أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الثورة السورية والحذر من الإنتهازيين ... مروان سليمان


أن العالم شهد تحولات فكرية وإعلامية وثقافية ، وكان لهذه المتغيرات انعكاسات داخلية على المجتمعات كافة و خاصة
المجتمعات الشرقية و بالأخص المنطقة العربية و محيطها التي كانت و لا تزال بعيدة كل البعد عن الأساليب الديمقراطية المتمثلة في حرية الرأي و التعبير، فتأثرت القيم والأطر التقليدية لمصلحة قيم العولمة القائمة على الاتصال والتفاعل والاعتراف خارج نطاق الأنظمة الديكتاتورية و السلطة العفنة المتكلسة، فأصبحت الدولة الأمنية تعيش حالة من الرعب و القلق و الإحتضار السياسي لأنها غير قادرة على استيعاب المعطيات الجديدة و التعامل معها، و أن ثورات الحرية رفعت الغطاء عن عورات الدولة الأمنية و نظرياتها و فساد إدارتها و سلطتها المطلقة و ضعف أساسها و أركانها، و بما أنها لا تتمتع بالبنيان السياسي المتين فإنها في طريقها نحو التغيير بإتجاه سلطة قانونية و دولة مدنية يحكمها الشعب عن طريق صناديق الإقتراع .

لم يغفل النظام السوري مصالحه عند قيام الثورات في تونس و مصر و أدرك أن المجتمعات تتغير و عند إنسداد الأفق أمامها ستنفجر إرادة الجماهير في وجه الطغمة الحاكمة ، و بدأ النظام في عمليات غسل العقول و التلاعب بها من خلال أوهامه التي يروجها في أعلامه المسخ بالبدأ في عمليات الإصلاح الوهمية و إيجاد معارضة على مقاس النظام تلبي مصالحه و مصالح تلك الفئة الإنتهازية التي تدعي بأنها معارضة داخلية، و فتح النظام دكاكين لهم للترويج لفكرة الحوار و المجتمع المدني و مؤسساته المزيفة الذي يطلبه النظام و يفصلها على مقاسه كما يريد هو لا كما يطلب الشعب.
من هنا يبرز الخوف على الثورة في تحقيق أهدافها أكثر بسبب ظهور فئة من الإنتهازيين الذين يسخرون كل إمكاناتهم في سبيل نخر أوصال المجتمع و تهديم أسسه و إلغاء قيمه و مبادئه، لأن هذه الفئة مجردة من المبادئ و الأخلاق و يتصفون بالنفعية و التقلب على آرائهم و يخرجون عن الجماعة التي ينتمون إليها و يتميزون بالجبن و التلون حسب الموقف، و تزييف الحقيقة لمصلحتهم الشخصية و هم أعداء للحق و ينافقون لمن هم أعلى منهم مرتبة و التشهير لمن هم أدنى منهم و يطعنون في الظهور، و يحيكون المؤامرات و يثيرون المشاكل و يخلقون الأزمات و يحفظون العبارات و يهتفون باسم ......ما، و أن هذه الفئة لديهم ميولهم الخفية و يمنحون لأنفسهم المراتب العليا بدون ضوابط حقيقية ملموسة، لأنه لا يوجد قانون يردعهم أو دين يمنعهم أو عرف يخجلون منه، و يعملون جاهدين بكل قوتهم و قدرتهم على تحويل العمل السياسي من العموم إلى الخصوص، و يشكلون عقلية خطيرة تهدد العمل الجماعي، و بذلك يكونون على استعداد للخيانة .
فالإنتهازية و الإنتهازيون يشكلون خطراً على الثورة و المجتمع، و خاصة المجتمع الذي ينتمون إليه لما يضمرون له في أنفسهم الشريرة، و هذه الحالة لا تظهر إلا في الظروف العصيبة( كما في حالة من يدعون تمثيل معارضة الداخل في الخارج)، من خلال العمل على خلق البلبلة و الشكوك بين الجماهير لتحطيم إرادتها، و هذا ما يؤدي إلى أن تفقد الجماهير القدرة على التمييز بين الحقيقة و الكذب و هكذا تضيع المقاييس و المعايير و تهترئ من الداخل.
لا يستطيع الإنتهازيون أن يدركوا بأن وجودهم مرتبط بوجود الجماعة، و العمل على تحقيق أماني تلك الجماعة تتمثل في مجتمع متماسك يعمل على حمايتهم و يهدف إلى تحقيق أمانيهم، إلا إن تدخل الأشخاص الإنتهازيين الذين يعملون على الإلتفاف على كل القيم و المثل و يسحقونها تحت أقدامهم و يتلاعبون بالعبارات و الجمل بمفاهيم تلك القيم و المثل، و هذا يؤدي إلى بقاء هذه الفئة عقبة في وجه تطور المجتمع و مسيرة بنائه و تقدمه، و بذلك ينشرون ثقافة تبريرية يمارسون من خلالها المنفعة الشخصية في صورة منفعة الجماهير الشعبية مما يؤثر سلباً على عامل الوقت في تحقيق أهداف الثورة المتمثلة في إسقاط النظام المجرم.

من خلال كل هذا يتبين بأن الإنتهازية السياسية لدى بعض من يدعون أنهم من المعارضة باتت تشكل أخطر الأمراض السياسية و الإجتماعية لما لها من تداعيات سلبية خطيرة في العمل على إنحراف مسيرة الجماهير المتطلعة إلى التقدم و الإزدهار و تحقيق درجة أعلى من التطور، كما و أن الإنتهازية السياسية هذه تقف سداً منيعاً في وجه حرية الرأي و التعبير عن إرادة الجماهير التواقة إلى الحرية و العيش بسلام.
لقد حان الوقت لتغيير معايير الحكم المهترئ في سورية و ها هي صرخة الشعب السوري تقول كلمتها و تنادي بإسقاط النظام و ها هم الجماهير الشعبية و خاصة من الطبقة الفقيرة تضحي بالغالي و النفيس، و لكن يا للخوف من أن يعيد التاريخ نفسه فيأتي من يقطف ثمار هذه التضحيات ليحكم بنفس العقلية البعثية العفنة، و تذهب التضحيات هباءً منثوراً، لأن المتربصون كثر و ما أكثر الإنتهازيون الذين يتحينون الفرصة لقطف ثمار إنتصارات الحشود المنتفضة و تضحياتهم والإلتفاف على أهدافهم، لأنهم بارعون في سرقة و خطف جهود الآخرين و تضحياتهم و دمائهم، و العراق ليس ببعيد عنا.
و حكمة الشعوب تقول: إن السلطة تفسد من يتولاها.

29.05.2012

(103)    هل أعجبتك المقالة (105)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي