.
    • إن السيد جورج تينت في مذكراته  أساء لمن تعاونوا معه من العرب والمسلمين في غزو العراق, حين كشف أن بعض من العراقيين وبعض من رجال الدين والعملاء بأنهم كانوا يقبضون الرشاوى, وأنهم يبيعون كل شيء لقاء المال, وهذا دليل حقده على العرب والمسلمين.
    • وأن مذكرات السيد تينت تثبت بالدليل القاطع أن الإرهاب والإجرام والعدوان وانتهاك حقوق الإنسان, وممارسة الخطف والتعذيب والقتل وحتى عمليات الاغتيال, هي بضاعة أمريكية وهي ما تمتهنه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية, والتي هي أسوأ الأجهزة الأمنية على الإطلاق.
    • والرئيس جورج بوش وجه ضربة قاصمة لمذكرات تينت, حين نكص على عقبيه يستجدي بعض فصائل المقاومة والعشائر بالتعاون معه لإنقاذ جيشه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه فيما يسمى بالصحوات, وكأنه يريد أن يقول أن جهود وكالة المخابرات المركزية عقيمة, وأنها سبب الهزيمة والفشل وكل ما حل ببلاده والعراق وسبب كل مصيبة وبلاء. وتصرفات الرئيس بوش وقادته العسكريين الجديدة توحي بأنهم  قرفوا  وضجروا وضاقوا ذرعا من التعاون مع الخونة والعملاء. وخاصة أنهم على ما يبدوا يزرعون الفتن فيما بينهم ليتخلصوا منهم في كل مكان.

 كنا نتمنى على جورج تينت  لو  أنه بين للشعوب وشعبه في مذكراته لماذا ينتعش الإرهاب والإجرام وعمليات الاغتيال بهذه الكثافة والتخطيط والحجم في كل مكان تتواجد فيه قواعد عسكرية أمريكية, أو شيكات لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية والتي هم بهذه القوة والتطور وحجم التقنية الهائلة للمراقبة والحصول على المعلومات بأدق التفاصيل؟ وهل أن هذا مرده إلى أن الإدارات الأمريكية تهدف إلى زعزعة استقرار هذه البلدان, أو تخويف وإرهاب أنظمتها لتبرير بقاء وجود قواتها وشبكاتها هناك, أم أن الهدف إبقاء الشعب الأمريكي يحيا في أعلى درجات من الخوف والقلق والرعب  والخطر لتبرير جر أبنائه إلى الحروب؟ أم أنها كل هذه الأمور مجتمعة؟. ومع أن جيري بريمر المتهم بسرقة عدة مليارات من النفط ومشروع إعمار العراق, والذي جند مع رامسفيليد شركات المرتزقة  ونقلها إلى العراق سبق تينت في نشر مذكراته, والتي  نفى فيها رواية أن الرئيس صدام حسين أعتقل في جحر كما روجت بعض وسائط الإعلام والقوات الغازية, وفضح شره عملاء العراق للإجرام والسرقة والنهب والفساد, وكال كثير من التهم لإدارته. ومن يدري بعد أن نشر كثير من الصقور والمحافظين الجدد المتصهينيين مذكراتهم هم أيضا, أن ينشر الرئيس جورج بوش والسيدة رايس وغيرهم مذكراتهم  بعد انتهاء عمر ولايتهم مستقبلا ويفضحون فيها كثير من أكاذيبهم وعملياتهم الإجرامية والإرهابية والعدوانية في كل مكان.   

    الأحد 6/1/2008م       

(121)    هل أعجبتك المقالة (122)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي