أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قديم لا يموت وجديد عاجز عن الولادة ... روز نخلة

 تثائب الصباح بفراشي ... وعلا معه  صوت أمي رغم أن رأسي مخبأ تحت اللحاف ... غيداء قومي ... ياغيداء يجب أن تستيقظي  ... قومي ياشقية ... واقترب صوتها ليتشارك مع يدها بالإستيقاظ .. يجب أن تلحقي موعد المدرسة.



- غيداء  ياغيداء يابنت  ... وصمتت لبرهة عندما رأت رأسي يطل من تحت اللحاف .
- أنا مستيقظة يا أمي ... لكني لا أريد الذهاب للمدرسة .
- لماذا لا تريدين الذهاب للمدرسة إنشا لله ...
-  لا أريد فقط هكذا ، ليس لي رغبة بالذهاب اليوم إلى المدرسة .
- خذي إذا هذا الكف ربما يوقظك جيدا ، ويجعلك تقومين من سريرك نشطة ..  قومي البسي ومشطي شعرك .. سأقصه لك ياملعونة حتى أرتاح من تمشيطه وترتاحين أنت من كفوفي ... هات المقص .
- أرجوك يا أمي لا تقصي لي شعري أرجوك لا تقصيه ، فأنا أحبه مع أنه مشعث لكني أحبه شعري الأسود الطويل ، إنه دليل أنوثتي .
لكن أمي كانت قاسية علي ، أجلستني بين قدميها القويتين وقصته مرة واحدة وأصبح قصيرا جدا ، أتحسس خصلاته بيدي وأبكي بصوت يضج بالغرفة وأنا أحرك قدمي رافضة الوضع ، باكية ربما على أنوثتي ،
وقفت على حيلي أمشي بخطى تدب على الأرض بعنف تجر خيبتي معها .. رافضة الوضع ، وعندما نظرت في المرآه أغمضت عيني من بشاعة شكلي ، وبطريقة قص شعري وتجعده الكثيف الذي أعطاه بشاعة على بشاعة .. كل خصلة تنادي لرفيقتها أين أنت؟ ...  سامحك الله يا أمي ، إنها تعاملني بقسوة مثلما تعامل إخواني الأربعة ، لا تريد أن تقتنع أبدا بأنني بنت وهم صبية .
حتى في المدرسة أخذ الطلبة ينادونني يا رغيد وأخذوا يضحكون علي من من شكل شعري البشع الذي أعطى تضخما لكل ملامحي التي أحببت يوما أن  أرى فيها ملامح الأنثى لكن عبثا حاولت ... حتى المارة بالشارع يظنون بي ولدا .
ركضت إلى أمي طالبة منها برجاء أن تشتري لي حلقا لأذني حتى تتغير نظرة الناس لي  ، ويدركون بأنني بنت ولست ولدا ، ولبت لي الطلب واشترت لي حلقا جميلا ، تباهيت به لأثبت للعالم بأنني بنت ... بنت يعني أنثى .. وأحلم بأني سأصبح يوما ما صبية جميلة يركض وراءها الشبان يتمنون رضاها ، ولم تكمل فرحتي أكثر من أيام ...  ولأن الحلق رخيص الثمن ما لبث أن ضاع في زحمة اللعب بالشارع مع شلة المدرسة ، وهل لي بحلق آخر؟ وكأني أتعلق بوهم لأثبت أنوثتي ،  لم يبقى للدنيا طعم وأنا أفقد حرقة العطف والحنان من أمي وإخوتي معا ... رحمك الله يا والدي لو كنت على قيد الحياة لما ضاعت مفاتن أنوثتي ، وكأنني أحسها من خلالك ، أرتشفها من حنانك ،  مات جمالي ومات حلمي .. أخاف أن أنوثتي دفنت معك يا أبي .
ومرت السنين بطيئة ، لاتريد الجري وكأنها تعاندني  ، أريد أن أكبر .. أنظر بمرآة الخزانة الطويلة علي أرى ملامح المرأة تخط طريقها إلي ، عبثا لم أرى ...أحاول ألف جسدي يمينا ويسارا علي ألمح بروزا جميلا ..أريد أن  أكبر، لقد بلغت الخامسة عشر البس ثياب أمي عند خروجها ..البس الفستان والكعب العالي وأحمل حقيبتها  وأتبختر بالغرفة ، وأرقص على لحن الأغاني  ...  لكن عبثا وكأنني أنام بين أحضان يأس قاتل ، أو أنا مستعجلة في ترتيب حياتي كما يحلو لي ، أريد أن أقفز بين ضفتي شبابي المتنامي وأغير حلمي بالحياة ، أدقق النظر بين الفينة والأخرى بالمرآة ... يا إلهي ترعبني ملامحي حين تتلاعب فيها رياح الفتنة ... لا أرى جمالا يبحث عني أو كأنه تخطاني لأخرى أجمل مني .
أريد أن أكبر ... وأحلم ... ربما مر الزمان ولم يلقي التحية ... وربما وهم أعيش أنا ... يا إلهي  أنجدني ساعدني بأي زمن أنا ... لقد سقطت كلماتي وتكسرت أحرفي لا قدرة لها على السباحة في عالمي ،  وسبحت بخيال أنوثتي أحرس أهداب الليل علي أجد فيه خيوطا تداعبني ...  بعيدة عن عيون المراقبين أبدا لم أجد ... أحس وكأني سوسنة سوداء غارقة في حزن أبدي لاينتهي ...  وهل حياتي باتت عاجزة عن الولادة ؟؟
أبدا لا ... لا لن أسجد لكابوس الحزن ليعشعش في مسام حياتي ... لن أحني ظهري لأطنان من حجارة البؤس والأوهام ... في قلبي تنام أميرة تنتظر عودة الروح إليها ...تفرد وتسرح شعرها الجميل المفتون لتغوي به صاحب الفرس الأبيض ... لا بد يوما أن يأتي أوقظ  ملائكة الجمال لتسبح في خدودي وفي طيات جسدي... لأحكي قصيدة القمر... قصيدة الربيع قصيدة الحب المنتظر ... لزهور العشق والجمال ...  لتخط طريقا جديدة للحياة لتصبح حياتي قادرة على الولادة .

            

ضيعتنا
(126)    هل أعجبتك المقالة (126)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي