أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ظهور الذراع الاقتصادية للثورة السورية.. دلالات ومآلات... د. وائل مرزا

منذ أيام ظهرت إلى الواقع الذراع الاقتصادية للثورة السورية بشكل معلن وواضح. وبقراءة سياسية بحتة، يمكن القول: إن ظهورها سيكون نقلة نوعية في مسيرة الثورة، لأنها تمثل عملية انقلابٍ حاسمة لها الكثير من الدلالات، وكان الكثيرون ينتظرونها منذ زمن.
من نافلة القول أن الثورة السورية لم تبق مشتعلة لأكثر من عام في معزل عن عمليات دعم وإسناد كان يقوم بها بعض أفراد مجتمع الأعمال والاقتصاد السوري بشكل متفرق وفردي في أغلب الأحيان. والمعلومات المتوفرة تؤكد أن هؤلاء ضخوا مبالغ كبيرة لدعم الثورة في مختلف المجالات. بل إن عودة قيمة الليرة السورية للارتفاع بعد أن هبطت بشكل حاد منذ أشهر يُعزى في جزءٍ كبيرٍ منه إلى السيولة التي تم صبها في الاقتصاد من خلال ألوان الدعم والمساندة.
لا يختلف اثنان هنا على أن الصمود الأسطوري للشعب السوري خلال تلك الفترة ناتج أولاً وقبل كل شيء عن قوة نفسية هائلة لهذا الشعب، أفرزت إرادة عملية لا تقهر، بهرت العالم بتجلياتها وأمثلتها التي باتت أكثر من أن تُحصى وتُعد. والحديثُ هنا عن قوةٍ لا تنفع في غيابها أي ثروة اقتصادية ومالية، وعن إرادةٍ فولاذية لا يمكن للمال أن يصنعها، كما يدعي النظام زورا وبهتانا. وإنما العكس هو الصحيح. بمعنى أن تلك القوة ومعها الإرادة كانا بمثابة القاطرة الأساسية التي جرت باقي مقطورات الثورة السورية، والتي فرضت ولا تزال تفرض اتجاه وسرعة الأحداث، ليس فقط على النظام وشرائح الشعب المختلفة، وإنما على العالم بأسره.
رغم هذا كله، يعرف القاصي والداني أن الثورة بقيت قرابة عام (متروكة) من قبل النظام الدولي، كي لا نقول أكثر من ذلك.. ويُصبح منطقياً الحديث عن وجود رأسمال وطني صاحب الثورة منذ البدايات، وكان رغم التقصير نسبة لما هو مطلوب، يلعب دورا في عمليات الدعم والإسناد، ولو في حدها الأدنى. ثمة وقائع ومعلومات ستظهر في الوقت المناسب بهذا الخصوص بعيدا عن الشعارات، لكن استنتاج الحقيقة السابقة ممكن منطقياً، على الأقل الآن، فيما يتعلق بهذا الموضوع.
لكن من الواقعية أيضاً القول بأن صمت مجتمع الأعمال -خاصة في الداخل- كان يصب بشكل قوي في مصلحة النظام. سيما أن الأمر لم يقتصر لدى شريحة من هذا المجتمع على الصمت، وإنما تجاوز ذلك إلى دعم النظام بمختلف الأساليب. بدءا من تمويل (الشبيحة) وخدمة متطلبات العمل الأمني والعسكري بشكل عام، مروراً بالارتزاق القذر من الواقع الذي أحاط بالثورة اقتصادياً ومعيشياً، وانتهاء بتمويل الحرب الإعلامية والدبلوماسية والتقنية والنفسية للنظام، من خلال شبكات وشركات صناعة الرأي والعلاقات العامة الداخلية والخارجية.
لهذا، كان طبيعياً أن يتبجح النظام أن مجتمع الأعمال والاقتصاد السوري يقف إلى جانبه، وكان طبيعياً أن يشكل موقف هذا المجتمع أكبر علامة استفهام يطرحها النظام السياسي الدولي دائماً على المعارضة السورية، وكان طبيعياً أن يكون هذا الموقف، (المُلتبس) في أحسن الأحوال أرضية لتردد المترددين، وعذراً للخائفين والمتشككين من أبناء الشعب السوري.
لكن عزيمة الثورة وقدرتها المهولة على الاستمرار تبقى دائماً العنصر الرئيس في قلب المعادلة رأساً على عقب، وبصورة واضحة وقوية. فالثوار مرةً أخرى وأخرى هم الذين يحددون اتجاه البوصلة. وهم الذين يضعون الأجندة. وهم الذين يصنعون الفعل. وهم الذين يحددون طبيعة الحدث وسرعته واتجاهه. ومن لا يفهم هذه الحقيقة أياً كان داخل سوريا وخارجها سيكون عاجزاً عن فهم ظاهرة الثورة السورية، وعاجزاً بالتالي عن التعامل معها بأي أسلوبٍ وعلى أي مستوى من المستويات.
ها نحن إذا أمام لحظة مفصلية انكسرت فيها ركيزة أساسية من ركائز النظام السوري. والأرجح أن ارتفاع منسوب العنف الوحشي الذي ترتكبه عصاباته نتج عن إدراكه للدلالات الاستراتيجية لما حصل بعد انقلاب مجتمع الأعمال عليه بشكلٍ كامل. فمن ناحية لم تبق لدى النظام الآن سوى الركيزة الأمنية والعسكرية التي أنهكت إلى درجةٍ كبيرة، ومعها ثلة من المرتزقة الذين ارتبطت مصالحهم كلياً ببقاء النظام، وأصبح وجودهم بأسره مهدداً في غيابه.
لقد كان من ملامح التوفيق أن يتضمن البيان الصادر عن (المنتدى السوري للأعمال) والذي يمثل الآن الذراع الاقتصادية للثورة الفقرة التالية:
«إن أعضاء المنتدى يعلمون أن قطرة دم شهيدٍ سوري من شهداء الثورة تفوق بقيمتها أي ثروةٍ مادية، لكنهم يدركون أن انتصار الثورة لا يتحقق إلا من خلال تكامل الأدوار. ومن هنا فإنهم يؤكدون إصرارهم على أداء دورهم وواجبهم بطريقتهم الخاصة، وبأساليب يدركون أكثر من غيرهم مدى تأثيرها على النظام، بحيث يكونون -بإذن الله- رأس حربةٍ في إسقاطه المدوي، وفي بناء سوريا جديدة تكون منارةً للعلم والإخاء والتنمية والسلام في المنطقة والعالم».
فمجتمع الأعمال يُعطي الحق لأصحابه بهذا الاعتراف، ويُعيد التأكيد على الدور القيادي للثوار في رسم اتجاه البوصلة ووضع الأجندة وتحديد طبيعة الحدث وسرعته واتجاهه. لكنه في الوقت نفسه يرسل رسائل سيفهمها أصحاب العلاقة أن دخوله الميدان بهذا الشكل المباشر والواضح والشامل سيكون المسمار الأخير الذي يُدقُّ في نعش النظام.

العرب القطرية
(118)    هل أعجبتك المقالة (104)

متابع بصمت

2012-06-09

المقال انشائي بحت يا دكتور ... ماهي الآلية.


وائل سعد الدين

2012-06-10

منيح نحن بانتظار الشغل ع الارض.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي