أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من حقائق الثورة السورية... د.عدنان بكيرة


من يراقب الثورة السورية عن بعد يتوه بكثرة تفاصيلها، وقد يخرج بتحليلات تقترب أو تبتعد عن حقيقة مايحدث على الأرض. وإن أضفنا للزلزال السوري عواملاً تزيد من تشويش الرؤية، من قوى داخلية رسمية وغير رسمية، وقوى خارجية تتداخل فيها دول أقليمية وعالمية وشركات كبرى وصغرى، فإن المشهد الضبابي يزداد صعوبةً وتعقيداً.
لذا فليس من المستغرب أن نسمع من كبار الكتاب والمفكرين – وليس آخرهم محمد حسنين هيكل – مايثير أعصاب الداخل الثائر ويزيد من إحساسهم بالنقمة على عالمٍ يتأكد لهم يوماً بعد يوم أنه متآمر كذاب.


لقد أتقن النظام لعبة تزوير الحقائق وتشويه المبادئ والقيم منذ زمن طويل، واستثمر كل خبراته في الثورة السورية منذ بدايتها بإلباسها صفة المؤامرة، ثم بتصنيع معارضة على مقاسه تعمل على رسم الثورة المثالية ثم تعيد إسقاطها على الواقع ليخرج مشوشاً مشوهاً، ثم بالتواصل مع القوى الإقليمية والدولية وربط مصالحها بوجوده، ثم بالتواصل مع الهيئات الدولية وتقديم الوثائق والأدلة على أن مايسمى بالثورة ليس إلا طيش عصابات طائفية ومتطرفة قد تهدد السلم والأمن الإقليمي والعالمي، وأخيراً وليس آخراً التهديد بالفوضى التي لن تبقي ولن تذر، وليس التلاعب في الواقع اللبناني إلا تنفيذاً لتهديداته.
في ظل هذه الأجواء تستمر الثورة السورية بزخمٍ يزداد يوماً بعد يوم، ويزداد الإصرار على تحقيق إسقاط النظام مهما بلغت الخسائر، وتحلق بجناحي العمل السلمي المدني والكفاح المسلح.
لقد قامت الثورة السورية بهمة خيرة شباب الشعب السوري ومثقفيه، الذين امتلكوا رؤية التغيير وبدؤوا حراكهم الاحتجاجي متسلحين بقوة الروح السلمية من خلال تظاهرات هزّت الأرض بعد طول سكون، ولم يتردد النظام الحاكم بقتل المتظاهرين والتنكيل بهم في المعتقلات، وإجبارهم على توقيع الوثائق أنهم عصابات مسلحة ومتطرفة.

بدأ الشباب من دون خبرة سابقة ولكن بقوة عظمى من الايمان لكسر احتكار النظام للبلد، ووقف مسلسل الفساد والإفساد الذي لم ينجُ منه أحد. ومع الزمن تراكمت الخبرات، وزادت شراسة النظام من عنفوان الشباب وإرادتهم، واستعانوا بكل الخبرات المكتوبة لثورات شعبية في بلدان أخرى.
حقق الشباب الثائر شبكات إعلامية وصار التوثيق والمصداقية ملزماً لاستمرارها، وحقق الشباب الثائر ملحمةً في الارتباط بالشعب، فكان الشعب السوري بكل طبقاته حضناً حامياً ومشجعاً على الاستمرار. وحقق هؤلاء الشباب الوحدة الوطنية الحقة ابتداء بشعارهم الأول أن الشعب السوري واحد إلى حد محاربة الطائفية والمناداة بالمواطنة والدولة المدنية والعمل الميداني بمنظمات المجتمع المدني سواء الإغاثية أو الاجتماعية والإقتصادية.

لم يكن السلاح خيار الثورة السورية، ولكنه صار لازماً لكف الأذى الممنهج، ولإنهاك عدوٍ لايرحم في معركة يصح فيها القول أنها بين الحق والباطل. وتراكمت خبرة المسلحين وتعاونهم مع قادة المتظاهرين السلميين وبتواصل مع كافة فعاليات المجتمع سواء الدينية منها أو الاجتماعية.
نستطيع أن نقول أن الثورة السورية فيها من كل ثورات العالم، فهي تدفع وبقوة وبكل الخبرات وبكل الوسائل من أجل إسقاط عصابة حاكمة، ولضمان مجتمع مدني ودولة ديمقراطية.
شباب سوريا يتميزون بصنع ثورة عظيمة، ولكن اكتمال النجاح يحتاج إلى التفاعل أكثر بين صناع الثورة، والتغلب على أكبر عائق خلقه النظام بتقسيم البلدات والقرى. لابد من إنهاء العزلة بين الناشطين وخاصة في هذه الظروف التي يعاني منها عناصر النظام من الإخفاق والإنهاك المادي والمعنوي. فالنظام سقط ولم يبقَ منه إلا قشرته السميكة، والنصر آت وإنه لصبر ساعة.

د.عدنان بكيرة
(110)    هل أعجبتك المقالة (116)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي