أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

النظام السوري بين حكم الكرسي وحكم التاريخ

أنا أصدِّق... وإنْ شكَكْتُ، فإنني أُريد أن أصدِّق، وأنْ أُسلِّم بالعشرة والخمستَيْنِ، أنَّ الرئيس بشار الأسد ليس له يدٌ، ولا حوْلَ ولا طَوْل، في كل ما يحصل من مجازر دموية في سوريا، وأنَّ الطاقم الرئاسي عنده، لا يدوس نملة على الأرض إنْ مشى، ومَنْ ضربه على الأيمن يدير له الأيسر، وإنْ هو «آذى مؤمناً فكأنما يـؤذي النبي»، كما جاء على لسان النبي.


وأنا أصِّدق أيضاً، أن الرئيس الأسد يعمل، ومن مصلحته أن يعمل على إطفاءِ ألْسنةِ اللهب بقميصه لو استطاع، وعلى وقفِ مسيرة المواكب اليومية لعربات الموتى السائرة على بركات النظام إلى عتبات المدافن الباردة، لأنّ حكمه هو، واسمه هو، وتاريخ عائلته ومستقبلها ومستقبل أشياعه، عناوين برّاقة تتراقص على كفوف العفاريت.

ولكن... وفي ظل استمرار تخبُّطِ بحور الدم، وانسداد أفق الأمل وبوارق الانفراج، ألاَ يجب أن يتوجه الغيارى على النظام السوري ــ وأنا منهم ــ بمعادلة استطرادية واستنكارية إنْ شئتم، فيطرحوا السؤال:

بصرف النظر عما إذا كان الرئيس الأسد هو السبب أو المسبب أو المتورط أو الآمر أو الفاعل، فهل إذا تخلّى الرئيس تتوقف مسيرة المجازر ومقصلة الرؤوس ويجفّ نزف الملاحم وتهدأ في سوريا الحال ويتوقف القتال؟

إذا كان الجواب نعم، فقد يصبح الرئيس من حيث يدري أو لا يدري سبباً مباشراً في اندلاع ثورة النار الأحمر، ويحمل على عاتقه هذه الكُثْبانَ المتراكمة من جبال الدم لتسجَّل في سجلِّهِ العدلي التاريخي، ويصبح استمرار الرئيس عاملاً من عوامل استفحال عسكرة الصراع واستعار العنف السوري ــ السوري، في حرب أهلية محمومة ومواجهات دموية بين طوائف وأديان وجماعات من مختلف الأصول والقوميات.

وكيف يمكن من بعد، أن تلْتَـئم جروح شعبٍ، بعضُهُ يواجهُ بعضَهُ بالبطش والقتل والسكاكين، وأي دولة هي؟ وأي وطنٍ؟ وأي شطر في الأمة الخالدة ستكون عليه سوريا؟
أنا أعرف في المقابل، أن الرئيس الأسد يطرح على نفسه سؤالاً من نوع آخر: ماذا يحدث لسوريا وفي سوريا، إنّ تخلَّيْتُ؟ ألاَ تسقط في مهاوي الضياع وطغيان الأصولية والفوضى، فتسقط معها صفحات من التاريخ محجلات؟

الجواب الأحْجى، دع ذلك للتاريخ فهو القاضي الأعظم في محكمة الزمن.

إلتقيتُ منذ بضعة أشهر وفداً سورياً رفيعاً في مؤتمر خارجي، فجلسنا وتحدثنا وقلت: "أنا كنت صديقاً للرئيس حافظ الأسد، والتقيت الرئيس بشار الأسد بفعل هذا الإرث من الصداقة، وأرْبَأُ بهذه العائلة التي صنعت جزءاً نيِّراً من التاريخ القومي أن تتحمل أوزارَ التاريخ الداخلي، لأن حكم التاريخ أعظم من حكم الكرسي".

لقد زال من على كراسي الحكم ملوكٌ ورؤساء وانطوى أسيادٌ وعظماء، ولم يكن ذكْرُهم مخلَّداً في التاريخ كما هو عليه اسم ذلك "النيرون" الذي غادر الدنيا منذ ما يقارب الألفي سنة، ولا تزال الذاكرة التاريخية تظهِّرُ صورته بالجرائم الفواحش، ولا يزال اسمه مثلاً حيّاً يواكب الكبائر من المجازر.

وفي عالم الحكم والحكام، هناك دائماً لحظة حاسمة في التاريخ... الرئيس حسني مبارك لم يكن "الشعب يريد" له، إلاّ أن يتخلى عن الحكم، فكان تحت مجهر هذه اللحظة الحاسمة رهينة مفترق مفصلي: إما أن يستمرّ رئيساً سابقاً للجمهورية يتمتع بالحقوق المدنية وبِهَالةِ الرؤساء السابقين، وإما أن يسقط عن الكرسيّ معفَّر الوجه محمولاً على لوح من خشب الى قاعة المحاكمة حيث الحكم المؤبد.

لقد تطوّر الزمن واستيقظت الإرادات، فلم تعد العروش محنَّطة، ولم يعد أيُّ حكمٍ مؤبدٍ على كراسي السلطة، إلا عرضةً لحكم مؤبد في المحكمة.

جوزف هاشم - الجمهورية
(108)    هل أعجبتك المقالة (102)

sakhr al Ramli

2012-06-15

لا ... لا .. ايها الطاغية. أنت .. أنت .. لا الحاشية..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي