أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

اليسار السوري و الثورة ... مازن كم الماز

عرف تيار قاسيون الشيوعي الرسمي الذي يقوده قدري جميل بانتقاده اللاذع للسياسات النيوليبرالية لحكومة العطري السابقة و التي اعتبر نائب رئيسها للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردي مهندسها الفعلي , لذلك أثار تعيين قدري جميل في منصب الدردري السابق أي نائبا لرئيس الحكومة الجديدة للشؤون الاقتصادية ( و وزيرا للتجارة فيها ) موجة من السخرية و التهكم .. لا شك أن هدف النظام السوري من توزير قدري جميل هو هدف سياسي محض , لقد قدم إعلام النظام قدري جميل على أنه نموذج "للمعارضة الداخلية الشريفة" التي لا يجد النظام أية مشكلة في "الحوار" معها و في فتح وسائل إعلامه أمامها لتشارك في الكذب و التزوير الذي تمارسه ماكينته الإعلامية ضد الثورة السورية .. إن وجود قدري جميل في الحكومة هو جزء من مسرحية الإصلاحات التي يحاول النظام إخراجها بفشل كبير منذ اندلاع الثورة .. لا يشكل توزير قدري جميل في منصب يفترض أنه مؤثر في صنع و تنفيذ السياسات الاقتصادية أية دلالة على تغيير جدي في سياسات النظام الاقتصادية , إن الموقع الوزاري الذي سيحتله قدري جميل يلعب دورا تنفيذيا فقط في آلية صنع سياسات النظام السوري , الاقتصادية و غيرها , التي يجري تقريرها في مكان آخر تماما , في قمة هرم النظام تحديدا .. و يذكر السوريون جيدا مصير محاولة سابقة كانت تبدو أكثر جدية يومها جرت في بداية عهد الأسد الابن أيضا عندما نجح بإقناع الدكتور عصام الزعيم بتولي وزارة الصناعة كجزء من عملية "إصلاح" الاقتصاد كان يجري الترويج بأن رأس النظام كان يحاول إطلاقها , و التي انتهت باتهام الزعيم بالفساد و الحجز على أمواله كوسيلة اغتيال شخصية غير دموية , و لم تجر تبرئة الرجل إلا بعد موته .. يتهم اليسار السوري , الرسمي منه "المتحالف" مع النظام و بدرجة ما أيضا تنظيماته خارج الرسمية , تلك السياسات النيوليبرالية بالمسؤولية المباشرة عن اندلاع الثورة السورية , و التي كان اليسار الرسمي قد انتقدها من موقف إيديولوجي يدافع عن نموذج رأسمالية دولة "الرعاية الاجتماعية" مثلما فعل جزء مهم من بيروقراطية القطاع العام نفسه و بيروقراطية ما تسمى بالمنظمات الشعبية أي النقابات البيروقراطية التابعة للنظام , لكن هذا اليسار الرسمي لم يمارس أكثر من "ممانعة" إعلامية ضد هذه السياسات مؤكدا أنه قد دمج منذ وقت طويل بماكينة النظام البيروقراطية و أن مصيره قد أصبح مرتبطا بمصير النظام ككل , أي باستبداده و نهبه المنفلت لغالبية السوريين , و ليس التوزير الأخير لقدري جميل إلا دليلا آخرا على هذا .. بالمقابل لم يستطع اليسار السوري الثوري المنخرط في الحراك الثوري , لم يستطع حتى اليوم أن يطور رؤية بديلة واضحة عن نموذج رأسمالية الدولة أو النموذج النيوليبرالي اللذين مارسهما و طبقهما النظام السوري و اللذين يلهمان في نفس الوقت قطاعات كبيرة من المعارضة السورية .. خلافا لزعيمهم الذي أصبح اليوم وزيرا في الحكومة , فإن شيوعيي قاسيون و غيرهم من الأحزاب و التنظيمات الرسمية و غير الرسمية و غير الحزبيين سيبقون في الشوارع مع بقية السوريين الذين يناضلون في سبيل تغيير جذري في حياتهم , في سبيل إسقاط النظام الذي يقمعهم و ينهبهم , و بينما سيجلس قدري جميل منذ الغد في مقعد وزير التجارة يوجد الكثير من شيوعيي تنظيمه في سجون النظام بينما استشهد عدد منهم على يد قوات أمن النظام , من بينهم فواز الحراكي الذي استشهد في حمص في 22 – 4 – 2011 , رائد ليلى الذي استشهد في القابون في 15 – 7 – 2011 , و زهير علي المشعان الذي استشهد في دير الزور في 10 – 1 – 2012 ....

(98)    هل أعجبتك المقالة (102)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي