تسير الحافلة بتثاقل شديد خلف عشرات السيارات وأمام الحاجز لأدرك أنه الجمعة القريب ،الجنود كاملي العدة والعتاد ،وجوههم لا تبتسم والأسلحة براقة والرصاصات تلمع بين المخازن ،والأصبع على الزناد جاهز في أي لحظة لبدأ معزوفة الموت لأي حركة مريبة ونظرات الشك والرهبة تتطاير هنا وهناك خارج الحافلة ،وكم شعرت مع كل قلبه يقلبها الإطار أني داخل إلى ثكنة عسكرية ولست في طريقي إلى البيت ،وأسمع تسارع دقات قلبي واضحة كلما تقدمت الحافلة من بوابة الحاجز ،وكأني واحد من أولئك الخارجين على القانون ،فأمام صورة الحاجز الرهيبة يتبلور الخوف الجند وراء أكياس الرمل (الدشم )، وأفواه البنادق موجهة نحونا مباشرةَ،الرشاشات مصوبة نحو السيارات ،وجوه العسكر التي ترمقنا بنظرات السخط ،وكأنها متربصة بعدو خارجي أراد الشر للوطن ،وكان من المفروض أن تكون موجهةَ إلى الحدود الخارجية وليس على حدود المدن ،ونظرات ترمقنا هنا وهناك خارج الحافلة بغضب وسخط ،أما داخل الحافلة فالصمت هو سيد الموقف الذي لا يمزقه إلا هدير محركات السيارات في رعشة شبه جنونية ،تقطعها عبارات التحفظ (الله يفرجها علينا بقى )،وكل التوجس المسيطر على الموقف أرجع إلى طفولتي لأطبق على شفتاي ،وأتذكر الحصص الدراسية،كي لا يفلت لساني بكلمات أندم عليها في ما بعد ،مع اقتراب الحافلة من بوابة الحاجز يصيح السائق عبارة لم أكن معتاد عليها من قبل (جهزوا الهويات )...الهوية التي لطالما كنت أتركها في البيت ،الهوية التي تدل على أني بن وطني ،يهدر صوت باب الحافلة ممزقاً الصمت المهيمن على المكان ،يطل جندي من الباب يرتدي خوذة ويحمل بيده بندقية معالم وجهه جامدة بشرته لمستها الشمس فأعطته لونا برونزيا يبدو عليه العند ورباطة الجأش ،بينما الأفكار السوداء تتخبط في رأسي وأبدأ بتحليل جميع الإسقاطات على الموقف ويتبادر إلى ذهني هل أسمي موجود على اللائحة السوداء ؟،يمد يده ويرمقني بنظرات اللوم والشك والريبة والتوجس وكأنني واحدا من أولئك القتلة المحترفين الذين يقتلون بدم بارد ،ولا أستطيع أن أخفي رجفة يدي فأعطيه الهوية محاولا الرجوع إلى الجريدة التي بين يدي وفي محاولة يائسة إلى الرجوع إلى الأسطر الأولى والسيطرة عل خوفي بينما هو يتفحص الهوية جيدا وبعد التمعن في اسم الأب والأم يرجع الهوية ويقول) تفضل( بينما يتحرك الجبل الذي على صدري وأتنفس الصعداء ،تمضي الحافلة في سلام مخلفة ورائها غمامه من السحاب الأسود التي سرعا ما تتلاشى في الهواء ،تسير مخلفة ورائها الحاجز والجند ووطن ،أشعر بلسعة السيجارة بين أصابعي الإبهام والوسطى لأدرك أنها ليست أشارة أنها النصر أو الشهادة بل هي سيجارة ما بعد الحاجز...! الحاجز الذي خلق وطن داخل وطن ...الوطن الذي نبت على شفاهنا ونحن صغار لينكرنا على الحاجز ونحن كبار وأتذكر كلمة المخرج الألماني برشت (أجلس على قارعة الطريق بينما السائق يغير العجل ، لا أحب المكان، الذي جئت منه ،ولا أحب المكان ،الذي أذهب إليه ،إذن لماذا أراقب تغيير العجلة بنفاذ صبر...؟ )
لحظات على الحاجز .. عماد أمين الخطيب

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية