بعد كل المقدمات المدائحية التي قيلت بفيروز العظيمة ... لم يقل أحد بأنه كان واحداً من الناطرين على (موقف دارينا) ...نعم كنت هناك بجانبها ...أراقب قسمات وجهها بعدما تركونا ننتظر كثيراً...كانت فيروز بكل أبهتها وجديتها الساحرة تدندن لحناً لعاصي الرحباني ...بينما كنت مصراً على البقاء بجانبها رغم مرور عدد كبير من الحافلات التي أومأت ولكنني رفضت..إذ ليس معقولاً أن أحلم برؤية فيروز عن قرب ..وتحين الساعة وأغادرها لمجرد أنهم (نطرونا كتير) ...فالانتظار في حضرة فيروز هو طقس مشابه للصلاة ...مع أن الصلاة يمكن أن تقصرها ..ويمكن أن تجمع بين أكثر من وقت لها ...لكن فيروز لا يسمح لك عمرك ربما برؤيتها ..إلا مرة واحدة فقط .
غادرت فيروز بعدما ملت الانتظار ...غابت... ولم تعلم أنني (شادي) ...الذي ستنده عليه كثيراً لكنه لن يجيب ...نعم يا سيدة الصباحات على مر الأزمنة ... لقد تركتني ولم تأبهي لوجودي ..مع أنني لم أكن أتوق لأكثر من نظرة تشعرني أنني حاضر في الوجود الذي أصبحت أكثر من صباح لفضائه...
عدت إلى منزلي سيراً على أغانيك الفاتنة ...(والهواء ينسم علي) من كل الاتجاهات ...وإحساس غريب يتلبسني ..إحساس برغبة تقمص الأشخاص والبلدان...فلو كنت لبنان لقالت لي (بحبك) ...ولو كنت وديع الصافي ...كانت ستسمع ما يقوله جيداً ( كان ياما كان في بنت وصبي) ..وكانت ستصدق بأنني (الصبي)...وكانت ستحبني كثيراً وستحنو علي مثلما حنت على (زياد)... وربما كانت ستتبناني وأصبح شقيقه الوحيد ...فأتمتع بحياتي مرتين :
الأولى أنني (سأتمرجح بقلبها) ليس في كل عيد بل في كل يوم
والثانية أنني سأقول لها :( ياحنونة) كل صباح وأقبل يدها ...وخيلاء تسيطر علي بأنني أقبل الكون .
ليتها التفتت علي على المفرق ...وليتها تأكدت من أن السيارة التي تعطلت معها كنت صاحب الورشة التي تبحث عنها.
كل هذه الخواطر تلبستني وأنا أقلب محطات الراديو في الصباح ...وفيروز تحتلها... إنها المحتل الوحيد الذي ترفع راسك وأنت تستمع إلى خطاباته...وتبارك احتلاله...فيروز في أي محطة عربية ...لذلك علي أن أخاطب المناهج الدراسية السمجة ...أن تلغي كل عوامل الوحدة العربية المتعفنة ..وأن تبقي (فيروز) لأنها العامل الصادق والحقيقي الوحيد .
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية