لفت انتباهي استخدام عبارة "شبّيح علوي " في الخطاب المنشور في صفحات بعض التنسيقيات , أو رسائل SMS التي تنشرها بعض الفضائيات و كذلك في الحديث المتداول لبعض نشطاء الحراك الشعبي السوري.
*
*سؤال محوري و بسيط : هل نريد للثورة السورية أن تكون ثورة طائفية , أي ثورة للسنة ضد العلويين , أم نريدها ثورة وطنية لجميع السوريين ضد الظلم و النظام الاستبدادي , ثورة في سبيل الحرية والعدالة و الكرامة ؟!
على كل الشباب المشاركين في الثورة السورية و المناصرين لها الاجابة على هذا التساؤل و بوضوح .
*
لقد سعى النظام و منذ بداية الثورة السورية إلى تحويل الصراع من صراع بين شعب و سلطة مستبدّة , إلى صراع في المجتمع نفسه بين فئات الشعب السوري الواحد , بحيث تصبح السلطة المستبدّة هي الملاذ و بحيث تسوّق نفسها كبديل عن الحرب الأهليّة , و لست في هذا المقال بوارد التفصيل في ذلك.
*
بالتأكيد يوجد شبّيحة ينتمون للطائفة العلوية , و أتفهّم موقف ضحايا الشبيحة وأَسَف الكثيرين كيف أن جيرانهم و شركاء لهم في الوطن يستخدمهم النظام الاستبدادي في حربه ضد الشعب السوري فيستحلّون حرماتهم و ينتهكون إنسانيتهم , و جزء من هؤلاء الشبيحة من هم بالفعل مدفوعين بدوافع ثأر طائفي ضد السنّة و لكن هنا ينبغي التأكيد و التذكير بما يلي:
أولاً : الشبيحة ليسوا حكرا على أبناء الطائفة العلويّة بل هناك شبيحة من كل الطوائف بمن فيهم السنّة , و عددهم ليس بقليل فما زال النظام يحظى بدعم فئات اجتماعية ضمن الفئويّة السنّية , فهل شبيحة حلب و الجزيرة علويون ؟!
و من المعروف أن النظام استخدم ولاء بعض العشائر البدوية – من السنّة - في ريف حماة و إدلب في قمعه للحراك الشعبي و إثارة الفوضى و القيام بأعمال تشبيح .
ثانياً : عندما نقول "شبّيح علوي " و نُكثر من تَردادها و استخدامها , ففي ذلك سكوت بل لا بل دعم للشبّيح السنّي و شبيحة من الطوائف الأخرى , و كلهم في الجريمة سواء , فمن غير المتداول مثلاً في هذه الأوساط استخدام تعبير " شبّيح سنّي"
ثالثاً : ليس كل العلويين شبيحة و ليس كل السنة ثوّار في سبيل الحرية و الديمقراطية , و لا يجوز أخذ الفرد بجريرة الجماعة , و لا يجوز محاكمة الانسان على انتمائه الديني و المذهبي أو على انتماءه العائلي و العرقي , فهي أمور لم يختارها أي واحد منّا , و هي تلازمنا منذ الولادة من دون قرار منا , و لا تزر وازرة وزر أخرى و هذا مبدأ تكرسه كل الشرائع , فالإنسان يُحاكم على أفعاله و ما كسبت يداه فقط.
رابعاً : إن استمرار و تكريس الخطاب الطائفي ضد العلويين لا يخدم الثورة السورية بل قد يكون نقطة ضعف و مقتل لها , ففي النهاية شِأنا أم أبينا ,الآن أم لاحقا , لا بديل عن العيش المشترك بين السوريين بمن فيهم العلويون و السنة و غيرهم , و خيار التقسيم الطائفي لدولة علوية و أخرى سنية هو خيار بائس و كارثي و غير عملي , فهو يعني تهجير أو ابادة مئات الآلاف من السوريين من الطرفين و كذلك استمرار حرب أهلية بين الطرفين لأمد غير معلوم.
خامساً : الحروب الأهلية على أساس طائفي لا يوجد فيها منتصر و خاسر , فالكل خاسرون , و لنا في لبنان و العراق قدوة لا تُقتدى ,فما هو حال العراقيين اليوم , الشيعة منهم قبل السنة مثلا ؟
سادساً : محاربة الخطاب الطائفي لدى السنة , و العزوف عن استخدام تعبير شبّيح علوي , لا يعني محاباة أو الموافقة على الخطاب الطائفي لدى علويين , فالتصدي لأي خطاب أو مشروع طائفي يكون بتبني مشروع وطني ديمقراطي جامع للسوريين على أساس المواطنة المتساوية يحترم هويّتهم الثقافية و انتماؤهم الديني , و الاصرار على الخطاب الطائفي ضدّ العلويين من شأنه زيادة عنف الخطاب الطائفي عند العلويين تجاه السنّة بالمقابل , و ما يتبعه من استمرار القتل العبثي و المجاني في سبيل الشيطان.
سابعاً : بالنسبة للتشيع و الشيعة في سورية , يجب أن نكون ضد التبشير الشيعي ليس لكون المذهب الشيعي باطل أو غير جيد , بل لكون هكذا مشاريع كان الهدف منها نشر النفوذ و الهيمنة الايرانية في المنطقة تحت ستار و ذريعة التشيع , و لكون هكذا مشاريع تزعزع النسيج الاجتماعي الهش في بلد متعدد مثل سوريا , و علينا كذلك أن نكون ضد التبشير السنّي في مجتمعات الشيعة لكونه كذلك ذو أهداف سياسية ,و جزء من حرب باردة سنية شيعية برعاية دول اقليمية و استثمار أمريكي صهيوني.
و الموقف السابق لا يتنافى مع احترام عقائد الناس مادامت هذه العقائد لا تبرر الظلم , و لا يتنافى مع حرية الانسان في اختيار انتماءه الديني و المذهبي ,فلا إكراه في الدين , فإذا كان ذلك خيارا للفرد عن قناعة فهذا شأنه و على الله الحساب , و لكن ليس في سياق تبشير ديني يخدم قوى سياسية ليست بريئة ,لا تريد الخير لنا ,فنحن السوريين لنا الحق أن نعيش بوئام على تراب بلادنا و أنّ ندير شؤوننا بأنفسنا .
ثامناً : هل يقبلْ الثوّار ضد النظام الاستبدادي و السوريين بشكل عام أن يكون التكفيريين و تنظيم القاعدة و مشتقاته قائدا للثورة أو مهيمنا عليها ؟! و هل ثورة كهذه قابلة للنصر سواء بموازين القوى الداخلية و الاقليمية و الدولية ؟! لا أعتقد ذلك فعندها سيكون القضاء على هذه الثورة مطلبا كونيّا و سيتلقى النظام الاستبدادي دعماً بلا حدود .
ألم يستفيد السويون من درس التجربة الفاشلة للإخوان المسلمين و الطليعة الأخوانية المقاتلة في الثمانينات من القرن الماضي , و هل يشكل النموذج العراقي أو الصومالي أو نموذج دولة طالبان البائسة قدوة لنا ؟!
أم أننا في صدد بناء سوريا كدولة ديمقراطية حديثة , دولة تليق بالشعب السوري و تضحياته العظيمة , دولة نستعيد فيها مكانتنا بين أمم الأرض كمنتجين للحضارة و القيم الانسانية .
*الخلاصة : ضرورة عدم الانسياق للغرائز و العواطف , و التحلي بفضيلة الاعتراف بالخطأ و نقد الذات , و كذلك ضرورة تبني خطاب و سلوك يؤكد على الطبيعة الوطنية الجامعة للثورة السورية : كثورة في سبيل الحرية و العدالة و الكرامة و ليس أي شيء آخر , و هذا هو الأعم الغالب في الخطاب السياسي للثورة السورية .
عن الشبيح العلوي؟!

حمزة رستناوي
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية