مررت بجانب الحديقة وكان هناك بعض الباعة قد وضعوا على سورها بضاعة قليلة لو بيعت فربحها لا يسمن، ولكن قد يغني من الجوع .
اقتربت لابتاع من أحدهم ، سألته: ألا تشعر بالتعب من الوقوف الدائم ؟ رد بصوت مبحوح يظهر مرضا وتجلدا: انا أبو أحمد خلقت لهذا المكان، هنا تحت شجرة الكينا لو لم تجدني فاعلم أن الموت قد أراحني ، واستدرك: إذا لم أعمل فلن أعود لصغاري بطعام، لقد تخرجت من المعهد بمعدل عال ، وأنا غير مسنود ،حلمي بالوظيفة طار لمن من هو أدنى معدلا بكثير.
قطع حديثنا صوت الباعة يصرخون على صاحبنا : أبو أحمد لقد جاؤوا.
حاول المسكين المريض أن يحمل بضاعته بعيدا ،ولكن كانت سيارة البلدية التابعة لدولة الصمود قد اقتحمت المكان ، ونزل منها بضعة أشاوس من أبطال الممانعة،وتراكضوا ينهبون بضاعة أبي أحمد ،وكأنها غنيمة من الصهاينة محتلي الجولان.
توسل أبو أحمد إليهم بصوته الضعيف دون جدوى، فقد كان الضابط ينهره ويشتمه بشتائم لا يجيدها إلا أمثاله القادة أو القوادين.
وقف أبو أحمد منزويا يتفجر أسى وقهرا، كاد يختنق ، فأخرج بخاخة للربو تبقيه في حياة ليست بحياة ، لقد أهين المسكين ومرغت كرامته بالتراب، ولكن الأصعب عنده خسارته لبضاعته، فكيف سيواجه بناته عندما يتراكضن نحوه جائعات وهو خالي اليدين.
تجمع الباعة حوله يواسونه ،وفهمت منهم أن كل واحد منهم مجبر أن يدفع رشوة يومية للضابط يجبيها موفد من قبله تعادل نصف تعبه تقريبا.
ولكن أبا أحمد لم يدفع اليوم لأنه لم يسترزق، فصوته المبحوح هذا اليوم لم يساعده في الترويج لبضاعته ، لقد أسقطه المرض فريسة لذئاب الممانعة في هذا البرد القارس .
وعرفت أيضا أن أحدهم قام بالرد على إهانة الضابط في أحد الأيام فتداعوا إليه ،يوسعونه ضربا وإذلالا ، وصبوا كل بذاءة في الدنيا على (الأخونجي الخائن) ثم أخذوه ولم يعد.
وعرفت أن هذا الضابط اللص الذي يؤجر أرض الوطن ، يعمل جهده لمنع رخصة العمل النظامية لهؤلاء المساكين ليستأثر بسرقتهم ، ولو منحوا الرخصة فبرشوة وشروط من الإذلال أهمها أن تعمل مخبرا وجاسوسا على أبناء الوطن .
ولكن أفظع ما عرفته أن هذا البائع المسكين ضحية اليوم هو ابن شهيد على ثرى الجولان، وأن الضابط من قرية بائع الجولان الشهير .
بعد أيام مررت من نفس المكان ، وجدت الباعة ،ولا أحد تحت شجرة الكينا .
كانت هناك ورقة نعوة باسم (أبو أحمد) .
وتحت النعوة تعليق بخط اليد:
استراح .
يلعن روحك
يا
حافظ .
عرفت أن نوبة ربو حادة قضت عليه ،لم يودع أولاده وهو ينازع الموت لقد تأخروا عنه لأن المدرسة قد أخرجتهم بمسيرة طوعية ليهتفوا للقائد الملهم .
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية