لليوم
الثاني على التوالي تواصلت "الأخبار الطائرة" في أجواء الأزمة السورية، فبعد
انشقاق العقيد الطيار حسن مرعي الحمادة، ولجوئه بطائرة "ميغ 21" إلى الأردن
ظهر الخميس الماضي، توجّهت الأنظار شمالاً هذه المرة نحو تركيا، مع أنباء عن سقوط طائرة
"إف 16" تابعة لسلاح الجو التركي.
في ظاهر الأمر يبدو الحدث بمثابة رد مثالي من النظام السوري على "الطيّارة" التي نالها على رقبته قبل أقل من 24 ساعة، وجاءت ضد العدوّ الجديد والحليف الوثيق في الماضي القريب، لكن ردّة الفعل التركية حول الحادث اللافت، تستدعي تساؤلات كبيرة وتدفع نحو الريبة التي تعزّز الشكوك حول الموقف الذي تتخذه الجارة الشمالية لسورية وصاحبة الحدود الأكبر معها.
إذ أن النظام السوري وفي "أيام العز" حين كان يتلاعب بالحكومتين العراقية واللبنانية بأساليبه المعروفة ويساوم الجميع في صفقات سياسية، تلقّى صفعات موجعة في دير الزور وعين الصاحب وهي بالطبع ليست ضمن المجال الجوي وحسب بل في قلب معاقل النظام عسكرياً، ولم نرَ أي تصدٍّ من الدفاعات الجوية السورية بل اقتصر الموقف على "الاحتفاظ بحق الرد"، هذا إن أهملنا أيضاً الاختراقات الإسرائيلية للأجواء السورية مراراً وتكراراً.
وإذا ما عدنا لتركيا، فالجميع يتذكّر الموقف الشهير عام 1999 والذي كادت أن تتطور معه الأمور إلى حرب فعلية مع تقدم الدبابات التركية إلى الحدود بشكل غير مسبوق، ما استدعى ثمناً من الأسد الأب تمثّل بتسليم معارضي تركيا من حزب العمال الكردستاني وعلى رأسهم الزعيم الروحي عبد الله أوجلان، إضافة إلى التنازل الكامل عن أي مطالبة بلواء اسكندرون شمال اللاذقية والذي حذف من الخرائط في المناهج السورية بعد أن كان يعامل كما الجولان المحتل كجزء لا يتجزأ من الوطن!
هذه الحقائق التاريخية تجعل ما حصل أمس، أمراً استثنائياً بالفعل، وكمواطنين سوريين كنا نتمنى هذه المواقف التي تحفظ لنا السيادة والهيبة، لكن التوقيت والظرف يدفعنا للسؤال: لماذا الآن ؟ وما هو السر في هذه المصادفة العجيبة ؟ ولماذا كانت الطائرة التركية تحلق في الأجواء السورية أصلاً ؟ وأين هو حطامها وأين هم الطياران الناجيان ؟!
أما السؤال الكبير فهو حول الموقف التركي الذي عكس تخبطاً غير مفهوم، إذ قالت وكالات الأنباء التركية الرسمية وغير الرسمية والصحف والقنوات التلفزيونية أن الطائرة أسقطت وأن سورية اعتذرت، ليتبع ذلك تصريح من رئيس الوزراء التركي بأنه من غير الواضح إذا كانت الطائرة سقطت أم أسقطت وأنه لا علم له بأي اعتذار من دمشق!، وأخيراً وبعد اجتماع إدارة الأزمة التركية لم يصدر أي جزم بانتظار "جلاء الموقف" مع "احتفاظ الجانب التركي بحق الرد"!
وبذلك خلنا أننا نرصد مواقف المصادر المطلعة السورية ونشاهد الإخبارية أو الدنيا، فهل أصابت الأتراك عدوى من النظام السوري، أم أن الحادث ربما يكون "مفبركاً" فعلاً لا قولاً أو إدعاءً، نتيجة لمجمل ما رافقه من ملابسات ومواقف غير مفهومة، خاصة وأن ردود الأفعال التركية في مثل هذه الحالة اتسمت دوماً بالحدة والشدة كمثال ما حصل إبان الاعتداء الإسرائيلي على سفينة "مرمرة" ضمن قافلة الحرية المتجهة إلى غزة في حزيران عام 2010، خاصة وأن هذه المواقف لها حساسية وأهمية كبرى أمام الرأي العام التركي.
قد نكون مع هذه التطورات اكتشفنا متأخرين "المؤامرة الحقيقية" على الشعب السوري، والحادثة الأخيرة قد تكون الأشد وضوحاً ودلالة، اللهم إلا إذا صدر موقف تركي "حقيقي" خلال الساعات القادمة، مع الإشارة إلى أن ذلك لا يعني القبول بأي اعتداء على الوطن، إذ يكفينا ما يكابده الوطن والمواطنون من اعتداءات وانتهاكات من النظام الساقط.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية