ضمن موجة الكتابات العربية والعالمية المسيئة للإسلام ، صدر كتاب للسوري نبيل فياض تحت عنوان " أم المؤمنين تأكل أولادها " وقد نشرته دار الجمل بلندن وأعادت توزيعه مكتبة مدبولي بالقاهرة ، وقد أثار الكتاب عاصفة من الهجوم عليه لأن المؤلف يقدح في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، ويطعن في الذات الإلهية وفي سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم وفي صحابته الصالحين ، وكل ما كتبه علله بأنه إعادة نظر في التراث الإسلامي!
كتاب فياض أثار أزمة كبيرة في معرض الخرطوم للكتاب حيث قامت السلطات السودانية يوم الثلاثاء 11 ديسمبر 2007، بإلقاء القبض على شخصين يعملان بدار مدبولي للنشر بمصر، على خلفية اتهامهما بالإساءة للدين الإسلامي لإدخالهما كتابا يسيء إلى السيدة عائشة أثناء مشاركتهما عن دار مدبولي للنشر في معرض السودان الدولي للكتاب، وحكمت محكمة في الخرطوم الاثنين 17 -12-2007 عليها بالسجن ستة أشهر؛ لإدانتهما بتهمة الإساءة للعقيدة والدين، واعتبره مراقبون يحمل سبا العقيدة والذات الإلهية.
وقالت الشبكة العربية لحقوق الإنسان، ومقرها القاهرة، أنّ جهوداً تبذل حالياً مع السلطات السودانية من الخارجية المصرية للإفراج عن المتهمين، فضلاً عن وساطات ودية للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى حتى لايتأزم الموقف.
استعان المؤلف في كتابه ببعض المراجع الشيعية الإثني عشرية ومنها : "بحار الأنوار، الكافي، من لا يحضره الفقيه، التهذيب، الاستبصار، وسائل الشيعة، مستدرك الوسائل، الميزان في تفسير القرآن " . بالإضافة إلي بعض المصادر لأهل السنة والتي فسرها على طريقته بالطبع.
الكتاب مليء بالتعدي اللفظي الصريح على كل المقدسات والرموز الإسلامية، فمثلاً تجد بكتابه العبارة التالية : "الإله، كما نتلمّسه في مفاهيم غالبية الإسلاميين الحاليين وتصوراتهم، أضعف من أي كائن بشري، مسلماً كان أم غير مسلم ـ لذلك فهو بحاجة إليهم كي يدافعوا عنه، بحميتهم المعهودة، وعنفهم التقليدي، وصيحات انتصارهم المخيفة" !.
التعدي على رسول الله
يقدح الكتاب في سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ويقدم تفسيرات وصفت بال" مغلوطة " للأحداث التاريخية والروايات، فيحاول التدليل على ما أسماه " تناقض " النبي بعد أن منع الإمام علي من الزواج بأخرى مع السيدة فاطمة الزهراء ابنته صلى الله عليه وسلم ، ويعترض الكاتب على ذلك لأن الرسول كان متزوجا بأكثر من امرأة، كما يحاول تفسير تعدد زوجات الرسول بطريقة تصور شهوته للنساء ، كما يدعي أن الأحاديث التي روتها السيدة عائشة رضى الله عنها صوّرت النبي شغوفاً بالطعام أيضاً".
وقد رد عدد من علماء الدين الإسلامي على الكاتب فياض بأن الثابت المشهور من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج إلا بعد أن بلغ الخامسة والعشرين من العمر، على الرغم من أن الزواج المبكر كان من أعراف المجتمع الجاهلي رغبة في الاستكثار من البنين ، كما اشتهر صلى الله عليه وسلم بالاستقامة والتعفف عن الفاحشة والتصريف الشائن الحرام للشهوة، رغم امتلاء المجتمع الجاهلي بشرائح من الزانيات اللاتي كانت لهن بيوت يستقبلن فيها الزناة ويضعن عليها "رايات حمر" ليعرفها طلاب المتع المحرمة.
كان عُمْر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى أول زواج له بعد وفاة السيدة خديجة قد تجاوز الخمسين وهى السنّ التى تنطفىء فيها جذوة الشهوة وتنام الغرائز الحسية بدنيًّا، وتقل فيها الحاجة الجنسية إلى الأنثى وتعلو فيها الحاجة إلى من يؤنس الوحشة ويقوم بأمر الأولاد والبنات اللاتى تركتهم السيدة خديجة - رضى الله عنها -. فهل استيقظت فيه الشهوة - وحاشاه - في أواخر عمره ؟!، وهل استيقظ هذه الشعور على خصوص النساء اللواتي ترملن؟ أو طلقهن أزواجهن؟!
كما يذكر علماء الإسلام أن الغرض من تعدد زوجات النبي صلَّى الله عليه وسلم كان من أجل دين الإسلام ولأسباب إنسانية مثل زواجه بالسيدة حفصة التي ترملت باستشهاد زوجها، كذلك كان زواج النبي لغرض تشريعي مثل زواجه بالسيدة زينب بنت جحش، حيث إنه صلَّى الله عليه وسلم كان قد تبنى زوجها زيد بن حارثة، وكان العرب يعتقدون أن آثار التبني هي نفس آثار البنوّة الحقيقية، فكان زواج النبي من زوجة ابنه بالتبني بعد أن طلقها زيد هو الوسيلة الفضلى لقلع هذا المفهوم الخاطئ من أذهانهم، وهكذا كان.
كما رد العلماء على من يدعي شهوة الرسول للطعام بأن كتب السيرة مليئة بمواقف زهد النبي عن الدنيا وملذاتها ، وكتب الصحيحين فيها ما يدل علي ذلك ومنها أن سيدنا عمر ابن الخطاب دخل علي النبي صلَّى الله عليه وسلم فوجده مضطجع على رمالِ وحصيٍر ليس بينه وبينه فراش، وقد أثّر في جنبه، فقال سيدنا عمر: "فرفعت بصري في بيته ، فوالله ما رأيت فيه شيئاً يرد البصر، فقلت : ادع الله فليوسع على أمتك، فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله، فقال: أوَفي شك أنت يا ابن الخطاب، أولئك قوم عُجِّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا".
وكان النبي دائماً ما يدعو: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا" يعني مجرد الطعام الذي يسد الجوع، وقال كذلك: "نحن قوم لا نأكل حتي نجوع، فإذا أكلنا لا نشبع" ، بل إن خادمه سيدنا أنس بن مالك ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا حين يأتيه الضيوف.
محاولة للنيل من سيرة " عائشة "
وتبقى سيرة آل البيت عطرة
ينتقل فياض في كتابه بعد ذلك في القسم الأولي إلي النيل من أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها فيبدأ باستعراض الروايات التي تذكر انتقالها إلي بيت النبوه، وقد لقب السيدة عائشة بـ "المرأة الطفلة"، ثم يقدح في أخلاقها فيسوق فهمه للروايات ليثبت أنها كان سيئة الخلق ويتهمها بضعف الإيمان بعدما قدم تفسيرا لقول رسول الله لها : "إني أعرف غضبك إذا غضبتِ، ورضاك إذا رضيت! قالت: وكيف تعرف ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا غضبتِ، قلت: يا محمد!. وإذا رضيتِ، قلت: يا رسول الله". ويعلق فياض على هذا النص بقوله: "فهل كان غضبها يحجب عنها إيمانها بنبوته؟"، كما نعتها في الكتاب بسوء الخلق والفظاظة ونقل أحاديث غير دقيقة تظهر محاولات منها للانتقام من الإمام علي بن أبي طالب ، كما حملها مسئولية ما حدث في خلافة الإمام علي من أزمات خاصة في معركة الجمل.
أما رد علماء الإسلام على النقاط المثارة حول السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، فجاء بأنه في معركة الجمل رأى سيدنا طلحة والزبير والسيدة عائشة أن الأولى أن يكون الاهتمام بالقبض على قتلة سيدنا عثمان رضى الله عنه أولا من السبئية وهذا كان اجتهادهم، والإمام علي رأى أن تستتب أمور الدولة أولا ثم القصاص لسيدنا عثمان، لكن سيدنا طلحة والزبير أصرا على أن ينالا أولا من قتلة سيدنا عثمان فاعترضهما بعض جنود سيدنا علي ، ومضوا حتى علم الإمام علي بن ابي طالب، فجهز جيشا لمواجهة جيش طلحة - وهنا يتضح أن سيدنا طلحة والزبير إنما أرادا قتل السبئية قتلة سيدنا عثمان وما أرادا قتال الإمام علي رضى الله عنه وجيشه، ولما علم سيدنا طلحة والزبير أن الأمر سيتحول إلى إقتتال بين المسلمين ذهبا إلى أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها يطلبان منها أن تهديء الغضب فهي لها قدرها عند الجيشين ولما بلغت السيدة عائشة - رضي الله عنها - مياه بني عامر ليلاً نبحت الكلاب، قالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: "كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب". فقال لها الزبير: ترجعين!! عسى الله عز وجل أن يصلح بك بين الناس، وهذا الحديث صححه خمسة من كبار أئمة الحديث هم: ابن حبان، والحاكم، والذهبي، وابن كثير، وابن حجر العسقلاني.
وبعد إنتهاء الحرب يوم الجمل جاء الإمام علي إلى السيدة عائشة فقال لها: "غفر الله لك، قالت: ولك، ما أردت إلا الإصلاح" أي لتهدئة المسلمين وليس إثارتهم على بعضهم .
كذلك يقول الباقلاني: "وقال جلة من أهل العلم إن الوقعة بالبصرة بينهم كانت على غير عزيمة على الحرب بل فجأة، وعلى سبيل دفع كل واحد من الفريقين عن أنفسهم لظنه أن الفريق الآخر قد غدر به، فخاف قتلة عثمان من التمكن منهم والإحاطة بهم ، فاتفقوا على أن يختلطوا بالجيشين ويصيح الفريق الذي في عسكر علي: غدر طلحة والزبير، ويصيح الفريق الآخر الذي في عسكر طلحة والزبير: غدر علي، فتم لهم ذلك على ما دبروه، ونشبت الحرب" فكان كل فريق منهم مانعاً من الإشاطة بدمه فحسب.
كما هاجم المؤلف في كتابه أيضا الخلفاء الراشدين وبالأخص سيدنا عثمان بن عفان ويتهمه بأنه كان "سليط اللسان"، بأن أورد المؤلف رواية مفادها أن سيدنا عثمان - رضي الله عنه - قد سب سيدنا عمار ابن ياسر بأمه، رغم أن هذه الرواية لا توجد إلا في كتب بعض الشيعة .
عن حادثة الإفك التي برأ الله السيدة عائشة رضى الله عنها منها في كتابه الحكيم يتهجم نبيل فياض على تبرئة الله سبحانه وتعالى لأم المؤمنين ويتعجب قائلاً: "ما هو سرّ تدخل الله الغريب هذا في تهمة تخصّ مراهقة لم تبلغ الخامسة عشر من العمر ـ تهمة عادية في ذلك الزمان".
وقد تجاهل الكاتب الروايات الصحيحة المنقولة عن حادثة الإفك حينما نزلت أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها في أثناء عودة المسلمين إلى المدينة بعد غزوة بنى المصطلق من هودجها لتقضى حاجتها، فلما عادت إلى هودجها فقدت عقداً لها، فرجعت مرة أخري لتبحث عنه حتى وجدته، وفي هذه الأثناء تحرك الجيش، وحمل الرجال هودجها فوضعوه على البعير وهم يحسبونها فيه ـ إذ كانت صغيرة خفيفة رضى الله عنهاـ ومضى المسلمون إلى المدينة وقد تركوها في البيداء، فمكثت في مكانها ،فغلبها النوم فغفت عيناها الكريمتان فمر بها صفوان بن المعطل وهو رجل من خيار الصحابة ، وكان في آخر جيش المسلمين يلتقط ما يسقط منهم لإعادته لهم ثانية ، وعندما وجدها عرف أنها أم المؤمنين عائشة، فقال "لا حول ولا قوة إلا بالله"، ولم يكلمها حتي بكلمة واحدة وهذا من أدب هذا الصحابي المؤمن، فأناخ لها بعيرة لتركبه؛ ثم سار بها حتي وصل إلي مقر الجيش.
وجد المنافقون الفرصة سانحة لإطلاق سهام الشائعات، فنشروا الريب، ووصلت اتهاماتهم إلي النبي صلَّى الله عليه وسلم وضاق بها ذرعاً ، وكان على ثقة من براءة زوجته الطاهرة ، بدليل أنه شكا أهل الإفك لأصحابه في المسجد ، ولما علمت السيدة عائشة رضي الله عنها بما قالوا صبرت واحتسبت وهي تنتظر أن يُعْلم الله نبيه ببراءتها برؤيا صادقة، وجاءت برائتها بعد شهر من الحادثة، وأنزل الله سبحانه وتعالى آيات البراءة: " إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم" إلى آخر الآيات فقال النبي صلى الله عليه وسلم" "أبشرى ياعائشة: قد أنزل الله براءتك".
المؤلف
نبيل فياض هو كاتب وباحث في الأديان وناقد للتراث الاسلامي، وهو سوري في منتصف العقد الرابع .. درس الصيدلة في جامعة دمشق، كما درس اللاهوت المسيحي، وتعلم العبرية والآرامية، فضلا عن اتقانه للغات الانكليزية والألمانيّة والإيطاليّة ..
عمل نبيل فياض فترة في الصحافة اللبنانية، وله مجموعة من الأعمال المطبوعة التي أثارت الجدل في الاوساط الثقافية الفكرية ومعظمها ممنوع من التداول في عدد من الدول العربية من أهم أعماله: يوم انحدر الجمل من السقيفة، الهاجريّون، نيتشه والدين، حوارات في قضايا المرأة والتراث والحرية، التلمود البابلي، رسالة عبدة الأوثان، كافكا-التحوّل، محمّد نبي الإسلام، أم المؤمينن تأكل أولادها، النصارى، حكايا الصعود، نصّان يهوديان، سلسلة كتب: مشروع الدين المقارن، فضلا عن بعض الاعمال الاخرى المخطوطة والتي لم تنشر بعد.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية