ما يزال النقاش والجدل حول سورية منذ ولادة خطة المبعوث الدولي والعربي كوفي أنان مساراً جديداً، فخطة أنان تعتبر بنظر كثير من المراقبين والسّاسة في عواصم القرار نهاية طريق، فإما الحل أو الإنزلاق إلى الحرب الأهلية (تصريح وليم هيغ- سيرغي لافروف 27/5/2012)، لذلك تبدو تلك الخطة والحلول المقترحة والتصريحات الدولية المتناقضة أصبحت مثيرة للجدل.
تحاول روسيا والصين الحفاظ على زخم المراقبين الدوليين على الرغم من المعوقات الكبيرة التي تعترض مسيرة عملهم من أكثر من جهة محلية وإقليمية وحتى دولية. بات سورية ملعباً لكثير من القوى الكبرى والصغرى وحتى التابعة، تداخلت المصالح والخيارات والحلول للأزمة السورية فهناك من يريد تحقيق مكاسب أقتصادية على المدى الطويل والمتوسط وهناك من لا يريد للأزمة السورية أن تطول والبعض يريد تحقيق أجندة في الجوار السوري عبر تغيير النظام في سورية.
ولكن أمام تلك الأهداف المتناقضة على ما يبدو أنّ كل اللاعبين متفقون على مطلب وضع إستراتيجية خروج من الأزمة بعد خمسة عشر شهراً على بدايتها. عبر خطة دولية أتفقت عليها القوى الكبرى عبر توقيت زمني. فلا يجب علينا من الآن الدخول في تحليل متخّيل بشأن عواقب ما بعد خطة أنان، إنّ المطلب الحيوي اليوم سواءً من المعارضة بكل مكوناتها والنظام السوري الخروج من نفق القتل والأغتيال والتفجيرات والمجازر وإنّ مزيد من المماطلة والأنتظار السياسي سيؤدي إلى مزيد من القتل، وأنّ المطلب الحيوي بالنسبة لسياسة خروج مقبولة من الأزمة السورية وفق حلول سياسية تبدو للكثير من المتابعين غامضة حتى اللحظة فلا يوجد حداً زمنياً يجبر أطراف الأزمة السورية على إنهائها عبر الدخول في مفاوضات وإن غير مباشرة، لأن النتائج في سورية ما بعد خطة أنان في حال إستحالة تنفيذها أو لنقل عرقلتها من بعض الأطراف الإقليمية قبل الدولية، الديكتاتور السوري أختصر كل مجريات الأحداث في سورية في الجماعات المسلحة، وأعمالها الإرهابية على حد وصفه، وهذا توصيف غير دقيق ومناف للحقائق على الأرض، فالذين يتظاهرون إحتجاجاً، ويصل تعدادهم إلى مئات الآلاف إسبوعياً ليسوا إرهابيين، وإنما هم أناس عاديون تظاهروا لأنتفاضة شعبية تطالب بتغيير ديمقراطي مشروع يقود إلى سورية جديدة تحترم حقوق الإنسان وتكرس العدالة والقضاء المستقل والتداول السلمي للسلطة، وهي أنتفاضة جرى التعامل معها بقسوة عسكرية وقوة مفرطة وليس بحلول سياسية خلاقة وهي في بداياتها.
نختلف مع الديكتاتور (الوحش كنيته سابقاً) أيضا في قوله أن الأزمة ليست داخلية، وإنما خارجية بأدوات داخلية، فغياب الأصلاحات وتغوّل الأجهزة الأمنية في أذلال الشعب ومصادرة حرياته على مدى أكثر من أربعين عاماً، هو الذي وفر الحجج والذرائع للتوظيف السياسي الخارجي الذي نراه حالياً، وقد يتطور إلى تدخل عسكري.
سورية مستهدفة فعلاً، مثلما كان العراق مستهدفاً، ومثلما الثورة المصرية مستهدفة، وكل دولة عربية أو غير عربية تعارض الهيمنة الأمريكية والأوروبية على المنطقة وثرواتها، ولكن مواجهة هذا الأستهداف، أيا كان مصدره، لا يتأتى إلا بتحصين الجبهة الداخلية بالحريات والمساواة والعدالة الأجتماعية ومكافحة الفساد والمحسوبية، وهي أمور لها أثر محدود في سورية للأسف رغم النصائح الكثيرة التي وجهتها أطراف عديدة للنظام.
إن إستراتيجية النظام الإستبدادي واضحة، فهي تنوي الدفاع عن بقائها من خلال التصعيد وبأشكال أكثر مباشرة ووحشية ضد السكان المدنيين، وتأجيج صراع مصطنع بين المكونات الداخلية المختلفة للمجتمع السوري. إنها إستراتيجية تجازف بعمل إبادة جماعية إذا لم يتم فعل شيء وبسرعة.
وبالدليل القاطع أن النظام لم يطبق حتى الأن حتى البند الأول من خطة أنان (الذي يقضي بوقف أطلاق النار)، فكيف نتوقع أن يطبق البنود الخمسة الباقية؟ التي تنص على السماح بأدخال مساعدات أنسانية والسماح بالتظاهر السلمي والأفراج عن المعتقلين على خلفية الأحتجاجات والسماح بدخول الصحافيين والبدء بحوار سياسي حول مرحلة أنتقالية.
فمعدل القتل في سورية، أرتفعت وتيرتُه مع تطبيق خطة كوفي أنان، والبند المتعلق بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين فَهِمَهُ النظام الأمني السوري على نحو معكوس، فصار عناصر المخابرات (يقشون) الشباب من الشوارع والجامعات والساحات مثلما (تقش) سيدةُ المنزل الرغاوي والشوائب التي تطفو على سطح الطبيخ قبل أن ينضج، والدبابات التي يفترض بها أن تنسحب من المدن والبلدات والدساكر والكفور وحمص واللاذقية وحلب والرستن وتلبيسة والقصير والجبيلة ودرعا، مع حلول اليوم الثاني عشر من نيسان أبريل (2012)، أخذت تتجول على الطرقات العامة السورية العامة في وضح النهار، بالشبيحة السوريين الذين قالوا (الأسد أو نحرق البلد).
تركز وسائل الإعلام العربية والعالمية على أعمال القتل والعنف في تقاريرها الأخبارية اليومية عن تطورات الأوضاع الدموية المستمرة منذ خمسة عشر شهراً في سورية، وهذا أمر طبيعي ومتوقع، لأن أحداث العنف هذه، ومعظمها ناجم عن هجمات قوات الجيش والأمن الرسمية، تؤدي إلى سقوط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمشردين، وهؤلاء يحتاجون إلى رعاية خاصة من قبل المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية وفي إسرع وقت ممكن.
ومن هنا فإن دعوة السلطات الروسية لحلفائها في دمشق بالموافقة فورا، ودون أي تأخير على طلب اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأعلان هدنة يومية للسماح لها بالوصول إلى الجرحى والمدنيين الذين يتعين نقلهم وأسعافهم، خطوة على درجة كبيرة من الأهمية، وأن كانت قد جاءت متأخرة.
وغباؤه النظام مكشوف للمواطن السوري أكثر من الأنكشاف للعالم الخارجي، فالنظر إلى مسلسل التفجيرات وتوزعها الجغرافي والتوقيتات التنفيذية، كلها دلائل تشي بمسؤولية النظام نفسه حصرياً عن مسلسل القتل هذا، وهو توأم للشق الآخر من المسلسل الذي يستخدم فيه النظام كل آلته القاتلة لكبح جماح ثورة شعبية عظيمة أنطلقت لتنتصر، وليس لها إلا طريق النصر.
طبيعة ضحايا تلك التفجيرات الدامية دليل آخر على ضلوع النظام في هذه الجريمة، فلم تستهدف أياً من هذه التفجيرات حتى الآن رأساً من رؤوس النظام، خاصة من الرموز الأمنية والعسكرية، ولا يعقل أن يمتلك تنظيم إرهابي بتلك القدرات على تدبير هذا الكمّ الهائل من المواد المتفجرة في كل مرة، ورصد المكان والزمان، وأمتلاك وسائل الأنطلاق والمراقبة والضرب ومن ثم التخفي، يعني حكماً أن هذا التنظيم الإرهابي "المزعوم" يستطيع أن يضرب أي هدف في سوريا، فلماذا لا يقترب من أهداف من صلب النظام وهي في متناوله.
هذه التفجيرات الإجرامية المتكررة منذ التفجير الأول في العاصمة دمشق حتى التفجير الأخير في دير الزور إذا ما أخضعت لتحليل موضوعي محايد سوف تشكل وثيقة إدانة للنظام نفسه، وهي في الوقت ذاته دلالة عميقة على سلمية الثورة السورية في بدايتها، ودفاعيتها البحتة بعد نشوء وانطلاق الجيش السوري الحر، بل إن النظام نفسه عاجز عن أتهام الثورة والجيش الحر بمسؤولية هذه التفجيرات، والنظام نفسه يدعي أنها من أعمال حليفه القديم "تنظيم القاعدة".
في حين نحن نرى إستخدام كم هائل في تفجيرات سوريا! فهل "القاعدة" تملك إمداداً مفتوحاً في ظل هذه القبضة الأمنية العنيفة، أم أن ما نراه هو من مستودعات النظام نفسه؟
وتبين هناك وحدة خاصة من حزب الله المدربة على تفخيخ السيارات وتفجيرها وخصوصا عمليات الأغتيال المفخخة التي أشرفت على تنفيذها في لبنان والعراق وبعض العواصم الخليجية والمناطق العربية.
أن النظام نفسه يقوم بهذه التفجيرات الدامية، لإرهاب الشعب وتغير دفة الأحداث وتضليل المجتمع الدولي، وفي هذه الفرضية يكون النظام نظاماً إرهابياً بامتياز، وتكون هذه الجرائم جرائم ضد الإنسانية بأمتياز، وذلك أكثر من كافٍ لتجريم النظام برمته.
نشرت مقابلة وكالة أنباء "إيسنا" الإيرانية، شبه الرسمية، 27-5-2012 أعترف اللواء إسماعيل قائاني، نائب الجنرال سليماني، القائد العام لفيلق القدس، حيث قال: "لولا تواجد الجمهورية الإسلامية في سوريا لأصبحت دائرة المجازر التي ترتكب بحق الشعب السوري أوسع"، مضيفاً: "عندما لم نكن حاضرين في سوريا كانت المجازر التي تنفذ بواسطة المعارضين أكبر، ولكن إثر التواجد الفعلي وغير الفعلي للجمهورية الإسلامية تم الحؤول دون أرتكاب المجازر الكبرى".
ليس من المستغرب أن ترسل إيران هذه الأعداد من قواتها لنجدة النظام السوري فالمتوقع أكبر، حيث سترمي طهران بكل ثقلها العسكري والأمني والأقتصادي إلى جانب النظام السوري مهما كلفها الأمر، لأنها تنظر إلى هذه المعركة إلى أنها معركة مصيرية، لا تحدد مصير النظام السوري فحسب بل مصير النظام الإيراني ومصير عملاء الإحتلال في العراق أيضا" وفي هذا الحدث عدة دلالات بالغة الأهمية أولا : يدل ذلك الدعم المتواصل من " فيلق القدس " التابع للحرس الثوري الإيراني مسلحين بعتادهم العسكري ,قائد فيلق القدس العميد قاسم سليماني قد نقل مقر إقامته إلى دمشق لكي ينقل يشرف بنفسه على عمليات القتل والسحق للسوريين، لم تعد هناك حاجة للتستر والتخفي، ولا يحتاج الوضع السوري ولا يتحمل أن يظل الدعم الإيراني لسوريا في طي الكتمان أو في ستر الخفاء، ولا تحتاج إيران أن تجمل صورتها التي باتت مكشوفة في حربها الطائفية ضد الشعب السوري والشعب العراقي والمنطقة العربية.
المتابع للوضع السوري يعرف جيداً أن الحرس الثوري الإيراني قد تدخل في سوريا وثبت ذلك في كثير من مقاطع الفيديو على اليوتيوب وقد أعترفوا بهذا وأبرزوا هوياتهم حتى أن السوريين أنفسهم يعرفون أن المجازر البشعة والتي تتضمن الذبح بالسكاكين والتمثيل بالجثث هي من عمل الحرس الثوري الإيراني وميليشيات حكومة العميلة في بغداد وقوات الجيش والأمن والشبيحة . لأن الكل يعلم أن الذبح بهذه الطريقة لا يفعلها إلا من يعتقد جازما بأنها صحيحة بناءاً على فتاوي ملالي إيران وعملاء الإحتلال في منطقة الخضراء وكذلك هي خلل عقائدي سمي بثأرات الحسين (ع) أنه بريء من هذا الإجرام والوحشية.
والثورة لا تتراجع ولا يبدو في الأفق أن عزائم الثوار في حالة تفكك أو تراجع، بل العكس هو الصحيح، الثورة أنتشرت على رقعة أوسع وأقتحمت الخطين الأحمرين، دمشق وحلب ، وبين تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن الثورات العربية خطر إستراتيجي على إسرائيل، وهناك شيء غير مفهوم في الموقف الإسرائيلي، فإن كانت إيران عدواً فعلياً لإسرائيل فإن نظام (الوحش كنيته سابقاً) هو رأس الأفعى، ويرى الكثيرون أن درجة الوحشية الممارَسة في عمليات القتل، وأغتيال قُصَّر في السن في بيوتهم، واللجوء إلى الأسلحة البيضاء وإلى سادية غير مسبوقة، تشير إلى أن مرتكبي المذبحة ليسوا جنوداً، وإنما هم المقاتلون شبه العسكريين التابعون للنظام، أي الشبيحة.
السوريون وحدهم، لقد أنتصروا على الخوف من دون مساعدة أحد، وصاروا نموذجاً للشجاعة والنبل والبطولة. خمسة عشر شهراً من التحدي والصمود الإسطوري، أسس أحتمالات الحرية، التي سوف تأتي وبشكل يفاجئ الجميع، تماما مثلما فاجأت الثورة الجميع.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية